غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

جنين ... دفق الجهاد الإسلامي المتجدد

أبطال عملية انتزاع الحرية.jpg

بقلم/ مجدي خالد

قبل زهاء أربعين عاماً كان شهيد الأمة المفكر د. فتحي الشقاقي رضوان الله عليه، وبُعَيد عودته من مصر يغرس وينثر بذور الإيمان والوعي والثورة في كافة ربوع الوطن، داعياً ومبشراً بأن أملاً جديداً بدأت ظلاله تلوح في الأفق، وأن ثمة نهج آخر لا يشق لرجاله غبار بدأ يتجهز ويمضي في طريق فلسطين وهو نهج "الإسلام الثوري المجاهد" الذي يرتكز على منع استقرار "إسرائيل" من خلال الإبقاء على جذوة الصراع والجهاد مشتعلة معها في كل الميادين والساحات والمحافل، وأصبح لاحقاً يعلن أن سيف الباطل و مخرزه لم يعد يجدي نفعاً مع إرادة المستضعفين الصلبة بالمتسلحة بالإيمان والوعي والثورة.

منطقة جنين من أقصاها إلى أقصاها من سيلة الحارثية وكفر راعي وعنزة ويعبد إلى البلدة القديمة وعرابة وقباطية واليامون وغيرها من القرى والضواحي وليس انتهاءً بالمخيم الأبي كانت إحدى المحطات الهامة والمفصلية في مسيرة د. الشقاقي رحمه الله أثناء تواجده في الضفة الغربية، إذ أنها كانت شاهدة على نهج ووعي وجهاد واستشهاد الشيخ عز الدين القسام الشخصية الأهم التي تأثر بها د. الشقاقي.

منذ ذلك الحين كان فتحي الشقاقي الاسم الحركي لفلسطين بعدما اهتزت الأسماء والألقاب والرتب بفعل زلزال الحل المرحلي الذي أصاب حينها بعضاً من الوعي الفلسطيني، كان يعلن ميلاداً جديداً للثائر الملهم عز الدين القسام الذي تسجى جسده الطاهر في ثرى جنين عام ١٩٣٥، معتبراً نفسه وفكره وتياره امتداداً إحيائياً لنهجه المقاوم، فكان "عز الدين الفارس" في الصحف والمجلات، وكان مسجد القسام في قطاع غزة، وكان نفر طلائعي من المجاهدين الأبرار في جنين شقاقيون على طريق الشيخ القسام، فمثلت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تياراً عريضاً يمتد ثقافياً وفكرياً وجهادياً بين جماهير الشعب الفلسطيني وفي كافة المناطق، فلم يعد بإمكان ترسانة العدو الصهيوني وأدواته استئصال شأفتها أو محاصرة فكرها ومنع انتشار نهجها، لأنها أصبحت عنواناً للمواجهة الشاملة والمستمرة معه وتحولت إلى بوصلة للمقاومة بحد ذاتها، وقد عبر عن ذلك المفكر الصهيوني "ميخال سيلع" عام ١٩٨٧ قائلاً «الجهاد الإسلامي نبات ما أن تجتثه من مكان حتى ينمو ثانيةً، وبشكل أكبر وأوسع».

حضور الجهاد الإسلامي كان بعثاً إحيائياً يستلهم كل التجارب الثورية، إذ أنه لم يكن إضافة عددية في ساحة العمل الوطني فقط، وإنما كان تجديداً فكرياً وإثراءً منهجياً وتواصلاً حضارياً وانقلابا مفاهيمياً نوعياً على مستوى الفكر والأداء والنتائج حيث باتت الحركة بوعيها المستبصر وإيمانها الراسخ وثورتها المُتقدة، تشكل كابوساً حقيقياً يتصدى لمشاريع وأوهام وسراب الاحتلال في كل زمان ومكان.

ومن ثمرات ذلك الغرس الطيب والحضور المتميز في جنين أن عشرات ومئات قوافل الأبطال قد أثروا العمل الجهادي باستثنائية مشهودة، ومنحوه زخماً تواصلياً نوعياً ممزوجاً بسعي مستمر لإيلام العدو وإجهاض آماله بإنهاء ظاهرة الجهاد والمقاومة ضده في كل مراحل المواجهة وميادينها.

وتشهد بذلك مراحل أثبت فيها نهج الجهاد الإسلامي قدرته على الانبعاث من جديد بقوة أكبر وزخم أعظم، منذ اشتباك عصام براهمة في ليلة عنزة الأطول عام ١٩٩٢ مروراً بملحمة المخيم بقيادة محمود طوالبة وسيل الاستشهاديين المتدفق خلال انتفاضة الأقصى، فخزان القيادة الجهادية الذي لم تُوقفه لحظة كل حملات الاغتيالات والملاحقات استمر في حمل الراية، وليس انتهاءً بالبعث الجريء لمقاتلي السرايا الذي قاده جميل العموري وصحبه الشهداء، وميادين أخرى أظهرت عبقرية وإبداع ونوعية منذ ضربة الخداع الأمني الذي وجهه الجهادي الكبير صالح طحاينة ضد أمن ومصلحة سجون الاحتلال عام ١٩٩٦ واصطياد ضباط الشاباك على يد القائد إياد صوالحة مع بروز مرحلي لظاهرة الاستشهاديات بتأثير موجع، مروراً بأطول إضراب عن الطعام في حينه معركة الكرامة "الأمعاء الخاوية" التي خط نهجها الشيخ خضر عدنان حتى أصبحت أسلوباً لانتزاع الحقوق لمن بعده، وصولاً إلى أسطورة "انتزاع الحرية" من سجن جلبوع بقيادة القائد البطل محمود العارضة والتي أصابت كيان العدو ونظرياته الأمنية في مقتل، وأسست بلا شك لمرحلة نوعية من مراحل المواجهة التي ستحمل في طياتها هذه المرة إرهاصات زوال الاحتلال بإذن الله تعالى.

هذه البذور الشُقاقية الطيبة لا زالت تحوِّل فصول الأعوام المتعاقبة إلى ربيع مستمر يقوده الشهداء، لا مكان فيه إلا للورود التي تتغلب بجمالها ورحيقها على قبح الاحتلال، ولا استمرار داخله إلا للانتصار الذي يرتسم بعزائم الرجال الأبطال، ولا مصير له إلا مواصلة الحياة والبقاء رغم مخططات الموت التي تحمل معها بإذن الله بذور فنائها.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".