أدى تطور وسائل الإعلام في العقود الأخيرة والمنافسة الشديدة بينها إلى إحداث تغيير جوهري في شكل الأنواع الإعلامية ومضمونها، وأصبح لكل منها خصوصيته، التي أسهمت في تقدُّمه، ومع تطور الأحداث، وتنوع الظواهر، وارتفاع حدة المشاكل المجتمعية، وارتباطها بحياة الجمهور، كان على المؤسسات الصحفية المختلفة ابتكار طرائق صحفية جديدة، وفي سياق ظهور تيارات صحفية تجديدية برز أسلوب إعلامي جديد جاء نتيجة التغييرات في الملكية الإعلامية ونوعية المضمون الإعلامي، وهو صحافة الحلول Solutions Journalism.
وتعد صحافة الحلول Solutions Journalism نهجاً لتقارير تتجاوب مع المُشْكِلاتِ المجتمعية وتبحث في حلولها دون تناسي المشكلات الموجودة، فهي تعالج المشكلات المجتمعية بطريقة تتجنب طرحها على أنها يائسة ولا أمل فيها، إذ تجعل مبادرات وأنشطة حل المشكلات مرئية أمام الجمهور حتى يتمكن المجتمع ككل من إدراك الخيارات الكاملة المتاحة لحل المشكلات.
الباحث محمد السيقلي أعد رسالة هي الأولى من نوعها في مجال صحافة الحلول بعنوان (توظيف المواقع الإخبارية الفلسطينية لصحافة الحلول في معالجة المُشْكِلاتِ المجتمعية)، لاستكمال درجة الماجستير في الصحافة من الجامعة الإسلامية، بإشراف البروفيسور جواد راغب الدلو، ومناقشة كلاً من الأستاذ الدكتور طلعت عيسى (مناقشاً داخلياً)، والدكتور موسى طالب (مناقشاً خارجياً).
وهدفت الدراسة إلى التعرفِ على مدى توظيف المواقع الإخبارية الفلسطينية لصحافة الحلول في معالجة المشكلات المجتمعية، ومدى اهتمامها بها، ورصد أنواع المشكلات التي ركزت عليها، ومصادرها، ونطاقها الجغرافي، وأنواع الحلول التي تطرحها، ومدى وضوحها، وملائمتها للتطبيق، ومواطن التركيز في السرد التحريري، وأساليب الإقناع المستخدمة معها، والأشكال الصحفية المستخدمة في عرضها، وأنواع عناوينها، وصورها وتعليقاتها، ومدى ارتباطهما بحل المشكلة، وعناصر تدعيمها، وأوجه الشبه والاختلاف بينها في توظيف صحافة الحلول في معالجة المشكلات المجتمعية.
وتعد دراسة الباحث السيقلي من البحوث الوصفية التي استخدمت منهجي: الدراسات المسحية وفي إطاره أسلوب تحليل المضمون، ومنهج العلاقات المتبادلة ومن خلاله أسلوب المقارنة المنهجية، باستخدام استمارة تحليل المضمون، واعتمدت الدراسة على نظرية ترتيب الأولويات، أما عينة الدراسة فهي موقع وكالة فلسطين اليوم الإخبارية، وموقع وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)، وموقع وكالة وطن للأنباء، وتمثلت العينة الزمنية في الفترة الواقعة ما بين 1 يناير 2020 وحتى 30 أبريل 2020 بواقع أربعة شهور، مستخدماً "أسلوب الحصر الشامل"، بواقع (127) موضوعاً صحفياً، وخلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أبرزها:
- جاءت المشكلات "الصحية والبيئية" بالمرتبة الأولى بنسبة (37.8%) بواقع (48) تكراراً، تلتها المشكلات "الاقتصادية" في المرتبة الثانية بنسبة (18.9%) بواقع (24) تكراراً.
- تساوت الحلول "الاجتماعية" و"التقنية" وجاءتا في المرتبة الأولى بنسبة (20.5%) بواقع (26) تكراراً، تلتها الحلول التعليمية والثقافية في المرتبة الثالثة بنسبة (15.7%) بواقع (20) تكراراً.
