"نحن لسنا مع السبعة والستين، نحن مع فلسطين، كل فلسطين حتى لو سنبقى نشعلها شعلة، بالحجر سنرجمهم"، بهذه الكلمات شقّ الشهيد القائد بهاء أبو العطا دربه في المقاومة وأوضح رؤيته، فالذي بدأ مسيرته الجهادية في قطاع غزّة من خلال رشق آليات الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة، والكتابة على الجدران وإلصاق "البوسترات" الداعية لمقاومة المحتل والانتفاض عليه بكل الطرق والميادين، استشهد في مثل هذا اليوم قائداَ لأركان المقاومة والمنطقة الشمالية في سرايا القدس.
وعن تاريخه النضالي الطويل والحافل بالإنجازات الاستراتيجية يتحدّث القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الدكتور جميل عليان في مقابلة خاصة لموقع "الخنادق" بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد القائد بهاء أبو العطا.
مدرسة القائد النموذجي والاستراتيجية
شكل القائد أبو العطا مدرسة كبيرة ومزعجة للاحتلال والمدرسة الحقيقية التي كان يغشاها "العدو" حتى وصل الامر الى مثابة "الثأر الشخصي" لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو آنذاك تجاه القائد أبو العطا الذي أذلّه مرتين عندما كان في مهرجانات انتخابية في عسقلان وغيرها حين دوّت صافرات الإنذار واضطر "أمن" نتنياهو لسحبه نحو الملاجئ بفعل صواريخ هذا القائد.
ومدرسة بهاء أبو العطا يميزها العلاقة الواضحة مع كيان الاحتلال والوسيلة الاكيدة وهي علاقة ومعادلة القتال والمقاومة والقوة، وانه لا يمكن ان يوجد الفلسطيني و"الإسرائيلي" في ميدان او مكان واحد الا بهذه العلاقة، وهذا ما ركّز عليه القائد وجعله يسبح في كل فضاء فلسطين وحتى خارجها.
هذا النموذج وهذه المدرسة التي تنتشر اليوم بشكل واسع في قطاع غزة، حتى لو استشهد القائد هناك المئات بل الالاف من أبناء الجهاد الإسلامي ممن تخرجوا من مدرسة هذا القائد والتي تعني أيضاً الوعي بهذا "العدو" ومشروعه.
الابعاد والرؤى الاستراتيجية للقائد
ويقول القيادي د. عليان "شخصياً كنت القاه مرهق أحياناً، يوصل الليل في النهار، ولم ينم ربما ليومين أو ثلاث، كان يسارع الوقت ويسارع المرحلة في البناء العسكري وقدرات الصواريخ ودقتها". فكان همّه الأكبر العمل على توفير كل أدوات القوة وسط حصار قطاع غزة وإنتاج وابداع أشكال تقنية وعسكرية للقتال وخاصة لناحية التطوير الصاروخي بإشرافه على وحدة التصنيع في سرايا القدس.، وكان يؤمن ان كل قدرات الشعب الفلسطيني يجب ان تتكامل في مواجهة الاحتلال، وان كل طلقة تخرج يجب ان تصيب رأس هذا الاحتلال، وحرص بشدّة على مقدرات المقاومة.
واستطاع القائد أبو العطا ان يؤسس في سرايا القدس منظومة عسكرية كما عمل على تطوير الكادر البشري فشكّل النُخب التي تقوم بالعلميات الخاصة والكثير من انجازاته قد تكشف عنها السرايا لاحقاً، لكنه استطاع خلال مسيرته الجهادية الطويلة ان يثمر في السرايا والحركة نتائج حقيقية أرعبت الاحتلال الذي يذكر "التاسعة"، فقد تعوّد الاحتلال ان تطاله صواريخ القائد بهاء أبو العطا في كل ليلة عند الساعة التاسعة مساء رداً على انتهاكات الاحتلال وهجماته على الفلسطينيين خلال فعاليات "مسيرات العودة وفك الحصار" عند حدود القطاع، وان يدفع الاحتلال ثمن الجرحى والاصابات في صفوف المدنيين فكان لهم "الدرع والسياج الحامي"، وهذا يؤكد على الحس الوطني الذي تمتع به هذا القائد.
