شمس نيوز/عبدالله عبيد
داخل غرفة خاصة معزولة عن أي بشر في قسم الأورام بمجمع الشفاء الطبي، كان محمد ماضي (36 عاماً) والذي يعاني من مرض السرطان في الغدة الليمفاوية، مستلقٍ على سريره يحتضن أوجاعه وآلامه، بعد رحلة معاناة مع هذا المرض الذي ظهر عليه خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
وتتزايد أعداد المصابين بمرض السرطان يوماً بعد آخر في قطاع غزة، في ظل واقع صحي يعجز عن توفير رعاية صحية مناسبة تواجه المرض في مختلف المراحل التي يمر بها.
"ماضي" أحد الحالات التي افترسها مرض "السرطان" في قطاع غزة، ليحول حياته إلى عذاب ومعاناة، فأسبوع يقضيه في بيته مع زوجته وأطفاله الأربعة، وشهر داخل غرفة مغلقة معزولة، لا يوجد بها سوى أنبوبة فوق رأسه تمتد منها أنابيب ومحاليل طبية.
ويشرح ماضي لـ"شمس نيوز" مراحل إصابته بهذا المرض، ليقول: خلال الحرب الأخيرة على غزة، تم قصف منزل جارنا بأربعة صواريخ، فاستنشقت بارود تلك الصواريخ، وبعدها بحوالي أسبوع أصابني إعياء شديد وسخونة عالية".
وأضاف: ذهبت إلى المستشفى دون فائدة، لم تنخفض درجة الحرارة مع الأدوية التي وصفها لي الأطباء، إلا أنني توجهت لطبيب خاص ووقتها اكتشف بأني مصاب بمرض سرطان الغدة الليمفاوية، وبدأ القلق والخوف يراودني حينها".
وبيّن الشاب "ماضي" أنه بحاجة إلى العلاج خارج قطاع غزة، لكن إغلاق معبر رفح يقف حاجزاً أمامه، مضيفاً: لا بد من تشخيص حالتي خارج غزة ولكن معبر رفح مغلق دائماً، وفي مستشفيات الإسرائيلية مرفوض، لأن هويتي زرقاء "بطاقة تعريفية"، وهذا الأمر غير معترف بهم عند إسرائيل"، على حد قوله.
وتغلق السلطات المصرية معبر رفح البري الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، منذ عزل الرئيس محمد مرسي، ولا تفتحه سوى بضعة أيام على فترات متباعدة، لا تكفي لسفر المرضى والطلاب إلى الخارج.
غرفة معزولة
وعلى باب الغرفة المقابلة لغرفة "ماضي"، علقت يافطة كتب عليها "غرفة معزولة"، ولدى دخولنا إليها وجدنا الطفل وسام طروش والذي لم يكمل عامه الثاني عشر، ملقى على سرير، ويعاني من مرض السرطان الذي يلازمه منذ سبعة أعوام.
يقول والد الطفل "طروش" لمراسل " شمس نيوز": ابني مصاب بالمرض منذ سبعة أعوام، وتم تشخيص مرضه فاكتشفنا أنه يعاني من ألوكيميا بالدم"، لافتاً إلى أنه تم تشخيص مرض طفله في مصر آنذاك".
وأوضح طروش أن ابنه وسام يقضي أغلب أيامه في غرفة خاصة بالمستشفى لتلقي العلاج، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه تلقى علاجات مرتين في مصر ومرة داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
وأكد أن ابنه وسام بحاجة إلى العلاج في الخارج هذه الفترة، مستدركاً: لكن عملنا جاهدين للخروج به إلى مصر أو إسرائيل أو أي بلد دون فائدة".
وبصوت كاد يسمع تحدث الطفل وسام وأناته تملأ المكان، ليوضح لنا أن هذا المرض يرهقه كثيراً ولم يعد يتحمل أكثر، إلا أن براءة طفولته وابتسامته كان ترتسم على عينيه الصغيرتين، لكنه لم يكمل حديثه معنا، لوجود جهاز التنفس في فمه.
ويعود والده ليخبرنا بأن وسام بحاجة إلى أموال كثيرة للعلاج، ولا أحد ينظر إلى حاله سوى رحمة الله تعالى.
وتشير التقديرات المحلية إلى أن 170 حالة سرطان تسجل شهريًا في قطاع غزة منذ العدوان الذي شنته إسرائيل على قطاع عام في شتاء 2008 -2009، مرورا بعدوان 2012، و2014. ويحتاج قطاع غزة لقرابة سبعة ملايين دولار أمريكي؛ لشراء وتوفير أدوية السرطان سنويًّا.
تعدد الحروب
استشاري علاج الأورام بمجمع الشفاء الطبي د. زياد الخزندار، أوضح أن هناك قرابة الـ 4500 ملف لحالات مصابة بمرض السرطان في مستشفى الشفاء، مشيراً إلى أن يتم اكتشاف (75) مصابًا بمرض السرطان في غزة سنوياً.
وقال الخزندار لـ"شمس نيوز": سرطان الثدي للإناث يشكل (31%)، في حين يشكل سرطان الرئة للذكور (19%) من مجموع الإصابات"، مرجعاً سبب ارتفاع عدد المصابين بأمراض السرطان، إلى تتابع الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا كالفسفور واليورانيوم المخصب.
