غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الجهاد الإسلامي وثقافة الاشتباك المستمر... "جنين نموذجاً"

انطلاقة حركة الجهاد.jpeg
قلم/ حسين مهدي

أن يسكنك وطنٌ يعاني القهر كل لحظة من عدو مجرم يحتل أرضه ويجوب سماءه ويحاصر بحره، يعني أن يشغل فيه الوطنيون الغيورون كل لحظاتهم في الاشتباك المستمر وإدماء العدو وعدم إعطائه فرصةً للراحة. أما أن يمعن العدو يومياً في جرائمه قتلاً وأسراً وتشريداً وملاحقةً وحصاراً وانتهاكاً لحرمة المقدسات فهذا لا يعني إلا شيء واحد، وهو الرد العسكري الحتمي للجم العدوان وتدفيعه ثمن هذه المعاناة، وحتى الحديث بهذا المستوى "رد ورد فعل" يشوبه الخلل، فالأصل هو السعي الدؤوب للانعتاق من المحتل وتحرير الوطن كله، وليس تحسين شروط العيش تحت الاحتلال في جزءٍ منه.

حركة الجهاد الإسلامي منذ نشأتها قدمت نفسها أنها حركة مقاومة تمارس السياسة، وليست حركة سياسية تمارس المقاومة، وعندما سُئل الأمين العام السابق للحركة د. رمضان عن هوية الحركة قال نصاً "نحن إسلاماً مقاوماً، ولسنا إسلاماً سياسياً" هذا التعريف الجامع المانع يلخص الوجهة الحقيقية للحركة، ويحدد مسارها، ويجعلها تمارس منظومتها الفكرية والسياسية واقعاً بكل وضوح بعيداً عن تعقيدات الواقع وحرج أعباء السلطة والتفاهمات المبرمة مع العدو والجهات الإقليمية. ومن المهم كذلك أن نشير إلى تصريح سابق للدكتور شلَّح قال فيه "إن أسهل قرار تتخذه حركة الجهاد هو المواجهة والاشتباك مع العدو". الجهاد الإسلامي هو التنظيم الوحيد في الساحة الفلسطينية الذي لا زال منسجماً مع الأفكار التي نشأ لأجلها، وهو التنظيم الوحيد الذي نأى بنفسه عن المشاركة في مؤسسات السلطة والارتهان إما لميزانية المنظمة أو قيود السلطة في شقي الوطن الجريح. القائد النخالة أكدَّ في غير موضع أن الجهاد في فكر حركته كالصلاة اليومية، وأسس لمفهوم "مشاغلة العدو"، وأشار لسقوط كل الخيارات أمام القتال فقال نصاً: "هذا هو واجبنا اليوم، القتال فقط، عندما لا يوجد لدينا خيار آخر فلنذهب إلى القتال كما نذهب إلى الصلاة، فالقتلة والمجرمون لا يمكن مواجهتهم بأغصان الزيتون وهم يحملون البنادق". 

الجهاد الإسلامي يمتلك مبادئ ثابتة لم يغيرها كل مفاعيل الواقع الفلسطيني المعقد، ورؤيته للعدو واضحة أشد الوضوح، فهو لم يغادر مربع المقاومة والدفاع عن الشعب إلى مربعات أخرى تفقده مبرر وجوده وتحد من قدرته على المقاومة، وتجعله يرى الدم الفلسطيني يراق في القدس والضفة وغزة وتكبله قيود الواقع عن الرد. وكان واضحاً في فهمه "للتهدئة" التي تسللت للقاموس الفلسطيني خلسة،ً حين عبر عن ذلك الفقيد د. شلح "هذا الجرح الذي تعاني منه حركة الجهاد والشعب الفلسطيني كله، السكين اليهودي الذي يغوص في لحمنا كل يوم، هذا لا يعني شيء علينا ألا نحس به من أجل قداسة التهدئة، التهدئة هنا لا تساوي –لا أريد أن أقول أنها لا تساوي قطرة دم من الشهداء- لا تساوي الحبر الذي كتبت به". كل ذلك ينسجم مع الأدبيات الفكرية والسياسية التي أسسها الدكتور المؤسس الشقاقي الذي قال "ليس الجهاد الإسلامي هو الذي يساوم على استمرار المعركة ضد الاحتلال"، والذي أكد أن نهر الدم لن يتوقف دفاعاً عن الأرض والتاريخ. الحركة أكدت بالفعل والقول أنها لم ولن توقف جهادها على أي مكان من فلسطين. 

