غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

قطاع غزة وتحديات البحث عن فرص عمل جديدة

محمد حميد ابو الحسن.jpg
قلم/ محمد حميد

لا يزال قطاع غزة يعاني من حصارٍ خانقٍ ممتدٍ منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م التي مثلت الخطوة الأولى في التضييق الصهيوني عليه والذي اشتد وأصبح أكثر شراسةً بعد صعود حركة حماس على الخريطة السياسية بعد فوزٍ كاسح في الانتخابات البرلمانية ونجاحها في الحصول على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وتمكنها من قيادة الحكومة الفلسطينية، وهو أمرٌ رافقه عدم قبول أجهزة السلطة السابقة بنتائج الانتخابات تحت ذرائع مختلفة يستتر وراءها الضغط على تلك الحكومة الناشئة للإقرار بالاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير ودولة العدو و التي تتضمن اعترافاً بتلك الدولة اللقيطة وتنسيقاً أمنياً هادفاً إلى السيطرة على سلاح المقاومة، وأمام ثبات حركة حماس على موقفها رغم كل المؤامرات، واستمرار حالة الفوضى الأمنية اضطرت الحركة لحسم الأمر عسكرياً والسيطرة الكلية على قطاع غزة، ما نتج عنه انقسام فلسطيني ممتدٌ حتى وقتنا الحالي.

ولا ريب أن الانقسام السياسي الفلسطيني كانت له تداعيات وخيمة على مختلف مناحي الحياة في قطاع غزة، حيث نتج عنه مشاكل حقيقية في الاقتصاد، وأدى إلى ارتفاع نسبة البطالة لنسبةٍ تجاوز 70% من صفوف الطاقة العاملة في المجتمع، وقد زادت الأمور حدةً بعد الحروب والمعارك المتعددة التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة والتي كان آخرها معركة سيف القدس، فجميع هذه العوامل من حصارٍ وانقسامٍ وحروبٍ متتابعة وضرباتٍ أمنية، والإغلاق المطبق للمعابر والبحر جعل الحياة في قطاع غزة أكثر قسوةً وبؤساً وأشد حرماناً.

وأمام هذا الواقع القاسي والمرير، تبذل حكومة غزة أو حكومة المقاومة جهوداً كبيرةً لمحاولة احتواء بعض هذه الآثار السلبية، فلا يمكن لمنصفٍ أن ينكر الإجراءات المتخذة منها لتخفيف وطأة الحصار، بدءاً بما تقدمه وزارة الشئون الاجتماعية من معونات، وصولاً إلى مساعدات الأسر المتعففة من خلال المنحة القطرية، وانتهاءً بالإجراءات الإدارية الهادفة إلى تسهيل مهمات القطاع الخاص المتعلق بالبناء والإعمار والقطاع الزراعي أملاً في استيعاب أكبر قدر ممكن من العاملين في هذه القطاعات المختلفة.

ورغم هذه المحاولات سالفة الذكر، لا تزال الجهود غير قادرة على إحداث نقلة نوعية في معالجة ملفات الفقرة والبطالة وكساد الأسواق، وهو أمرٌ يفرض علينا التفكير في بدائل جديدة وغير تقليدية، فحالة الحصار والحرب التي تجهض كل محاولة للنهوض لن تسمح للقطاع بالتقاط أنفاسه، ولا مناص لذلك سوى البحث عن بدائل تخرج عن سيطرة العدو، فماذا يضير الخطة الحكومية من الاستفادة القصوى من التقنيات التكنولوجية المتاحة عبر شبكات الانترنت من تجارةٍ رقمية، وعملٍ عن بعد، فقد تمكن العديد من الشباب من تقديم خدمات مدفوعة الأجر للشركات العالمية المختلفة في مجال السكرتارية وتقديم الخدمات الهندسية، وصناعة المحتوى للمطابع والمعارض ودور النشر، أو تقديم خدمات ترجمة الإعلانات أو الوسائط، وكذلك استثمارهم في العملات الرقمية، وهو أمرٌ ساعدهم على توفير دخلٍ مستقرٍ لهم اعتماداً على قدراتهم العقلية الفذة وإمكاناتهم المادية المتواضعة. يضاف إلى ذلك صب الاهتمام بدعم الرياديين ومشاريعهم الصغيرة ودعمها مادياً خاصةً في المناطق الريفية والزراعية، وما يمكن أن يحدثه ذلك من فتح آفاق وفرص عمل حقيقية للشباب العاطلين عن العمل.

الأمر ليس بسطياً كما أنه ليس مستحيلاً في ذات الوقت، وأعتقد أنه يفترض أن يكون الأمر على جدول اهتمام حكومة غزة، فما المانع إنشاء ملفٍ في التشكيل الحكومي الحالي للتنمية البشرية والعمل على إنفاذ هذه الأفكار وغيرها أو على الأقل إدراج هذا الملف ضمن خطط وزارة قائمة حالياً، فليس من الصعب على الجسم الحكومي تدريب الشباب عليها إذا توفرت لديه الإرادة وقليلٌ من المال، كما أن بالإمكان الاستفادة من مراكز التدريب المتوفرة في قطاع غزة وعلى شبكة الانترنت، ويمكن لتسهيل الأمر منح هذه المراكز امتيازات ضريبية مقابل تقديم هذه المراكز لخدماتها للفئات المختلفة برسوم رمزية وتحت متابعة حكومية.

كما أن دور الحكومة في متابعة التعليم الجامعي يشوبه الكثير من العيوب بحيث أصبح بلا هدفٍ ويعاني من ندرة التخصصات المميزة وعدم مراعاة سوق العمل الذي لم يسلم من الحصار والتضييق، كما ويعاني من ضعف الجودة حتى أضحى دور الأستاذ الجامعي تقليدياً مفتقراً إلى الناحية النوعية وبند التخصص، وتحول التعليم الجامعي بهذا الوصف إلى مضيعة للوقت والجهد والمال دون أهدافٍ تراعي الظروف الموضوعية والذاتية للبيئة الفلسطينية وظروف البلاد.

إنني أدعو إلى إعداد خطة وطنية تأخذ بعين الاعتبار ما سبق من أفكارٍ وما شاكلها من رؤىً، ونحن على أتم الثقة أن مثل هذه الأفكار ستجد لها صدىً وقد تؤدي إلى إحداث النقلة النوعية المبتغاة لإيجاد وظائف للشباب العاطل، وقد تحول المجتمع من معتمدٍ على وظيفة تقليدية في المؤسسات الحكومية والأهلية إلى مجتمعٍ منتجٍ قادر على التحدي والصمود والرباط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".