قائمة الموقع

مكتبات العلماء في غزة هاشم بين الحجر عليها والمصير المأساوي

2021-09-05T17:28:00+03:00
عبد اللطيف أبو هاشم.jpeg

بقلم/ عبد اللطيف أبو هاشم

المكتبات ودور العلم من أهم أركان النهضة، ولا يوجد أمة من الأمم نهضت على مدار التاريخ إلا وكانت خزائن الكتب والمكتبات ركيزتها الأولى، ولا يمكن أن يكون هناك عالم إلا ووراءه مكتبة قضى جل عمره في إنشائها وتكوينها، وسلخ ثلاثة أرباع وقته بين خزائنها ورفوفها ونوادرها.

وما إن يتوفى ذلك العالم عن مكتبته يبدأ مصيرها في التلاشي والزوال، وقلة العناية مما يعرضها للتلف، وأخيراً تكون من نصيب القوارض والحشرات-للأسف هذا مصير جُل مكتبات علماء مدينة غزة.

ومما يلفت الانتباه أن مصائر المكتبات كانت على النحو الآتي:

- مكتبات لعلماء اختفت واندثرت، بسبب خوف ورثتها، وقلة عنايتهم، وتفريطهم بتراث أجدادهم، وهو ما يجعلني استحضر مكتبة العالم الكبير علامة مدينة غزة الشيخ أحمد بسيسو ومؤلفات أولاده من بعده.

- فلقد اختفت مكتبات وخزائن بسبب الحروب منذ الحملة الفرنسية سنة 1798، وحتى النكبة الفلسطينية 1948، حيث نالها العبث والتلاعب والضياع من قبل المستعمر الغاشم، فحمل منها الكثير، ودمر البعض كما حدث لمكتبة جامع السيد هاشم، التي أنشأها مفتي مدينة غزة آنذاك الشيخ العلامة أحمد محيي الدين الحسيني -مفتي مدينة غزة (1295=1878م)، وانتخب لها كتباً كانت تزدان بها وتمد طلبة العلم بما يحتاجونه من الكتب، وساهمت في نشر العلم والثقافة.

- تراث بني النخال في مدينة غزة، إذ لا يوجد مها الآن في مدينة غزة كتاباً واحداً أو مخطوطاً، ولا ورقة عند الورثة، بينما مؤلفاتهم وعلمهم نهل منه القاصي والداني في العصور الإسلامية على مدار التاريخ، ولم نجد عائلة في تاريخ الإسلام أنجبت وخرج منها علماء كعائلة بني النخال الغزي – طيب الله ثراهم.

لكن السؤال الذي يؤرقني أين ذهبت كتب ومخطوطات الشيخ محمد نجيب النخال(هـ1296=1879م)، والشيخ أحمد النخال(1220هـ=1814م) ـ وغيرهم من علماء هذه الأسرة العريقة، التي نبغ فيها اثنان وأربعون عالماً.

ثم يسري الضياع والتلف وقلة العناية إلى مكتبات العلماء، من الجيل الذي تلاهم، حيث كنت شاهدًا على مكتبة أحد أعلام المنطقة الوسطي، وكانت تربطني به علاقات طيبة، امتدت عدة سنوات، كان له عناية خاصة بالكتب، ويهتم بتحصيلها وقراءتها وكنت أرسل له كل ما يطلبه لاستعارته، ويرجعه لي عبر أحد أولاده، وفي زيارتي الأخيرة له قبل وفاته بعدة أسابيع، رأيته وهو يٌدون مذكراته ويومياته باليوم والساعة، وسررت من صنيعه هذا.

ودار بيني وبينه حوارًا عن القراءة والتأليف والكتب، وكان – رحمه الله – متعللًا بمرضه لكنه لم يثنه عن القراءة والمطالعة.

ولما مات هذا العالم اتصلت بأهله وببعض من أعرف ممن تربطني علاقة وطيدة من أولاده، وكنت أطلب على استحياء بأن أزور مكتبه والده واطلع على يومياته ومذكراته، فأجد صدودًا.

حتى أخبرني صديق من أصدقائي بأن الورثة تبرعوا بجزء من الكتب لمن ليسوا أهلا لها، ثم بيع الباقي بدراهم معدودة على الأرصفة والشوارع العامة حينها قررت ألا أتصل بأحد، فقد حدث الذي لم يكن متوقعًا.

ومن المكتبات الخاصة، التي لم نترك فرصة إلا وحاولنا الاتصال بالورثة لرؤيتها بيد أننا لم نحظى بذلك، مكتبة الشيخ الداعية سليم شراب والذي كان له أثرًا كبيرًا في إنشاء المساجد وإثراء العلم الشرعي في مدينة غزة وما حولها.

وهي مكتبة مهجورة منذ أكثر من أربعين عاماً لا يستفاد منها بشيء، على الرغم من غناها بالكتب المطبوعة في مصر من كتب الحديث والفقه، وغيرها من مؤلفات العلماء فهل تنتظر

مصيرها التراجيدي كسالفاتها؟

وهناك الكثير من المكتبات التي تنتظر المصير نفسه بسبب الجهل وعدم التقدير وقلة العناية.

هدى الله ورثته وسدد خطاهم وأرشدهم إلى الصواب.

تلكم نماذج من الممارسات، التي تدل على قصور الرؤية، وانعدام التقدير، والنظر للعلم والعلماء نظرة قاسية، لو كانت هذه المكتبات والخزائن في بلاد الغرب لرأيناها تزدان بها كبرى المعاهد العلمية، وتم افتتاحها تحت راية مؤسسها وتيسر الوصول إليها أمام الجمهور والباحثين والدارسين، وطلبة العلم.

لذلك هم تقدموا ونحن تراجعنا إلى الحضيض، إنها منظومة متكاملة يقودها الجهل والتخلف والتفريط بتراث الأجداد، ماذا ننتظر من شريحة متخلفة كانت ولا تزال حجر عثرة أمام العلم والانفتاح على العالم والتقدم؟

وكيف يتسنى لها ذلك وهي لا تملك ثقافة، ولا ثروة معرفية.

ولا يمكن لأمة جاهلة متخلفة أن تنتصر على أمة متعلمة مثقفة تتبنى العلم والعلماء.

وهذه ليست فكرة بل هي سنة وقاعدة من أهم سنن التاريخ الإنساني والحراك البشري.

نسأل الله تعالى من الذين يقولون: "وقل ربي زدني علمًا". وأن يتمثل فينا قولي تعالى " اقرأ وربك الأكرم" والله غالب على أمره.

اخبار ذات صلة