التمايز الفكري الواضح لحركة الجهاد، وكذلك السلوك المقاوم الذي يعتمد على المشاغلة والاشتباك المستمر يؤكد أن حاضر الحركة يتطابق مع أصل النشأة، فالحركة ترى أن المقاومة والاشتباك وعدم استقرار العدو هو جوهر قيامها، لذلك قامت بالرد العسكري على جرائم الاحتلال، ولو كانت بحق غيرها من الفصائل حين ردت على اغتيال الشهيد القائد الجعبري بقصف تل أبيب لأول مرة، وكذلك الرد المباشر على عملية اغتيال القيسي أمين عام لجان المقاومة في عملية بشائر الانتصار وقدمت خلالها 14 شهيداً من خيرة قادتها وكوادرها. وأيضاً قدمت الحركة الواجب رغم كل ما يعتري المرحلة من تشابكات سياسية وميدانية، وردت منفردة على العدوان الصهيوني وبقيت وحيدة في الميدان، لذلك يمكن الخلوص بالقول أن أسهل قرار يمكن اتخاذه داخل هذه المدرسة الثورية هو قرار المواجهة مع المحتل. 

عملية نفق جلبوع البطولية وما أعقبها من اشتباكات لا زالت مستمرة في مدن الضفة خاصةً مخيم جنين، وارتقاء عدة شهداء معظمهم يتبعون للحركة يفتح الباب أمام عدة احتمالات سيما أن المتابع للخطابات الأخيرة للقائد النخالة يلاحظ تحريضه على القتال في الضفة والمواجهة مع العدو علانيةً. فهل اتخذ الجهاد الإسلامي القرار بتركيز العمل الجهادي في ساحة الضفة؟ وهل يعيد الجهاد ساحة الضفة إلى صدارة العمل المقاوم؟ وهل ستتحول إلى خاصرة رخوة للاحتلال تستنزف وجوده؟. ملاحظة أخرى يجب الوقوف عندها وقراءتها بدقة، وهي البيان المقتضب الذي صدر قبل أيام عن الإعلام الحربي التابع لسرايا القدس معلناً أنه ليس ضمن بيان الغرفة المشتركة الذي تجاهل شهيد جنين والاعتداءات المستمرة في الضفة، فالجهاد الإسلامي له حساباته التي تختلف عن الآخرين بحكم عدم وجود ما يقيد مده الثوري وحضوره الميداني للرد على جرائم العدو، وأيضاً فالتنظيم ضد تقسيم المواجهة في ساحات الوطن فما يجري في الداخل المحتل أو القدس أو الضفة أو غزة يجب أن يتداعى كل الوطن للرد عليه، حيث قامت سرايا القدس بالرد من قطاع غزة بحملات صاروخية على جرائم الاحتلال في الضفة رغم محاولات حكومة غزة المتكررة لكبح جماح المبادرة والرد، والوصاية على الميدان، بحكم ارتباطات حزب السلطة في غزة بتفاهمات مع العدو عبر أطراف عربية. الحركة تعتقد أن نظرية الإعداد والصمت عن الجرائم أثبتت فشلها فما تراكمه المقاومة في سنوات قد يأتي عليه العدو في لحظة فيصبح هشيماً، فالواجب أن نشغل العدو بأمنه ونجعله يتعثر في تدابيره الأمنية فلا يغمض له جفن ولو لحظة واحدة. 

الحركة تعلم أن خيار المقاومة صعب وقاسٍ لكن شعبنا يقف بين نارين، نار الذل والهوان ونار الجهاد والمقاومة والاستشهاد، نار تقود إلى النقمة والغضب، ونار تقود إلى النعمة والرضوان من تخلى عنها فرط في نعمة الجهاد والاستشهاد. وما يجب أن يدركه الكل الوطني الفلسطيني ضرورة وضوح البرنامج الكفاحي والجهادي صفاً واحداً بالتعاون مع محور القدس وكل أحرار الأمة، وذلك من وصية الشقاقي أنه " إما أن ننهض جميعاً أو يقتلونا فرادى"، إلى النداء الأخير الذي أطلقه القائد النخالة فقال:" نؤكد على وحدة قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة، وحماية هذه الوحدة بالتواصل الدائم والتنسيق المستمر".

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".