- حلت فئة "المواطنون" كإحدى مصادر الحلول في المرتبة الأولى بنسبة (46.5%)، وفي المرتبة الثانية المؤسسات الأهلية بنسبة (18.1%) ثم الخبراء والمختصون بنسبة (17.3%).
وبناءً على تلك النتائج، خلصت الدراسة إلى توصيات عدة، أهمها:
- ينبغي أنْ تولي المواقع الإخبارية الفلسطينية اهتماماً خاصاً بموضوعات صحافة الحلول، بزيادة عددها، والالتزام بمعاييرها ومحدداتها، نظراً لأهميتها، وأثرها الإيجابي على المجتمع.
- ضرورة اهتمام صحافة الحلول بالمشكلات المجتمعية الأخرى مثل: الاجتماعية، والسياسية، والفكرية، والدينية، والأمنية، إلى جانب اهتمامها بالمشكلات الصحية، والاقتصادية، والتقنية.
- تنظيم دورات تدريب وورش عمل مركزة للصحفيين العاملين في المواقع الإخبارية الفلسطينية تتعلق بصحافة الحلول، ودمجها في خطط أقسام الإعلام في فلسطين.
وأشاد المناقشان الداخلي والخارجي بالرسالة كونها الدراسة الأولى في الوطن العربي التي تبحث في (صحافة الحلول)، واتباعها أسلوبٍ علميٍ منهجيٍ رصين للوصول إلى النتائج، كما تميزت بإطارها المعرفي الذي استند بمجمله إلى دراسات أجنبية، مشيدين بالمناقشة المنهجية لنتائج الدراسة، وقوة التوصيات والخلاصات العلمية التي توصلت لها.
وأشار المناقشان إلى أن الرسالة ستكون الأساس الصلب لأبحاثٍ عربية جديدة تختص بـ"صحافة الحلول"، كونها أول دراسة تتطرق لهذا النوع من الاتجاهات الحديثة والتجديدية في مجال الكتابة الصحفية.
والباحث محمد السيقلي يعمل في مجال الصحافة منذ 12 عاماً، وتدرج في العمل الإعلامي وصولاً إلى ترأسه مؤسسة شمس نيوز الإخبارية، ومديراً لدائرة التدريب والتطوير في التجمع الإعلامي.
ومشرف الرسالة هو البروفيسور جواد راغب الدلو أستاذ الإعلام في الجامعة الإسلامية، وهو من القامات العلمية الرفيعة في الوطن العربي، التي أسست وارست مناهج البحث الإعلامي، وعرف عنه تميزه في معالجة قضايا بحثية جادة فريدة من نوعها مثل: صحافة الخدمات، وصحافة البيانات، الإنفوجرافيك، وصحافة الدقة، والصحافة المتأنية.
والبروفيسور الدلو شغل منصب عميد كلية الآداب في الجامعة الإسلامية (سابقاً)، ورئيس قسم الصحافة في الجامعة الإسلامية (سابقاً)، ومحاضراً في الإعلام الفلسطيني في أكثر من جامعة فلسطينية، ومقيم ومحكم للعديد من برامج الإعلام لهيئة الاعتماد والجودة في وزارة التربية والتعليم العالي، ولقد منحته الجامعة الإسلامية قبل عامين رتبة أستاذ شرف وهي أعلى درجة ، نظراً لما قدمه للجامعة من خدمات، ولسجله العلمي والاكاديمي المتميز جداً والحافل بالعديد من البحوث والمشاريع البحثية، والشهادات التقديرية إلى جانب الإشراف على طلبة الدراسات العليا وخدمة المجتمع.
ومن اصدارات البروفيسور الدلو ( الصحافة الدينية في الوطن العربي، وكتاب التشريعات الإعلامية في فلسطين، والإعلام والأمن : تكامل أم تضاد، بحوث إعلامية، وفن الحديث الصحفي وتطبيقاته العملية، ودراسات في الصحافة الفلسطينية، ودراسات في تاريخ الصحافة الفلسطينية، والصحافة والصحفيون بين سبل رفع مستوى المهنة وتشكيل نقابة فاعلة، وتوثيق إعلامي: مجزرة الحرم الإبراهيمي).