قائمة الموقع

في الذكرى الـ26 لاستشهاده: د. فتحي الشقاقي.. رؤى ثابتة ونهج مقاوم متجذر

2021-10-28T10:19:00+03:00
الشهيد المؤسس د. فتحي الشقاقي.jfif
قلم: أمين مصطفى

ستة وعشرون عاما مضت على استشهاد مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، د. فتحي الشقاقي، على يد جهاز المخابرات الصهيونية "الموساد" وعملائه في مالطا، وما زال بذار فكره وعطائه يزداد نمواً وتطوراً في صفوف أفواج المجاهدين الذين ساروا على دربه.

كان العدو يتوهم، بأن اغتياله يمكن أن يقطع الطريق أمام ولادة حركة جهادية إسلامية، من شأنها أن تؤسس لنهج جديد، بوصلته تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر، استنادا إلى مقاومة مسلحة لتحقيق ذلك، بخاصة وأن هذا العدو قرأ بإمعان كل ما كانت تطرحه الحركة من مشاريع وخطط وإعداد داخل مخيمات اللجوء في قطاع غزة، وعلى امتداد الضفة الغربية والقدس المحتلتين والداخل المحتل عام 48 وفي الشتات، من خلال سلسلة نشاطات تثقيفية وتعبوية بادئ الأمر، ومواجهة فجرت الانتفاضة الأولى، وصولا إلى الاشتباك المباشر والعمليات الاستشهادية والقصف.

عبّر عن ذلك بوضوح رجل الاستخبارات الصهيوني وكبير المعلقين الاستراتجيين في صحيفة هآرتس العبرية، بقوله: "لقد قرأنا فكر الشقاقي من رأسه إلى أخمص قدميه، ووجدنا أننا لا يمكن أن نلتقي لا في أول الطريق ولا في المنتصف ولا في نهاية الطريق، فقررنا قتله دفاعا عن دولة إسرائيل".

فات العدو أن الغرس الذي زرعه الشقاقي في ذاكرة جيل من الشباب المؤمن بعدالة قضيته وحقه في أرضه لا يمكن أن يستأصل أو يموت، لأنه ارتوى بالدم وقام على مبادئ عقيدية ثابتة يصعب النيل منها، بدليل ما نشهده اليوم من تبوء حركة الجهاد الإسلامي الموقع الطليعي بين منظمات المقاومة، وقد سطرت وتسطر كل يوم صفحات ناصعة في الجهاد، كان آخرها معركة "سيف القدس" و"كتيبة الحرية" و"الأمعاء الخاوية".

ولد الشقاقي في قلب معاناة اللجوء، كان لصيقاً بشعبه يسمع ويرى ما لحق به من ظلم وعذاب وآلام، وقد هزت وجدانه هزيمة العام 1967، فقرر مع نفر من الشبان الذين كانوا يتلقون معه الدراسة في الجامعات المصرية إلى تشكيل تنظيم يعتمد الجهاد فكراً ومخرجاً لكل ما تعانيه فلسطين والأمة.

كان الشقاقي يرى "وجود نقاط ضعف في المشروع الوطني الفلسطيني، تتركز حول الايديولوجية السياسية الوطنية نفسها، التي استبعدت الإسلام من محتواها الفكري، في الوقت نفسه أدرك إشكالية الحركة الإسلامية التقليدية، التي كانت غائبة عن المسألة الفلسطينية طيلة سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات".

لذلك تبلورت لديه قناعة بأن طريق الخلاص يتمثل بالمقاومة، ولاقى ذلك قبولا ودعما من قبل معظم شرائح المجتمع الفلسطيني، ما ساعد في سرعة انتشار هذا التوجه والانخراط فيه.

وضعت حركة الجهاد الإسلامي – وفق ما طرحه الشقاقي ورفاقه – هدفين لتحركها:

 

الأول قريب وهو تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني وزوال الاحتلال...

الثاني بعيد، وهو تجاوز أزمة التحدي الغربي الحديث، وحل المشاكل التي يواجهها المسلمون، حلا يتفق مع عقيدة الإسلام وشريعته.

