قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، اليوم السبت، إن أبنائنا في فلسطين يدافعون عن مقدسات الأمة ويفدونها بالأرواح في أروع ملحمة تاريخية تسجل أسمى معاني البطولة.
وأضاف النخالة خلال كلمة له في ملتقى صلاح الدين الايوبي الفكري الثالث، "تستحق ذكرى تحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي أن نقف عندها، ونستخلص منها العبر لمواجهة المشروع الغربي المتجدد ضد أمتنا العربية والإسلامية".
وأشار إلى أن القائد صلاح الدين نجح في توحيد الأمة وتصويب الاتجاه إلى القبلة الأولى وهذا يمنحنا الأمل والثقة بأنه يمكن التغلب على مفردات الهزيمة.
وشدد على أنه يمكن إعادة توحيد جهد الأمة وجهادها نحو القدس، مضيفًا "فالقدس تجمعنا وهي عنوان وحدتنا وعزة أمتنا".
ولفت القائد النخالة إلى أن القائد صلاح الدين مهد لتحرير بيت المقدس مستفيداً من المدارس النظامية التي أعدت جيلاً جديداً من الشباب المدرك لقضيته.
وتابع "عمل القائد صلاح الدين على تحقيق تنمية قادرة على تمويل المجهود الحربي واستفاد من ذلك لتطوير القدرات العسكرية"، مشيرًا إلى أنه كان لا يهادن المتخاذلين والمتعاونين مع الأعداء، وساعده في ذلك علماء ربانيون أفذاذ عملوا على تحقيق الوحدة الإسلامية.
وذكر النخالة أن القائد صلاح الدين الأيوبي لم يتخل يوماً عن الاشتباك المسلح مع الغزاة المحتلين.
وقال "أثمرت استراتيجية القائد صلاح الدين نصراً مؤزراً في حطين ودخول بيت المقدس".
وأشار النخالة إلى الهجمة الغربية الحالية ضد أمتنا التي وصلت إلى ذروتها بزرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين خدمة لمشروع الهيمنة والاستعمار يدعمها اليوم نظام عالمي.
وأوضح النخالة ان هناك نظام عالمي استطاع تفتيت أمتنا وتجزئة وطننا العربي والإسلامي وزرع فينا التغريب عبر تدمير منظومات عدة
ودعا الأمين العام للجهاد الاسلامي لإعادة توجيه جبهات الأمة ضد المحتل وتحقيق تنمية حقيقية على قاعدة المقاومة وفي الوقت ذاته استمرار مشاغلة العدو وعدم التفاوض معه.
وقال النخالة "إننا في حركة الجهاد الإسلامي ومنذ انطلاقة حركتنا نؤمن أن تحرير فلسطين هو مشروع أمة لا مشروع فصيل ولا شعب بمفرده"، مبينًا أن ما تقوم به قوى المقاومة في فلسطين هو إدامة الاشتباك مع العدو بانتظار أن تستعيد الأمة نهضتها ووحدتها.
نص الكلمة..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أتوجه بالشكر بداية، للإخوة القائمين على هذا الملتقى الكريم.
كما أتوجه بالتحية للسادة العلماء المشاركين وكذلك للإخوة جميعاً كل باسمه ولقبه.
يأتي ملتقانا اليوم، والقدس أسيرة في أيدي أعداء الله وأعداء أمتنا، والمسجد الأقصى مستهدف بالتهويد ومشاريع التقاسم الزماني والمكاني، وحتى بالتدمير، وأهلنا المقدسيون يعانون كل صنوف القمع والتنكيل والأسر، وابناؤنا في فلسطين يدافعون عن مقدسات الأمة، ويفتدونها بالأرواح، في أروع ملحمة تاريخية تسجل أسمى معاني البطولة والفداء والتمسك بالأرض والمقدسات، دفاعًا عن كرامة الأمة ودينها.
