تُزعجنى كثيراً بعض الكتابات التى تتحدث عن التحوّل الخطير الذي حدث فى المنطقة الاسلامية مؤخراً وسيطرة حركة طالبان على الحكم فى أفغانستان خصوصاً عندما يصدر ذلك عن كُتّاب ينتمون الى الخط الاسلامى ويضعون القارئ فى آخر مقالاتهم فى دائرة الشك لتنطلق الأسئلة بعد ذلك، هل ما حدث هو خطة مدروسة بين طالبان وأمريكا؟ هل سيتم استخدام طالبان مستقبلاً لخدمة المصالح الأمريكية؟ هل أمريكا تريد من طالبان أن تقوم بدور شرطى المنطقة فى مواجهة الصين من الشرق وإيران من الغرب وروسيا من الشمال؟ وكأنهم استعظموا خروج قوة مثل امريكا من أفغانستان، وقد نسوا ان الاتحاد السوفياتى سابقاً فقد قطبيته وامبراطوريته تحت وطأة ضربات المجاهدين الافغان فى نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، هذه التغيرات الكونية تخضع للناموس الالهى الثابت " الضعيف لا يبقى ضعيفاً والقوى لا يبقى قوياً " على المستوى الفردى والجمعى والأممى.
الحقيقة تقول إن طالبان انتصرت، بعد عشرين عاما من القتال وكانت مقراتهم العسكرية هى الجبال والكهوف والمغارات واستطاعوا ايقاع الخسائر الكبيرة فى القوات الامريكية وجيش النظام الذي جاء على ظهر دبابة أمريكية ونصّبته امريكا حاكماً على أفغانستان، امريكا انهزمت لأن مجاهدى طالبان لم يتنازلوا ولم يوقفوا القتال منذ ان صبّت امريكا علي طالبان قبل عشرين عاماً جامّ غضبها وهى التى منعها دينها ونخوتها من تسليم اسامة بن لادن رحمه الله لأمريكا وكان الثمن الذى دفعته طالبان والشعب الأفغانى حينها باهظا جداً.
كما أتمنى ألا نعقد مقارنة بين ثورات الربيع العربى وما حدث فى أفغانستان ، لأن الحق الأفغانى تحميه قوة لا يُستهان بها ، لكن ثورات الربيع العربى لم تكن لها قوة تحميها واذا وُجدت هذه القوة انحرفت بالاتجاه الذى تريده أمريكا والغرب لذا الفشل كان ينتظرها ، كما أن البون شاسع ما بين منظمة التحرير وبين حركة طالبان وثوار الفيتكونغ فى فيتنام حيث أنَّ المنظمة عندما سارت فى طريق المفاوضات تخلت عن المقاومة ورفضتها بل وأدانتها امام العالم تحت ما يسمى ( ادانة الارهاب ) وحاصرتها ولاحقت أجهزة امن السلطة المنبثقة عن اتفاقية اوسلو (ما بين المنظمة والاحتلال الصهيونى ) المقاومين واعتقلتهم وطاردتهم وقتلت منهم ولا يزال رئيس السلطة وامام وسائل الاعلام لا يتورع على تأكيد رفضه للمقاومة ويعتبرها عبثية ويعلنها صراحة أنه يطالب اجهزة أمن السلطة بتفتيش حقائب طلاب المدارس فى الضفة خوفاً من وجود حجارة او سكاكين يقاومون بها جنود الاحتلال ومستوطنيه ، فيما ثوار فيتنام وطالبان كانوا يفاوضون الامريكان تحت أزيز الرصاص وقاذفات المدافع.
لم يُرعب ثوار الفيتكونغ او طالبان ما تمتلكه امريكا من ترسانة عسكرية هائلة ومدمرة ، فالحرب بين أهل الحق واهل الباطل هى حرب ارادات والمنتصر اخيراً هو صاحب ارادة الحق التى لا تنكسر أبداً والذى عنده ايمان عميق بعدالة قضيته فلا يتنازل عن حقه مهما أصابه من جراحات ومحن وابتلاءات ، انتصرت طالبان على قوة امريكا التى لا تضاهى فى الميزان البشرى، وحوصرت باكستان وقطعت امريكا عنها ٢ مليار دولار كانت تعطيها لها سنويا كمعونات لأنها لم تشارك فى قتال طالبان وحصارها واتهمت امريكا باكستان بدعم طالبان ، مع ان باكستان ليس لديها ما تمد به طالبان وهى التى تعيش الحصار والجوع من امريكا ولا تجد ما تُشبع به شعبها.
إن نتيجة هذا الانتصار ومن آثاره الحقيقية هو ما أصاب اسرائيل من رعب وقلق وهذا ما أكده قادة اسرائيل صراحة وإن ما صنعه هذا الانتصار من تغيرات اقليمية لن يكون فى صالح اسرائيل وخصوصاً امام تقدم وتطور قوة المقاومة التى تحاصرها من كل مكان ، لذا على رأس الملفات التى يناقشها بينيت رئيس الوزراء الصهيونى مع الرئيس الأمريكى ، أولاً التعبير عن القلق الاسرائيلى من انسحاب أمريكا من أفغانستان، ثانياً نية أمريكا بالعودة للاتفاق النووى الايرانى ، كما ان اسرائيل تخشى ان تلاقى نفس المصير الذى لاقته امريكا وعملاؤها فى افغانستان ، وخصوصا أن الضعف والهُزال بدأ يصيب الامبراطورية الامريكية كما ان الأولويات لدى أمريكا قد تغيرت وهى التى تتحداها محاور عدة ليس فقط محور المقاومة الذى اصبح يتحداها فى عرض البحار والمحيطات وفى الجو فتهرب من العراق وافغانستان وسوريا وتترك حليفتها السعودية تتمرغ فى وحل اليمن ومن قبل انسحابها من لبنان بعد ما مُنيت به قوات المارينز من خسائر.
كذلك محور الصين الاقتصادى العملاق والذى يعتبر المحللون أن الحرب القادمة حتمية بين أمريكا والصين لتأكيد السيطرة على الاقتصاد العالمى وتريد أمريكا ان تتفرغ لذلك ، كما أن هناك روسيا التى يؤكد قادتها دائما بعدم السماح لأمريكا ان تسيطر على آسيا ، لذا من الطبيعى ان تشعر اسرائيل بالرعب على مستقبلها فى المنطقة وهى تعيش الحصار الذى تعيشه والذى سيزداد خناقه فى قادم الايام واذا وجد الامريكان وعملاؤهم مطار كابول ليهربوا منه فان الاسرائيليين لن يجدوا مطارات لأنها ستكون تحت قصف نيران المقاومة وقد تتغاضى عنهم المقاومة ليهربوا باتجاه البحر كما يقول عبد البارى عطوان والا فان ارض فلسطين ستكون لهم المقبرة .