وشدد الشقاقي على أن قضية فلسطين، هي أهم قضايا الوطن الإسلامي، والظروف الموضوعية باتت ناضجة لتكريس هذه القضية في صلب العمل الإسلامي الواسع.

ووصل الشقاقي في مشروعه إلى نظرية تقوم على مواجهة الغرب بكل أشكاله وصوره، السياسية، الثقافية، الاقتصادية، الفكرية وغيرها، وتحرير العالم العربي والإسلامي من عملية الهيمنة والنهب والقهر الغربي، وصولا إلى تحرير كل المستضعفين في العالم.

كان المشروع طموحاً ويحتاج إلى إمكانات هائلة، وإلى صبر ومثابرة، وإلى جهد غير اعتيادي، وبيئة حاضنة قوية ومتماسكة وإرادة صلبة، وهذا ما عمل من أجل تأمينه.

فهم الغرب والحركة الصهيونية ما يعنيه المشروع بدقة، وأدرك خطورته وأبعاده، فأدرج الشقاقي ورفاقه في قوائم "الإرهاب"، وطردهم وزج بالعشرات منهم في المعتقلات والسجون، واغتال أعدادا منهم، لكن ذلك لم يثنِ حركة الجهاد إلا مضيا في العمل، ومراكمة الخبرات والتسلح، لأنها عرفت أن المعركة مفتوحة وطويلة وستتواصل حتى إنجاز الانتصار.

هذا ما أكد عليه الأمين العام الحالي للحركة، الأستاذ زياد النخالة، عندما قال: "إننا موعودون بالنصر، والعدو محكوم بالخروج من فلسطين."

وأضاف "إن ما تمر به قضيتنا الفلسطينية من تحديات لا تمنعنا من أن نرى بوادر أمل بأن النصر قريب".

معلناً "التمسك بفلسطين كل فلسطين، وعلى أن المقاومة خيارنا".

كلام النخالة جاء استكمالاً لما فاض به نبع الفكر الذي نهل منه الشقاقي، ومن بعده الراحل المجاهد د. رمضان عبد الله شلح.

رغم كل الظروف والمراحل الصعبة التي عاشتها حركة الجهاد في مواجهة العدو الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية، فإنها ظلت متماسكة وقوية، على صعيد التنظيم الداخلي، وعلى صعيد العلاقات مع القوى الحليفة والصديقة، وبقيت وفية لدماء الشهداء، والتمسك بالثوابت التي أرستها مدرسة الشقاقي ورفاقه، من ناحية اختيار أسلوب المواجهة وخط المقاومة، واعتبار الوحدة أساس ومدماك للقوة ضد العدو الصهيوني.

وأكدت أيضا أنه بات من الضروري إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة، وإنهاء التنسيق الأمني مع العدو، وتصعيد العمل المقاوم، والتواصل والتنسيق مع الأهل داخل المناطق المحتلة عام 48، والعمل على تحرير الأسرى والمعتقلين في سجون العدو ورفض التطبيع مع كيان الاحتلال ومحاربته بكل الوسائل، والسعي لتحريك الشارع العربي والإسلامي لإفشال مشاريع ومخططات العدو الرامية إلى إنهاء القضية الفلسطينية.

وآخرا وليس أخيرا، رفد محور المقاومة بعناصر قوة جديدة ليكون الخط الأمامي للمواجهة لتحرير واستعادة الأرض المحتلة والكرامة العربية والإسلامية.

في الخلاصة، د. فتحي الشقاقي بهذا النهج وبهذه الروح والإرادة، وبهذا الإرث الفكري، ما زال حياً، وسيبقى خالداً إلى أن تتحقق كل أمنياته التي جاهد من أجلها، وتخليص فلسطين والأمة من براثن الاحتلال والهيمنة الاستعمارية بشتى أشكالها.

الشهيد الشقاقي صفحة جهاد تكبر وتتطور كل يوم، وسيقدم لنا التاريخ وفق هذه الرؤية نماذج إبداع في المقاومة ستفاجئ العدو على غير صعيد.

اخبار ذات صلة