أيها الإخوة الكرام
تستحق ذكرى تحرير القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي أن نقف عندها ونستخلص منها العبر، لمواجهة المشروع الغربي المتجدد الذي يستهدف أمتنا العربية والإسلامية، منذ غزوة نابليون لمصر، وخروجه مهزومًا بعدما انكسر جيشه على أسوار عكا. إن معركة تحرير بيت المقدس التي خاضها القائد صلاح الدين الأيوبي لا يمكن اختصارها في معركة حطين المجيدة وحدها، بل سبقها إعداد وتجهيز وإشغال ووضع خطط على مستوى العالم العربي والإسلامي، تستحق أن تدرس كأنموذج ناجح لتحرير القدس مرة أخرى.
لا شك أن ملتقاكم هذا سيكون غنيًّا بدراسة مختلف جوانب تجربة القائد صلاح الدين الأيوبي، وسيستلهم منها الدروس والعبر المفيدة، لكي تكون معينًا لنا، ولكل من لا يزال يتمسك بالقدس وفلسطين في هذه الأمة. وحسبي أن أشير في هذه المداخلة إلى بعض النقاط التي أراها أساسية:
أولاً: تعلمون، ولا شك، حالة التشرذم والانقسام والتقاتل والخلاف التي كانت تعيشها الأمة قبل تحرير بيت المقدس، ما أغرى أعداءها من الفرنجة الصليبيين بغزوها وانتزاع بيت المقدس، من بين أيديها. وقد امتد الاحتلال الصليبي من البوسفور شمالاً إلى بور سعيد جنوبًا، مخضعًا كل الساحل في بلاد الشام. ومع ذلك نجح القائد صلاح الدين في توحيد الأمة، وتصويب الاتجاه إلى القبلة الأولى. وهذا يمنحنا الأمل والثقة بأنه يمكن التغلب على مفردات الهزيمة في أمتنا، وأنه يمكن إعادة توحيد جهد الأمة وجهادها نحو القدس. فالقدس تجمعنا، وهي عنوان وحدتنا وعزة أمتنا.
ثانيًا: مهّد القائد صلاح الدين لتحرير بيت المقدس، مستفيدًا من المدارس النظامية، والتي أعدّت جيلاً جديدًا من الشباب المدرك لقضيته، ولدوره في تحرير الأمة ومواجهة الغزاة، بكل الإعداد النفسي والفكري والعسكري. كما اعتمد صلاح الدين على العلماء المجاهدين، وأعاد إلى المساجد دورها في حياة المسلمين، وأعاد العمل بنظام القضاء العادل بين الناس، وأحيا سنّة الوقف بين المسلمين، ليكون الجميع شركاء في النصر، وليصبح التحرير مشروع أمة بأكملها.
ثالثًا: عمل القائد صلاح الدين الأيوبي على تحقيق تنمية قادرة على تمويل المجهود الحربي، وأصلح الأوضاع الاقتصادية والمالية في مصر والسودان، ومنع الاحتكار، وشجّع على العلوم، واستفاد من ذلك لتطوير القدرات العسكرية، وتجييش الجيوش.
رابعًا: سعى إلى توحيد الأمة، وتجاوز النزاعات والفتن المذهبية، ونشر روح التسامح بين أفرادها، في وقت كان لا يهادن فيه المتخاذلين، والمتعاونين مع الأعداء. ساعده في ذلك علماء ربانيون أفذاذ، عملوا على تحقيق الوحدة الإسلامية.
خامسًا: حاصر الاحتلال الصليبي، من خلال الحملات التي خاضها في الجزيرة العربية، وصولاً إلى اليمن، وجهّز جبهة نهر الأردن، وأعاد توحيد وادي النيل ووادي الفرات، ليكون الإطباق على الغزاة الصليبيين محكمًا، ويمنع عنهم المدد والعون.
سادسًا: رغم ما استغرقه ذلك الإعداد والتخطيط المحكم من جهد ووقت، لكن القائد صلاح الدين الأيوبي لم يتخل يومًا عن الاشتباك المسلح مع الغزاة المحتلين، فاستمرت المناوشات على جبهة مصر في دمياط، ولم يهادن الغزاة يومًا، ولم يسعَ إلى التفاوض معهم.