وأضاف د.الخزندار: قسم الأورام في مجمع الشفاء الطبي يعاني من نقص حاد في الكادر البشري, وهناك فقط ثلاثة أطباء يعملون على اكتشاف وعلاج ومتابعة المرضى والإشراف على (4500) مريضًا.
وصنّف د. الخزندار المناطق الحدودية التي تتعرض لصواريخ الاحتلال بأكثر المناطق التي شهدت ارتفاعًا في أعداد المصابين بمرضى السرطان"، لافتًا إلى وجود نقص حاد في أدوية العلاج الكيماوي، نظرًا لارتفاع أسعارها.
وناشد استشاري علاج الأورام، كافة المعنيين لتحمل مسؤولياتهم وبناء مستشفى أورام كبير في قطاع غزة لخدمة المصابين، مؤكدًا أن عددًا من المرضى يتم تحويلهم لأقسام مختلفة داخل مستشفى الشفاء وتوزيعهم على مختلف الأقسام.
ويتم اكتشاف الحالات المصابة بمرض السرطان، وفق استشاري علاج الأورام، من خلال العيادات والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة والمستشفيات الخاصة، بالإضافة إلى الأقسام المنتشرة في مجمع الشفاء الطبي.
وكانت وزارة الصحة بغزة، أكدت وجود نقص في أدوية الأورام السرطانية داخل مخازنها، ولاسيما عقب عدوان الاحتلال الأخير على القطاع، الذي نفدت بسببه كميات كبيرة من الأدوية للمرضى والجرحى.
وقال المدير العام للصيدلة في وزارة الصحة أشرف أبو مهادي: "استنفدت أدوية الأورام خلال الحرب على غزة، ولم تعوض"، مشيرًا إلى أن الدعم الطبي الذي وصل إلى القطاع في وقت سابق وجه إلى أقسام الطوارئ والعمليات، ولم يشمل تلك الأدوية.
لا يوجد تحويلات
بدوره، قال وكيل وزارة الصحة في قطاع غزة، د. يوسف أبو الريش: حتى اللحظة لا يوجد هناك مزيد من الأبحاث والدراسات التي نستطيع من خلالها توفير النسب الحقيقية للمصابين بمرض السرطان في قطاع غزة"، عازياً تزايد أعداد المصابين بمرض السرطان في قطاع غزة إلى الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة، واستخدامها العديد من الأسلحة المحرمة.
وأضاف أبو الريش خلال حديثه لـ"شمس نيوز": أمراض السرطان موجودة في كل العالم وهي أصبحت جزء من الحالة الموجودة"، لافتاً إلى زيادة وعي المواطن حول هذا المرض، بالإضافة إلى زيادة إمكانيات وزارة الصحة.
وأعرب عن أسفه لعدم توفر تحويلات لتلقى مرضى السرطان العلاج بالخارج في هذه الفترة، مبيّناً أن " هذا الأمر غير متاح بالكامل لا لمرضى السرطان ولا غيرهم"، وأن القطاع الصحي يبذل جهودا في ظل هذه الظروف.
واستطر أبو الريش قائلاً: لكن يبقى هناك بعض الإمكانيات على نطاق الفحوصات عبر الجانب التشخيصي، من بينها الفحوصات القائمة على التشخيص الكامل والفحص الكامل للسرطان وهذه للأسف غير موجودة، وبالتالي نحتاج إلى تحويل العديد من المرضى إلى الخارج".
وشدد وكيل وزارة الصحة على أن الحصار وإغلاق المعابر تقف عوائق أمام المرضى الذين هم بحاجة إلى العلاج بالخارج، مردفا: للأسف يبتز مرضانا عبر معبر بيت حانون من الجانب الإسرائيلي، ويساومون المريض للتعامل مع الاحتلال مقابل حياته، وهذا بالطبع يؤثر على نوعية الحالات التي يمكن ترحيلها للعلاج في دولة الاحتلال".
وتفيد معطيات جديدة صادرة عن وزارة الصحة حول انتشار مرض السرطان في غزة، بوجود زيادة ملحوظة ومقلقة في أعداد الحالات المسجلة من عام إلى آخر. وتبين الأرقام أن العام الماضي شهد زيادة بمقدار 20% عن العام الذي سبقه بحيث تم تسجيل 3600 حالة في الضفة والقطاع.
أخطر الأمراض
وكان مركز المعلومات الصحية في وزارة الصحة، ذكر أن مرض السرطان من أخطر الأمراض التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني، وإنه حل في المرتبة الثانية كمسبب للوفيات بين الفلسطينيين، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بعد أمراض القلب والأوعية الدموية.
وأوضح مدير المركز جواد البيطار في بيان صادر عن المركز، أن وفيات الفلسطينيين الناتجة عن السرطان بلغت ما نسبته 13.3% من مجموع الوفيات، لافتاً إلى أن معدل الإصابة بالسرطان في فلسطين بلغ 80.3 حالة جديدة لكل 100 ألف نسمة من السكان سنويا.
يذكر أن 60% من الحالات الجديدة للسرطان تسجل في الفئة العمرية من 15 سنة وحتى 64 سنة، وهي سنوات الشباب والإنتاج لدى الإنسان الفلسطيني.
وقالت وزارة الصحة إنها تنضم إلى الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان ومنظمة الصحة العالمية، من أجل الترويج لسُبل التخفيف من العبء الناجم عن مرض السرطان، إذ تتركز الجهود على أهمية سبل الوقاية من السرطان، والكشف المبكر عن السرطان، وتحسين نوعية حياة المصابين به.