لمواجهة حالة الغضب في الشارع الفلسطيني على اغتيال الناشط السياسي الشهيد المغدور نزار بنات, واتساع دائرة التظاهرات وزيادة اعداد المشاركين, شرعت السلطة الفلسطينية بعدة خطوات لا تستند الى عقل او منطق, ولا تدل على وعي من أقرها وفهمه وقدرته على التحكم في دفة الامور, فما تفعله السلطة خارج عن المألوف ولا يمكن تصنيفه بالدفاع عن النفس, انما يأتي في سياق رؤية السلطة في التعامل مع خطاياها بمنطق علي وعلى اعدائي, ووفق هذه المعادلة شرعت السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية بعدة خطوات لا يمكن وصفها الا بأنها خطوات عمياء وتزيد من غضب الشارع الفلسطيني وتدفع الى انقسام في المواقف الداخلية ربما تؤدي الى احتقان ومواجهة لن تكون في صالح شعبنا ولن تخدم مصالحنا والمستفيد منها هو الاحتلال.
اولا: شرعت اجهزة امن السلطة ببث حملة تشوية ضد نزار عن طريق الاجهزة الامنية حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات وفيديوهات مسيئة نسبت للشهيد المغدور نزار بنات, وكأن هذا مبرر للأجهزة الامنية لقتل المعارضين, وتعالت اصوات مأجورة كيف بتدافعوا وانتم إسلاميون عن شخص بيقول هيك عن الحج والكعبة وكسوة الكعبة, وهذه محاولات رخيصة تعبر عن تدنٍ اخلاقي لمن نشرها ونسبها لنزار بنات.
ثانيا: محاولة احداث حالة توتير في الشارع الغزي من خلال تحريض ابناء حركة فتح على بث الشائعات والترويج لسياسة الاعتقال السياسي التي تمارسها حماس, واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات واستخدام حاجة الناس وجوعهم وفقرهم وكأن حماس هي المسؤولة عن ذلك وليس الاحتلال الصهيوني الذي يمارس الحصار على قطاع غزة منذ خمسة عشر عاما ويغلق المعابر التجارية مع القطاع.
ثالثا: الاستعانة بأبناء حركة فتح وعناصر امن السلطة واستدعاؤهم الى الشارع للخروج بمسيرات مؤيدة للرئيس محمود عباس, كما حدث في الخليل حيث قتل الشهيد المغدور نزار بنات, وفي هذا استفزاز لمشاعر اهله واقاربه ومريديه, وكان من الممكن ان يؤدي الى فاجعة خطيرة لا سمح الله وهى مغامرة مارستها السلطة غير محسوبة النتائج, بغية الحفاظ على مواقع السلطة والحكومة ورؤساء الاجهزة الامنية الفلسطينية.
رابعا: استمرار عمليات الملاحقة والاعتقال للمعارضين لسياسة السلطة الفلسطينية, ومن يخرج في مسيرات سلمية تطالب بمحاسبة مرتكبي الجريمة وتدعو لإقالة رئيس السلطة ورئيس الحكومة, فتم توقيف العشرات من المتظاهرين من بينهم الصحفي علاء الريماوي الذي أعلن اضرابه المفتوح عن الطعام, كما اعتقل المحامي مهند كراجة بتهمة المشاركة في مظاهرة أمام مبنى المحكمة المنددة باعتقال الناشطين غسان السعدي ومحمد فرارجة. وأفرج عنه بعد توقيعه تعهداً بالعودة إلى النيابة اليوم لتحويله إلى المحكمة ومقاضاته.
خامسا: نشر عناصر الامن بلباس مدني بين المتظاهرين هي وسيلة اقتبستها اجهزة امن السلطة من وحدات المستعربين الصهاينة, وهى من شأنها ان توقع ضحايا عندما يختلط الحابل بالنابل, وقد تؤدي الى المزيد من التوتر والغليان لدى المتظاهرين عندما يتم اختطاف اخوانهم من بينهم وتعرضهم للضرب والسحل والاعتقال.
سادسا: الاصرار على تحدي كل الاطراف الرسمية والفصائلية والشعبية التي تطالب بلجنة تحقيق مستقلة للوقوف على تفاصيل الجريمة وتقديم الجناة للمحاكمة, فرفض لجنة تحقيق مستقلة يوحي بأن السلطة تريد أن تتستر على شخصيات متنفذة داخل السلطة ومتورطة في قتل الشهيد المغدور نزار بنات.
سابعا: الاصرار على عدم اطلاع أحد على التحقيقات التي خرجت عن اللجنة التي عينتها الحكومة الفلسطينية والتي احالت بموجبها كما تقول ثمانية من عناصر اجهزة امن السلطة الذين شاركوا في اعتقال نزار بنات الى المحكمة, حتى عائلة بنات لم تطلع على تفاصيل التحقيق المرفوضة منها , لذلك طالبت بلجنة تحقيق مستقلة.
ثامنا: الرهان على عنصر الوقت والتسويف والمماطلة لنسيان الجريمة وغض الطرف عن الفاعلين, من خلال لجنة تحقيق تأخذ وقتها بأريحية, وتقدم توصياتها التي لا يطلع عليها سواها, وترفع الامر لجهة سيادية, ثم تنتظر مدة حتى يتحرك الملف من جهة الى اخرى فتموت القضية وينسى الناس وتمر الجريمة بلا عقاب.
تاسعا: السلطة تقول ان «اسرائيل» والادارة الامريكية تساندها وتقف الى جانبها, وان المجتمع الدولي والدول العربية تقف معها في مواجهة معارضيها, وانها لا تخشى الملاحقة القانونية او العقاب من أي جهة حقوقية وان التلويح بحجب المساعدات المالية عنها مجرد افتراءات لا اساس لها من الصحة.
السلطة خلصت الى قناعة انها خلقت حالة تنافر واضحة بينها وبين الشارع الفلسطيني, وتزايدت الفجوة بجريمة قتل نزار بنات, وتفاقمت بخروج التظاهرات المنددة بسياسة السلطة وسياسة القمع التي تستخدمها اجهزة امن السلطة, لذلك تتعزز قناعة السلطة بخيارها الخاطئ والاستعلائي «عليا وعلى اعدائي».
السلطة .. عليا وعلى اعدائي
بقلم/ خالد صادق