(إننا نذهب للقتال كما نذهب للصلاة)، هذه كلمات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الأستاذ/ زياد النخالة (أبو طارق) أثناء قيادته جهاد حركته ضد الاحتلال، كلمات تعطي ملامحاً عظيمة للمزيج الفريد لهذه الشخصية التي استطاعت أن تمزج بين شراسة المقاتل وإيمان المؤمن، وليس ذلك ببعيد عنه وهو نجل شهيد، فوالده الشهيد/ رشدي النخالة الذي استشهد في مذبحة خانيونس 1956م تاركاً خلفه ثلاثةً من الأبناء كان القائد/ زياد النخالة أوسطهم، حيث تعهدت والدته المنتسبة إلى عائلة الحسيني العريقة تربيته حتى بلغ أشده.
في أعقاب تطور الوعي الفلسطيني بضرورة بناء الذات والاعتماد على النفس بالدرجة الأولى بعد السقوط المدوي لشعارات القومية و الاشتراكية والوطنية في حرب حزيران 1967 التي شكلت النكبة الثانية للشعب الفلسطيني باحتلال القدس ومساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، بادرت الحركة الوطنية الفلسطينية إلى لملمة ذاتها وتجميع السلاح والعتاد اللذين خلفتهما الجيوش العربية، وتطلق الشرارة لحركة نشطة من المقاومة الفلسطينية لقوات الاحتلال، ارتقى خلالها مئات الشبان المناضلين، واعتقل الاحتلال عدداً كبيراً ممن تبقى، ليكون القائد/ زياد النخالة أحد الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد بتهمة مقارعة الاحتلال تحت لواء قوات التحرير الفلسطينية، ليمضي منها خمسة عشر عاماً من السنين العجاف، ينسب إليها الكثير في اللمسات التي شكلت اسمه الكبير.
أمضى هذه الفترة متنقلاً بين سجون غزة وعسقلان والسبع ونفحة، فتعرف على شريحةٍ واسعة من المجاهدين والمناضلين الفلسطينيين والذي كان أبرزهم الشهيد المؤسس/ د. فتحي الشقاقي عاهداً إليه البدايات الأولى لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في صفوف الحركة الأسيرة لما تميز به من عنفوان وطني وشجاعة وجرأةٍ في التعبير إلى الحد الذي جذب فيه ثقة جميع الفصائل ليمثلها في الحوار مع إدارة سجن عسقلان رغم حداثة سنه.
تنسم القائد/ زياد النخالة عبير الحرية مجدداً رغم حكمه المؤبد بعد إتمام صفقة الجبهة الشعبية –القيادة العامة عام 1985م بقيادة الراحل/ أحمد جبريل الذي تمكن بهذه الصفقة من فكاك أكثر من ألف أسير من أصحاب المحكوميات العالية، لكن رياح الحرية التي تنسمها كانت محملة بعبق الجهاد، فقد واصل بعد الإفراج عنه ممارسة دوره القيادي والتأسيسي في حركة الجهاد الإسلامي بعد باعٍ طويل في السجون، ليكتب في مسيرته سماتٍ شخصية أخرى يشهد بها القاصي والداني من التزامٍ حركي وانضباطٍ تنظيمي منقطعي النظير إلى جانب البعد عن أي أهواء شخصية أو حب الظهور الإعلامي هنا وهناك.
ثلاث سنوات بعدها ويعاود الاحتلال اعتقاله عام 1988م في ضربة موجهة إلى أعضاء القيادة الوطنية الموحدة التي كانت تدير الانتفاضة الأولى، حيث لم يستطع الاحتلال انتزاع أي اعترافاتٍ منه عن عضويته في الهيئة ممثلاً للجهاد الإسلامي، ما أفضى بها في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار جائر بإبعاده إلى جنوب لبنان وذلك في العام ذاته. ليعاود الالتقاء مرة أخرى بالأمين العام المؤسس د. فتحي الشقاقي رحمه الله في لبنان المقاومة، ليكون له دور كبير في مساندة الأمين المؤسس في إعادة هيكلة الحركة في الخارج في ظل ظروف أشبه بالمستحيلة، لينجحا معاً رفقة عدد من نخب الجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية إنجاز هذه المهمة بمساندة حزب الله اللبناني وكل قوى المقاومة الوطنية
بعد استشهاد الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي د. فتحي الشقاقي عام 1995م، تولى الأخ الدكتور/ رمضان شلح –رحمه الله الأمانة العامة للحركة واختير القائد/ زياد النخالة نائباً له، حيث عمل معه سوياً في ثنائيات عمل متكاملة وبدقة متناهية، حيث تمكنا من إدارة حركة الجهاد الإسلامي لأكثر من عشرين عاماً من العمل الجهادي، واستطاعت الحركة –إبان تلك الفترة-من تسجيل حضور نوعي في الساحة الفلسطينية وعدداً من الساحات المختلفة وتوسيع شريحة أبنائها وأعضائها وشبكة علاقاتها وتحالفاتها.
وفي عام 2018م تم انتخاب الأخ القائد/ زياد النخالة أميناً عاماً للحركة حاملاً معه إرث د. الشقاقي و د. رمضان ليتولى زمام القيادة في ظروف بالغة الدقة والتعقيد، ويكمل مع إخوانه في قيادة الحركة لوحة الصمود المستمر في مواجهة قوى الاستكبار العالمي وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.
الأخ القائد/ أبو طارق مزيجٌ من الاستثنائيات، فهو الاستثنائي في المقاومة والمواجهة وإيمانه العميق، فلا مكان لديه في المساومة على حقوق الشعب الفلسطيني ولا على خيار المقاومة، وترجمةً لهذا الإيمان كان وفياً في تحالفاته مع قوى المقاومة التي يدرك أنها الداعم الحقيقي، في وقتٍ تخلت فيه كثير من الدول العربية والإسلامية عن دعم المقاومة والشعب الفلسطيني، وهو الاستثنائي في الصدق، فهو صادق دوماً مع الآخرين مستعدٌ لدفع ثمن صدقه ومواقفه الجهادية الجريئة دون مداهنة، فتعود على النطق بالصدق والحقيقة وإن كانت تصريحاته لا تعجب بعض النشطاء الفلسطينيين المؤطرين ولا يقابل انتقادهم البناء وغير البناء إلا بإبداء التقدير لهم ملتمساً الكثير من الأعذار لهم، وكذلك هو القائد الإنساني الاستثنائي الذي لا يغلب حماسه للمقاومة وحزمه العسكري رحمته بأبناء شعبه ورأفته بأهالي الشهداء والأسرى والجرحى والفقراء والمساكين والبسطاء، فلا يمكن أن يحادثه مهموم إلا وينتزع همه منه ببسمته واستبشاره وتواضعه.
الحديث يطول عن أبو طارق القائد بطريقة مختلفة وبأسلوبٍ مختلف، فهو الموضوع على قوائم الإرهاب الأمريكية كأحد أهم المطلوبين للشيطان الأكبر والدولة اللقيطة، ختاماً فإن في القائد/ زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي من الخير والحكمة والشجاعة والرصانة الكثير ما يجعله قريباً للقلوب بارزاً في محطات كثيرة، حفظ الله المقاومة وقادتها، وسدد رأيها ورميها، حفظ الله تعالى القائد أبا طارق وكل الصادقين المخلصين من أبناء شعبنا الفلسطيني.