تزرع أشجار البن عادة على ارتفاعات عالية في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وتنمو بشكل طبيعي في الظل تحت الأشجار الأخرى، وتساهم هذه الطريقة التقليدية في رفع مستوى التنوع البيولوجي في تلك المناطق، كما توفر تلك المظلات مأوى للحيوانات، فضلاً عن منع تآكل التربة السطحية والاستغناء عن حاجة استخدام الأسمدة الكيماوية، وفقاً لما ذكره موقع De La Gente المتخصص بتمكين تجار القهوة في دولة غواتيمالا في أمريكا الوسطى.
لكن في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ونظراً لزيادة طلب البن في السوق العالمية، انتقل المزارعون من طرق الزراعة التقليدية قليلة الإنتاج إلى طرق أسرع وهي "الزراعة تحت الشمس".
ويتم إنتاج القهوة تحت الشمس عن طريق إزالة الأشجار الأخرى من أجل زرع أشجار البن في صفوف تحت أشعة الشمس مباشرة، كونها تنتج كمية محصول أعلى كثيراً من القهوة المزروعة في الظل.
أضرار القهوة المزروعة تحت الشمس على البيئة
وعلى الرغم من فائدتها للتجار فإنّ الزراعة تحت الشمس التي باتت شائعة الآن لها أضرار جسيمة على كوكب الأرض، فهي تقضي على التنوع النباتي الذي يعد مصدراً غذائياً للعديد من الحشرات، والحيوانات، كما تؤثر سلباً على التنوع البيولوجي في المنطقة وتسبب أضراراً بيئية أخرى، وفقاً لما ذكرته مجموعة أدوات الأعمال المستدامة المُهتمة بالبيئة Sustainable Business Toolkit
إزالة الغابات بسبب زراعة القهوة
أدى التحول من زراعة القهوة في الظل إلى زراعة القهوة في الشمس إلى إزالة أكثر من 2.5 مليون فدان من الغابات في أمريكا الوسطى وحدها التي تعتبر من أكثر المناطق إنتاجاً للبن في العالم، إلى جانب دول أمريكا اللاتينية.
في حين يُقدر خبير المناخ بيتر بيكر في تقريره "إنتاج البن العالمي وتغير استخدام الأراضي" أن الزيادة السنوية في أراضي البن في العالم تصل إلى حوالي 100 ألف هكتار (100 كم مربع)، الأمر الذي يُعيِّن إزالة غابات بنفس المساحة.
ويعتبر موضوع إزالة الغابات أمراً خطيراً سيما في الغابات الاستوائية المهمة للغاية في حماية ديناميكيات الغلاف الجوي ونوعية المياه وأنواع الحياة البرية.
على سبيل المثال، تقضي الكثير من الطيور المهاجرة الشتاء في الغابات الاستوائية بأمريكا اللاتينية، وعندما تتم إزالة الأشجار لا تتمكن الطيور من الذهاب إلى هناك مجدداً.
لهجرة الطيور دور هام في حركة أنواع كائنات أخرى أيضاً، بما في ذلك انتقال الطفيليات والتي تحمل بدورها الميكروبات بما فيها تلك التي تؤثر على صحة الإنسان.
تلوث المياه بسبب زراعة القهوة
تحتاج القهوة إلى خطوات معالجة كثيرة للوصول إلى المرحلة النهائية التي نتعرف عليها، وهي: (الغسل، والتجفيف، والتقشير، وإزالة اللب، والتخمير، والتحميص).
وهذه الخطوات تصدر الكثير من الملوثات العضوية من مصانع المعالجة؛ فتذهب إلى الأنهار والمجاري المائية وتعتبر مصدراً رئيسياً لتلوث المياه.
كما تؤدي مياه الصرف الصحي للقهوة أيضاً إلى إطلاق غاز الميثان في الغلاف الجوي أثناء تبخره، مما يساهم في تغير المناخ وفقاً لما ذكره موقع Coffeelands.
استخدام الكيماويات في زراعة القهوة
غالباً ما تستخدم القهوة المزروعة في الشمس مبيدات حشرية ومواد كيميائية تشكل مخاوف صحية وبيئية خطيرة.
فقد أجرى معهد الموارد العالمية (WRI) دراسة في عام 1996 أفادت بتعرض بشري واسع النطاق لمبيدات الآفات في أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى في العالم النامي.
كما تساهم تلك الأسمدة في زيادة تلوث المجاري المائية وخزانات المياه الجوفية.
أطنان من القمامة تضر بالمياه والتربة
مما لا يثير الدهشة أن هناك أيضاً كمية هائلة من النفايات الناتجة أثناء تصنيع القهوة.
