قلم: أ. محمد حميد "أبوالحسن"
لا تزال المنطقة تعاني من تداعيات ثورات الربيع العربي التي ما فتئت تأثيراتها السياسية والاقتصادية حاضرةً وبقوة في المجتمعات العربية، ورغم محاولات السيطرة والحسم التي تحاول القوى التقليدية المدعومة بغطاء المؤسسات الأمنية والعسكرية والإعلامية تنفيذها، إلا أن الأمور بقيت تراوح مكانها ليستمر الانقسام السياسي محيطاً بكل قضايا المنطقة العربية.
وعلى صعيد آخره تعاني قوى المقاومة للمشروع الغربي من ملاحقاتٍ واغتيالاتٍ واعتقالات، فضلاً عن حصارٍ خانق للمناطق التي تسيطر عليها هذه القوى أو تملك نفوذاً فيها، ففي قطاع غزة بلغ التضييق والحصار مبلغه خاصةً بعد معركة سيف القدس المظهرة التي سجلت المقاومة الفلسطينية فيها حضوراً بارزاً، وعجزت فيه آلة العدو بما امتلكت من تكنولوجيا متقدمة عن إطفاء جذوتها، والأمر ذاته في لبنان التي حققت فيها المقاومة اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله نجاحاتٍ كبيرة تمثلت في دحر الاحتلال الصهيوني عام 2000م، مروراً بالتصدي التاريخي للحرب الصهيونية على لبنان عام 2006م، ولا تزال هذه المقاومة تعد العدة لمفاجئة العدو حال ارتكابه أي حماقةٍ جديدة، ونتيجةً لذلك يقاسي اللبنانيون حرباً اقتصادية خانقة تستهدف قوت يومهم في عقابٍ جماعيٍ لحاضنة المقاومة التي مارست حقها في الدفاع عن شعبها، ويستمر مسلسل التضييق في اليمن والعراق وليبيا التي تواجه فيه قوى المقاومة تلفيقاً طائفياً بقوالب جاهزة من بطن التاريخ بالإضافة إلى ما يقاسونه من حصارٍ غربيٍ مطبق.
هذا الوضع العربي يشير إلى إصرارٍ لدى القوى التقليدية على إشغال المقاومة بمعارك جانبية في سبيل هدر طاقاتها، ولولا حكمةٌ أُلْهمها قادة المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرهما من المناطق ومعرفتهم العميقة بطبيعة الصراع ومتابعاتهم الحثيثة لتحركات العدو لانشغلت طاقات هذه المقاومة في ترهات بعيدة كل البعد عن أهداف المقاومة ولعملت لأجنداتٍ بعيدة عن الإعداد للمعركة الأخيرة التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى بإذن الله.
الحصار على المقاومين يشتد وحاضنة المقاومة تكابد الفاقة والفقر وقلة الدواء، وتمتلئ السجون بالمناوئين، مشهدٌ لا يمكننا معه إغفال دور الغرب وفي مقدمته دولة العدو في تقديم المساعدات الفنية لكل تلك الإجراءات العقابية التي تسعى لخنق المقاومة والمقاومين، وتسوم حاضنة المقاومة الشعبية سوء العذاب لاحتضانهم ومساندتهم لهذا المشروع، فدولة الاحتلال تمارس دور شرطي المنطقة الذي يدعم بشكلٍ لافتٍ جميع القوى التقليدية التي تسعى لتثبيت أوضاعها في دولها رغم فشل تجربتها السياسية وفشلها الوظيفي المتكرر في تلبية طموحات شعوبها في ظل أداءٍ حكوميٍ مترهلٍ غارقٍ في الفساد.
هذه المساهمات من دولة العدو والولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي المتوشحة بمليارات الخليج العربي تؤشر لمعركة منظمة ضد المقاومة والمقاومين، وهو أمرٌ يجب أن تقف قوى المقاومة عنده ملياً، وتتخذ خطواتٍ عملية لمناهضة هذا التحالف الهجين ومقاومته والعمل على إيجاد بدائل وحلول رادعة على الأرض، وأكاد أجزم أن لدى القوى المقاومة والوطنية الشريفة القدرة على تحقيق نجاحاتٍ هامة في هذا التحدي الرئيس الذي يواجه الشرق الإسلامي برمته.
وأول هذه الخطوات –في تقديرنا- ينبغي أن يكون مستنداً إلى الشراكة عبر فتح قنوات الحوار الداخلي بين هذه القوى المقاومة لتحديد الأولويات بتجردٍ عما هو طائفيٌ أو عرقي، عوضاً عن حالة التشتت والتشرذم والإتفاق على برنامج الحد الأدنى، فلا يقبل حرٌ أن تجتمع قوى الاستكبار والإفساد في الأرض على الأحرار، في حين يغرق الأحرار في تكفير بعضهم البعض واتهام بعضهم البعض بالتآمر، دون امتلاكهم رؤيةً متفقاً عليها توحد جهودهم الرافضة للمخططات الاستعمارية.
فليس من المعقول أن يراهن بعض الأحرار على التغيرات السياسية في الولايات المتحدة في أعقاب تولي بايدن سدة الحكم وخروج الرئيس السابق ترمب، في اعتقادٍ منهم أن ذلك سيسفر عن تغيرٍ استراتيجي في سياسة الولايات المتحدة، غير آخذين بالحسبان أن الولايات المتحدة تحكمها مؤسسات أمنية وسياسية لا تغير استراتيجياتها بتغير الرؤساء والحكام، في حين ربط البعض مستقبله السياسي بالتحركات الروسية وكأنّ روسيا هي المسؤولة عن تحديد مكانته في المنطقة، وغيرهم ممن يعلق آمالاً كبيرة على الاتحاد الأوروبي المتزين بشعار حقوق الإنسان، معتقداً أن هذا الاتحاد ذو موقفٍ محايدٍ في صراعنا مع العدو.
القراءة الموضوعية لظروف المقاومة تشير إلى هجمةٍ كبيرةٍ تستهدف كل ما هو أخلاقي ووطني في المنطقة، ومن المفيد –في تقديرنا- مواجهة هذه الهجمة بإحداث إرباكات لدى قوى الشر، فيمكن –على سبيل المثال- الاستفادة من ضخامة جمهور المقاومة المقدر بالملايين بمقاطعةٍ اقتصادية للبضائع الغربية في المنطقة، بموازاة فتح المجال للشبان المتخصصين في المجالات المختلفة، وخاصة في المجال السيبراني لإحداث اختراقات نوعية لمنظومات دول الشر، بالإضافة إلى الحملات الشعبية أمام ممثليات تلك الدول، بما تحمل هذه الحملات من بُعد فكريٍ وإحياءٍ للعداء معها، ولا يمكن تناسي مواجهة رموز الفساد والإفساد والتطبيع في المناطق العربية ومحاربتهم وإظهار سوءتهم أمام الشعوب، لخلق رادع أمام من تسول له نفسه جرّ مجتمعاتنا نحو التراجع.
أعلم جيداً أنه يمكننا فعل الكثر مما سبق وغيره لو توفر لدينا الإرادة والتوافق السياسي وفي أجواءٍ يملأها الترفع عن الخلافات الداخلية التي تعصف بقوى المقاومة وأحرار المنطقة العربية والإسلامية، وأعلم جيداً أن عدم توفر هذه القناعات للعمل المشترك سيجعلنا أمام تحدياتٍ ستطيل عمر المعركة وتؤخر النصر المنتظر لسنواتٍ أخرى مع ما يصحب تأخره من معاناة وتضييق وعذابات.