باختصار، إن عظمة ما قام به القائد صلاح الدين الأيوبي هو أنه خاض الصراع على جبهتين: الجبهة الداخلية، وكانت إستراتيجيته في ذلك الوحدة والتسامح، وتجميع الصفوف باتجاه هدف واحد جامع. والجبهة الخارجية، وإستراتيجيته في ذلك عدم المهادنة، ومواصلة القتال، وعدم موالاة الظالمين أو عملائهم. وقد أثمرت هذه الإستراتيجية نصرًا مؤزرًا في حطين، ودخول بيت المقدس، فكان القائد صلاح الدين بحق مجددًا وموحدًا ومحررًا. وبفضل هذه المعاني استحق أن يخلد اسمه في التاريخ.
أيها السادة الأفاضل
ندرك تمامًا الفارق التاريخي بين الأمس واليوم. وندرك أن الهجمة الغربية المعاصرة ضد أمتنا أشد تعقيدًا بكثير من أيام الغزو الصليبي. إن الهجمة الغربية الحالية ضد أمتنا التي وصلت إلى ذروتها بزرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، خدمة لمشروع الهيمنة والاستعمار والسيطرة، يدعمها اليوم نظام عالمي يمسك بمفاصل الاقتصاد والسياسة، ويمتلك أعتى منظومة عسكرية في التاريخ، وقد استطاع تفتيت أمتنا، وتجزئة وطننا العربي والإسلامي، وزرع فينا التغريب من خلال تدمير منظومات التعليم والوقف والقضاء، وأرغمنا على تبني منظومات لا تمثلنا، ولا تنسجم مع قيمنا ومبادئنا وديننا الحنيف.
ومع ذلك نقول، إن تجربة القائد صلاح الدين ما زالت تصلح في خطوطها العامة كإستراتيجية يمكن البناء عليها، لصياغة مشروع تحرير معاصر، يقوم على أساس توحيد الجهد والجهود باتجاه بيت المقدس، ومقاومة التغريب الذي فرض على أمتنا في نواحي حياتنا كافة، وبناء جيل مسلم مجاهد، واستعادة العلماء لدورهم الرباني في هداية الأمة وقيادتها، وإعادة توحيد جبهات الأمة ضد المحتل، وتحقيق تنمية حقيقية على قاعدة المقاومة، لا على قاعدة الارتهان لنظام عالمي ظالم ومستكبر. وفي الوقت ذاته، استمرار مشاغلة العدو واستنزافه، وعدم الرضوخ له، أو التهادن معه، أو التفاوض معه، أو التسليم له، تحت أي ظرف من الظروف. إن ذلك كله ممكن، إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية، والرؤية الصائبة، والإخلاص.
إننا في حركة الجهاد الإسلامي، ومنذ انطلاقة حركتنا، نؤمن أن تحرير فلسطين هو مشروع أمة، لا مشروع فصيل أو شعب بمفرده. وأن الأمة تحتاج إلى نهضة حقيقية لإنجاز مشروع التحرير والتحرر من الهيمنة الغربية، واستعادة ثقتها بمنظوماتها الفكرية والعلمية وقدراتها الذاتية. إن ما تقوم به قوى المقاومة في فلسطين، هو إدامة الاشتباك مع العدو الصهيوني، بانتظار أن تستعيد الأمة نهضتها ووحدتها، على قاعدة الإسلام العظيم، والجهاد في سبيل الله، لتحرير القدس من أعدائها، وفتح فصل جديد من فصول الرسالة الإسلامية.
إننا على ثقة كاملة بأن المواجهات التي خاضتها قوى المقاومة وتخوضها ضد الكيان الغاصب، واستمرار شعبنا الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، من شأنه أن يجدد في الأمة روح الجهاد والتحرير، وهي ترى شباب فلسطين يسطرون إبداعات في اختراق المنظومات العسكرية والأمنية والاستخبارية الصهيونية، رغم قلة النصير. فكيف سيكون الحال لو أن الأمة بأكملها تقف وراءهم، وتدعمهم، وتقوم بواجبها في تحرير مقدساتها؟
كل الشكر لكم، وأرجو أن ينفع الله بكم وبجهودكم المباركة، في خدمة توحيد الأمة لتحرير قبلتها الأولى، ومسرى نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته