العظماء يرفضون الخضوع للمحتل، فكيف إذا كان هذا المحتل قادماً ويسحق بوحشية كل أشيائنا الجميلة، ويدوس كرامتنا، فهل يُعقل أن نُطأطئ له الرأس ونحني الهامة، إنه الخيار بين الرفعة والذلة، بين القوة والضعف، بين الاستسلام والمقاومة، أمام هذه الخيارات المتعددة اختار الشهيد القائد إياد صوالحة ابن بلدة كفر راعي الجهاد، فحمل سلاحه وأخذ يعمل بكل عنفوان واجتهاد لمحاربة يهود.
في مثل هذا اليوم وقبل 19 عاماً ودّعت جماهير الشعب الفلسطيني الشهيد القائد إياد أحمد صوالحة، بعد أن أذاق العدو الويلات وجرعهم كأس المنون عبر تخطيطه لعدد من العمليات الاستشهادية التي أدّت لمقتل ما يزيد عن 30 صهيونياً وإصابة العشرات.
ميلاد القائد
ولد الشهيد القائد إياد أحمد يوسف صوالحة بتاريخ 12 - 2 - 1974م، في بلدة كفر راعي قضاء مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة لأسرة ملتزمة بتعاليم الإسلام العظيم، ونشأ وترعرع في أحضان عائلة مجاهدة خرجت الكثير من الشهداء والأسرى والجرحى على طريق الحرية والعزة والكرامة، ويعد شهيدنا واحداً من أولئك المجاهدون الذين أسروا قلوب الفلسطينيين بتضحياتهم وجهادهم.
الشهيد القائد صوالحة ينتمي لأسرة مكوّنة من 10 أفراد، وتلقى تعليمه في بلدته كفر راعي، وبعد إنهائه المرحلة الثانوية درس في كلية قلنديا للتدريب المهني.
عرف عن شهيدنا القائد إياد صوالحة أنه شديد الحرص على أداء الأمانة إلى أصحابها، فضلاً عــن أنه خلوق يتميز بصفة الحياء والذوق الرفيع كما تقول أسرته، كما يشير رفاق دربه إلى أنه نعم الابن المطيع لوالديه الحريص على إعالة أسرته وإيثار إخوانه على نفسه، ولم يكن يعرف معنى للراحة فكل حياته كانت مكللة بالجهاد والمقاومة.
رحلته الجهادية المشرفة
بدأت حكاية القائد إياد صوالحة في العام 1992م، حيث كان وقتها مطلوباً للعدو إبان الانتفاضة الأولى التي شارك فيها بفعالية منذ ريعان شبابه، وكان يتقدم الصفوف ويشارك في المسيرات والمواجهات، فطاردته قوات الاحتلال حتى اعتقلته وحكم عليه بالسجن المؤبد، قضى منه سبع سنوات تنقل خلالها في العديد من السجون فبعد أن ذاق إياد الأمرين في سجون الاحتلال خلال اعتقاله وتعذيبه بوحشية وعزله بشكل فردي تم الإفراج عنه خلال بعد توقيع اتفاقية "أوسلو " فجعل منه صخرة صلبة وقنبلة موقوتة تنتظر الانفجار في وجه المحتل.
انضم الشهيد القائد إياد صوالحة لخيار الإيمان والوعي والثورة منذ نعومة أظفاره، ومن ثم التحق بصفوف سرايا القدس مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، وتدرج في العمل العسكري حتى أصبح قائد سرايا القدس في جنين شمال الضفة الغربية المحتلة.
وخلال مشواره الجهادي المشرف شارك في التخطيط لعدد من العمليات التي زلزلت الأمن الصهيوني وكان من أبرزها:
عملية تفجير حافلة صهيونية قرب مفترق مجدو بتاريخ 5-6-2002م، والتي نفذها الاستشهادي المجاهد حمزة سمودي من سرايا القدس بجنين وأدت لمقتل 17 جندياً ومغتصباً صهيونياً وإصابة العشرات.
عملية تفجير حافلة صهيونية على مفترق كركور قرب مدينة الخضيرة المحتلة بتاريخ 21-10-2002م، والتي نفذها الاستشهاديان أشرف الأسمر ومحمد حسنين من سرايا القدس في جنين وأسفرت عن مقتل (14) جندياً ومغتصباً صهيونياً وإصابة (50) آخرين.
عملية جسر الطيبة الاستخبارية والتي استدرج خلالها الاستشهادي المجاهد مراد أبو العسل الضباط الصهاينة في عملية معقدة وفجّر نفسه فيهم بتاريخ 30-1-2001م، وأسفرت عن مقتل ضابطان من الشاباك الصهيوني.
عملية الاستشهادي المجاهد عبد الفتاح راشد من سرايا القدس بطولكرم والذي فجر نفسه قرب مفترق بيت ليد بتاريخ 9-9-2001م، وأسفرت عن إصابة عدداً من الصهاينة.
كما يُحمّل قادة العدو الصهيوني الشهيد إياد صوالحة المسؤولية عن إعداد وتجهيز عدد من الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، كما يتهمه العدو بالوقوف والمسؤولية خلف عدة عمليات نوعية أسفرت عن مقتل 31 صهيونياً وإصابة العشرات، ولقب القائد صوالحة بـ"مهندس المتفجرات ومخترق الشاباك"، كما لقبه العدو بـ "أمير الجيب الأحمر".
ولدور الشهيد القائد إياد صوالحة الجهادي الكبير أصبح مطارداً وأبرز المطلوبين لقوات الاحتلال، واعتقل العدو الصهيوني والدته وأشقائه وهدم منزل ذويه بهدف الوصول إليه ولكنه فشل.
موعد مع الشهادة
بتاريخ 9-11-2002م، حاصرت قوات الاحتلال الشهيد القائد إياد صوالحة وحاولت اعتقاله، وقام الجنود بالنداء عليه عبر مكبرات الصوت لتسليم نفسه، ولكنه رفض وأصر على مقاومتهم، وخاض اشتباكاً عنيفاً مع قوات الاحتلال التي حاصرته في البلدة القديمة بجنين، حتى لقي ربه شهيداً، وادعى العدو أن ثلاثة من جنوده أصيبوا بجروح خلال الاشتباك.
الرد المؤلم
لم يتأخر مجاهدو السرايا وتلاميذ الشهيد إياد صوالحة على الرد على جريمة العدو فقتلوا بتاريخ 9-11-2002م، ضابطاً صهيونياً، وأصابوا آخراً بجروح في عملية تفجير عبوة ناسفة قرب مستوطنة نتساريم جنوب قطاع غزة وكانت رداً أولياً على اغتيال الشهيد إياد صوالحة، كما استهدفت سرايا القدس بتاريخ 12-11-2002م، قافلة للجنود والمستوطنين بقذائف (RBG)، على طريق مستوطنة نتساريم وسط قطاع غزة.
ولم يطل الرد القاسي والمؤلم على جريمة استشهاد القائد صوالحة، ففي تاريخ 15-11-2002م، نفذ ثلاثة مجاهدين من سرايا القدس وهم أكرم الهنيني وذياب المحتسب وولاء سرور عملية زقاق الموت في الخليل والتي أسفرت عن مقتل 14 جندياً ومستوطناً صهيونياً بينهم قائد منطقة الخليل العسكرية العقيد «درور فاينبرغ» في معركة استمرت 5 ساعات، نقلاً عن الإعلام الحربي لسرايا القدس.