والاحتلال كان يعترف بالحجم الكبير للقائد أبو العطا وخطورته الشديدة، بحيث ان اسمه كان "رعباً" خاصة لمستوطنات غلاف غزّة، الاحتلال عرف تماما من هو "بهاء" الذي سمّاه "القنبلة الموقوتة" ووضعه على رأس الاغتيال وبين الثلاث "الإرهابيين الأخطر الذي يجب التخلّص منهم" وكانوا: القائد بهاء أبو العطاء، وقادة قوة القدس قاسم سليماني والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
الدور في العدوان عام 2014
وعندما خاضت سرايا القدس معركة "البنيان المرصوص" للتصدي لعدوان الاحتلال على غزّة عام 2014، كان للقائد أبو العطا "الفعل المبدع"، حيث ان المقاومة، بإشراف القائد، طالت كل "العمق الاسرائيلي"، وكل أراضي فلسطين المحتّلة، وهذا كان نِتاج العمل العسكري النوعي الذي شكله بهاء أبو العطا واخوانه في سرايا القدس.
وحينها كان أبو العطا مسؤول المنطقة الشمالية في قطاع غزة والتي يقع عليها العبء الأكبر او الجزء الأكبر من المسؤولية في المواجهات، لأنها تواجه مناطق "عسقلان" واسدروت" وكان لها أهمية استراتيجية وتعتبر "رأس الحربة" في أي معركة وكان القائد يدير العمليات العديدة ويوجه الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى.
وكان الأهم خلال تلك المعركة الانجاز الكبير الذي يُحتسب للقائد أبو العطا والسرايا حيث أجبروا الاحتلال على التراجع كيلومترات إضافية، أكثر من 7 الى 10 كيلومترات عن حدود قطاع غزّة في حين كان يعتقد الاحتلال بشن حرب برية على القطاع، وهذا كان بفعل التخطيط المتقن والاشراف الميداني للقائد أبو العطا في المعركة.
الدور الإقليمي الفاعل
القائد بهاء أبو العطا كان اسما حلّق أبعد من سماء فلسطين، اسمه كان يتردد حتى بعد استشهاده في الزيارات الفلسطينية الى لبنان والى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو مكوّن أصيل من محور المقاومة ومرتكز أساسي من خلال طبيعة علاقته وعمله وتواصله مع المحور ومن خلال ثقة المحور في هذا القائد وسرايا القدس وحركة الجهاد الإسلامي وكذلك باعترافات الاحتلال، و"إذا أردنا ان نحدّد محور المقاومة في ثلاثة أشخاص: نتحدث عن الشهيد الحاج قاسم سليماني في إيران، والشهيد القائد عماد مغنية في لبنان، فإننا نقول القائد بهاء أبو العطا في فلسطين"، كان قائداً بهذا المستوى.
أما من الناحية المفاوضات بالوساطة بين حركة الجهاد الإسلامي وكيان الاحتلال، فعندما كان يحضر الوفد المفاوض المصري الى قطاع غزّة، كانت تصرّ المخابرات المصرية على اللقاء مع القائد ابو العطا، ولربما كان شعوراً لدى المصريين ان هذا القائد هو "الرقم صعب" ولا يمكن لاحد ان يلتف حوله او يحاصر قدراته، وكذلك يعترف الاعلام العبري ان المفاوض المصري إذا أراد ان يتوصّل الى "اتفاق" بشأن "نوع من التهدئة" بين الحركة والكيان كان لا بُدّ له من ان يفاوض القائد أبو العطا.
صيحة الفجر: الرد على اغتيال القائد
وبعد اغتيال وحدات جيش الاحتلال للقائد أبو العطا بصواريخ جوية استهدفت منزله في حي الشجاعية في غزة، بادرت سرايا القدس الى جولة عسكرية تصعيدية أطلقت عليها اسم "صيحة الفجر" كَردّ سريع على الاغتيال، حملت الرشقات الصاروخية من نوع "براق 120" التي أصابت مستوطنات ومواقع عسكرية عديدة منها في القدس المحتلة والخضيرة و"تل أبيب" وعسقلان و"نتيفوت" رسائل استراتيجية مفادها ان اغتيال القائد لا يحبط من عزيمة السرايا أو حركة الجهاد الإسلامي، وأنها قادرة على المبادرة في الهجوم وإدارة المعركة