تنمو حبوب البن في الأساس على شكل كرزات حمراء، يتم قطافها وتقشيرها، ومن ثم تخميرها لتصبح حبة بن جاهزة للطحن.
وتولد عملية فصل حبوب البن عن كرز القهوة كميات هائلة من النفايات على شكل لب وقشور.
يقول موقع Sustainable Business Toolkit إنه خلال فترة 6 أشهر تشير التقديرات إلى أنّ معالجة 547 ألف طن من القهوة في أمريكا الوسطى أنتجت ما يصل إلى 1.1 مليون طن من النفايات ولوثت ما يقارب 110 آلاف متر مكعب من المياه يومياً، بالإضافة إلى ذلك فإنّ هذه النفايات الزائدة تضر بالتربة وجودتها.
ولحسن الحظ، وجد الناس استخدامات أفضل لمخلفات إنتاج القهوة ويشمل ذلك سماد قشور القهوة الممزوجة بروث حيوانات المزارع لاستخدامها كسماد عضوي في الزراعة.
فوائد قهوة الظل
على العكس تماماً فإن زراعة القهوة التقليدية في الظل المستخدمة مسبقاً تعتبر هي الأمثل؛ فهي تتطلب القليل من الأسمدة الكيماوية أو مبيدات الآفات أو مبيدات الأعشاب أو قد لا تتطلب ذلك أحياناً؛ إذ تقوم أشجار الظل بترشيح ثاني أكسيد الكربون الذي يسبب الاحتباس الحراري، ويساعد في الاحتفاظ برطوبة التربة وتقلل من التعرية.
فيما يلي بعض فوائد زراعة القهوة في الظل وفقاً لما ذكره موقع Eartheasy.
- تساعد في استدامة الغابات المطيرة
- تعاني مزارع البن تحت الشمس من استنفاد التربة وزيادة التعرية، كما يتم تجريد الغابات المطيرة لتوفير أرضية نمو جديدة، في حين تعتبر مزارع قهوة الظل في معظمها عضوية وتساعد على استدامة الغابات المطيرة.
- عدوة المواد الكيماوية
- تستخدم مزارع قهوة الظل القليل من الأسمدة الكيماوية أو لا تستخدم الأسمدة الكيماوية على الإطلاق.
- تساعد على التنوع البيولوجي
- شهدت أعداد الطيور المهاجرة انخفاضاً سريعاً منذ إدخال قهوة الشمس وما تبع ذلك من تدمير للغابات المطيرة من أجل المزيد من مزارع البن.
- نضج أبطأ = طعم أفضل
في مزارع البن المزروعة في الشمس، يؤدي التعرض المستمر للشمس إلى تقصير معدل النضج، من أجل ضمان سرعة الحصول على محصول.
بينما تنتج القهوة المزروعة في الظل المزيد من السكريات الطبيعية في كرز القهوة وتعزز من طعم حباتها.
استنساخ القهوة قد يكون بديلاً مفيداً للبيئة!
ابتكر العلماء مؤخراً أول قهوة معدلة وراثياً في المختبرات، وفقاً لما ذكرته صحيفة Daily Mail البريطانية.
واستخدم الباحثون المقيمون في فنلندا، لاستنساخ القهوة، عملية تسمى الزراعة الخلوية، والتي تتضمن استخراج الخلايا من عينة نباتية أو حيوانية صغيرة.
ووفقاً للعلماء، فإن القهوة المعدلة وراثياً تشابه القهوة الحقيقية بالطعم والرائحة "بشكل لا يصدق"، كما يزعمون أن بإمكانهم من خلال استنساخ القهوة أن يعالجوا قضايا الاستدامة التي تواجه هذه الصناعة العالمية، مثل قضية توفير مساحات لزراعة القهوة تحت الشمس والذي يؤثر بشكل أو بآخر بالإضرار في البيئة.
وأخيراً: عدا عن نصيحتنا لكم بالتوجه إلى شراء القهوة المزروعة في الظل، فإنّ هناك شيء آخر متعلق بالقهوة ويسبب تلوثاً بيئياً وهي الأكواب الكرتونيّة ذات الاستخدام الواحد التي نشتري فيها القهوة الجاهزة ونرميها بعد الانتهاء.
ولحسن الحظ هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها التغلب على هذه المشكلة إذا كنت من محبي تناول القهوة في الخارج؛ وهي إما عن طريق الطلب من محلات البيع وضع القهوة الجاهزة لك داخل "كوب حراري" تحمله معك أينما ذهبت، أو من خلال شرب القهوة في المحلات ذاتها التي ستقدمها لك داخل أكواب زجاجية.