إيران لم تكن يوما ضد التفاوض مع أمريكا، لكنها كانت دوما ضد التفاوض المُذل الذي ترافقه التهديدات والبوارح والاساطيل وحاملات الطائرات، لأن إيران ومن واقع قراءتها لواقع التفاوض الأمريكي تعلم بأنها في حال قبلت بهذا النوع من التفاوض المصحوب بالتهديد والتسخين الأمريكي فإنه من الممكن مستقبلا أن يفاوضهم الأمريكان على عِمَمِهم وعلى مناطق النفوذ وليس فقط على فلسطين وحزب الله والنووي والصواريخ البالستية، وفي مثل هكذا ظروف يصبح التفاوض لفرض الشروط وليس لأجل التفاوض لإعادة الحقوق، وهذا ما يسمى في السياسة "التفاوض باستخدام العصا الغليظة".
المنطقة كلها هي على حافة الهاوية وإن أقل خطأ ممكن ينجم عنه حرب، والأمريكان لو أرادوا الحرب ووجدوا في مصلحتهم خوض تلك الحرب فإنهم سيصطنعوا هذا الخطأ، لكن الحرب وعدم الحرب بالتقديرات تكون عادة محكومة بالعمل الاستخباراتي حول إمكانية إيران من امتصاص الضربة الأولى ثم تقوم بتوجيه ضربة ربما تكون قاضية بالنسبة ل" إسرائيل" بالتزامن مع ضربة من حزب الله الذي مؤكد أنه لن يشاهد إيران تُقصف ثم يصمت، كذلك الحشد الشعبي في العراق، حيث ستكون القواعد الأمريكية في الخليج جميعها في مرمى النيران، إذن السؤال الذهبي هنا يكمن في: هل إيران تمتلك الارادة لاستخدام كل أنواع الاسلحة لرد ضربة قوية أم لا؟ ولو أن الامريكان و"الاسرائيليين" تيقنوا أنها لا تمتلك تلك الارادة في الرد بقوة وعنف فإنهم سيضربونها في الصباح دون تردد، لكن لو تيقنوا أن "إسرائيل" ستكون في دائرة الخطر ثم سينزل عليها 300.000 صاروخ في يومين وحزب الله سيرمي ترسانته الصاروخية عليهم، فإنهم قطعا لن يضربوا إيران.
المشهد الآن كما تقول إيران هو الصمود وعدم التفاوض على أحقية إيران بمشروعها النووي ولا على ترسانة الصواريخ البالستية ويبدو أن ايران متجهة لامتلاك قنبلة نووية هذا في حال أنها لم تمتلكها مسبقا، وهذا التخوف الأكبر الذي يمثل كابوس مرعب ل "إسرائيل".
بالتحليل: هناك ثلاث نقاط قوة تمتلكها أمريكا، النفط والارصدة النقدية و"إسرائيل"، تلك هي مصالح أمريكا الحيوية بالمنطقة التي تُحافظ عليها، وبحساب المصلحة لو حدثت الحرب على إيران الآن هل النفط والمصافي النفطية ستكون في مأمن؟ "إسرائيل" هل ستكون في مأمن؟ قطعا لا، وهل الضربة النووية لإيران ستشل إيران تماما ولا تستطيع الرد؟ هل ستعلن إيران الاستسلام كما صار مع اليابان؟ أم ستمتص الضربة الاولى؟ هنا ياتي دور الحسابات والعمل الاستخباراتي المهم، ولو أن حساباتهم أخطأت وضربت إيران مفاعل ديمونا وحيفا وتل الربيع والقواعد الأمريكية بالخليج ثم صارت توابيت جنود الأمريكان تعود إلى عوائلهم بالآلاف كما حدث مع الفيتناميين، ماذا حينها ستستفيد أمريكا من الحرب، وبهذه الحالة تجد أمريكا نفسها أنها لم تحمي "إسرائيل" ولم تحمي كذلك دول الخليج.
إن قرار الحرب وعدم الحرب معقّد وتحكمه سلسلة من الحسابات الدقيقة، وأمريكا لازالت تفضل استخدام سياسة العصا الغليظة بدلا من الحرب مع ملاحظة أن هذه السياسة أيضا بدأت بالتآكل، وفي النهاية يبقى قرار الحرب ليس بيد أي محلل سياسي ولكن القرار موجود على أحد طاولات البنتاغون.