غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

بالفيديو "الحناجر الذهبية": أسرة تجوّد القرآن من كبيرها إلى صغيرها

عائلة قرآنية.jpg
شمس نيوز - وكالات

في مهابة، جلس مرتدياً جلبابه الواسع، واضعاً فوق رأسه طاقيّته البيضاء، وحول عنقه وشاحاً بسيطاً. وبينما يقف إبنه الصغير أمامه، ويمسك إبنه الكبير بهاتفه المحمول ليصوّرهم، كان إبنه الأوسط ينظر من خلفه إلى الكاميرا.

بدأ يقرأ القرآن. خرج صوته عذباً شجّياً، "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب صنع الله" (الآية 88، سورة النمل). سرق صوته الألباب، وحبس أنفاس المستمعين، وأوقفه شامخاً بين عباقرة التلاوة المصرية العظام.

لم يكد ينتهي مقطع الفيديو مكتفياً بصوت الشيخ، حتى ردّد الإبن الصغير الآية الكريمة نفسها، وبصوت كأنه شعاع نور هرب من قلب والده، رقيقاً وجميلاً، أوشك أن يحلّق بهم، لولا أن جاءهم صوت الإبن الأوسط من الخلف، هادئاً وقوراً، مستنداً على كتف الأب، فأمسك بتلابيبهم وأعادهم إلى مجلسهم. وقبل أن ينتهي الإبن الكبير من تصويرهم، ردّد نفس الآية، بصوت أقرب إلى صوت الوالد، العارف بأحكام التلاوة.

إنه الشيخ محمد السيد عبد الرحمن، صاحب مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الإجتماعي، والذي يظهر فيها يقرأ القرآن بصحبة أبنائه، فحصدوا آلاف المشاهدات والتعليقات، وتناقلها المستمعون حول العالم العربي، وأطلقوا عليهم "أسرة الحناجر الذهبية".

ولِدَ محمّد السيّد عبد الرحمن الشيخ، في 7 كانون الأول/ديسمبر عام 1965، في قرية الصالحية القديمة مركز فاقوس في محافظة الشرقية، وبدأ حفظ القرآن في "كتّاب" قريته، حين كان عمره 5 سنوات. أتمّ الحفظ والتلاوة والتجويد على يدّ الشيخ أحمد محمّد عامر، وكان حينها قد بلغ 12 من عمره. أكمل تعليمه ونال شهادة الدبلوم التجاري عام 1984- 1985، وعمل بعدها مقيم شعائر في وزارة الأوقاف المصرية.

يبدأون النطق... بالقرآن

بعد زواج الشيخ محمد أنجب إبنه الكبير وليد عام 1993، فقطع وعداً على نفسه، أن يورثه حمل القرآن ومحبّته. ولتحقيق ذلك اتّبع الشيخ أسلوباً تعليمياً يبدأ مع نطق الطفل لأول كلمة، حيث يبدأ الحفظ لديه بالتلقين، أي قبل تعلّم الطفل للقراءة والكتابة. ويقول في حديث مع الميادين الثقافية: "بدأت مع إبني وليد وهو عنده 4 سنوات، لحد ما ختم القرآن في سن 9 سنوات".

سلك الشيخ محمّد هذا المنهج التعلّمي مع جميع أبنائه، إبتداء من وليد وحتى ولده الخامس يوسف وهو أصغر أبنائه. وقد بدأ معه من قِصار السور، لأنها تناسب طفلاً في سنّه. فقرأ من سورة "الناس" حتى وصل إلى سورة "البقرة"، لذلك كان سريع الإستجابة: "عندما دخل المعهد الأزهري، كان رفاقه يحفظون مقرَّر القرآن للسنة الأولى، بينما هو كان قد أتمّ حفظ مقرَّر السنة الخامسة".

ألحق الشيخ محمّد جميع أبنائه بالأزهر الشريف، حتى الفتيات منهم، فحرصه على أن يحفظ بناته القرآن الكريم، لم يكن أقلّ من حرصه على تعليم الذكور، فهو يؤكِّد لــ "الميادين الثقافية"، أن ابنته "الزهراء" التي تدرس في كلية الدراسات الإسلامية، أتمّت أيضاً حفظ القرآن كاملاً منذ سنوات.

"أصوات المصريين تصدح في الحَرَم"

يرى بعضهم في صوت الشيخ محمّد وأبنائه، تأكيداً دامغاً على سيادة مدرسة التلاوة المصرية وريادتها، وردّاً على من يدّعون انحصارها في ظلّ تسيّد قرَّاء الخليج مؤخّراً. ويعتبر الشيخ محمّد، أن "المدرسة المصرية لا تحتاج إلى مَن يساندها، فأصوات الشيخ مصطفى إسماعيل ومحمود خليل الحصري ومحمود علي البنا، والشيخ أحمد نعينع، والشيخ طه النعماني، والشيخ محمود الشحّات وغيرهم الكثير من أصوات العظام خير جواب".

وأضاف: "بالنسبة إلى الأصوات والتجويد؛ فإن أهم القرّاء هم مشايخ من مصر. حتى في السعودية، فدائماً وأبداً تصدح أصوات القرّاء المصريين داخل الحرم".

أما عمّن يدين لهم بالفضل في تعلّمه التلاوة، وأقرب الأصوات إلى قلبه، فيقول الشيخ محمّد إن مدرسة التلاوة المصرية ملأة بأصوات المشايخ العظام، لكنه يدين بالفضل إلى معلّمه وأستاذه الشيخ أحمد محمّد عامر، الذي أتمّ على يديه حفظ القرآن الكريم.

وتوفّي عامر في 20 شباط/فبراير عام 2016، عن عُمر ناهز 88 عاماً، بعدما شغل منصب نقيب القرّاء في محافظة الشرقية. وهو يعدّ أحد الأعلام البارزين، وقد سافر أغلب دول العالم الإسلامي، وحصل خلال رحلاته الخارجية على العديد من شهادات التقدير، كما منحه الملك علي شاه ملك ماليزيا وسام التقدير عام 1970.

ويؤكّد الشيخ محمّد أنه يحبّ من القرّاء الحاليين، سماع صوت الشيخ حجّاج الهنداوي، كما تربطه صداقة بالشيخ عبدالله محمّد عزب، وذلك لأن صوته يحتلّ مكانة خاصة في قلبه، وأيضاً لتقارب أعمارهما – حسب قوله.

يتمتم الآيات أثناء نومه

عن بداية المقاطع المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يقرأ فيها القرآن بصحبة أبنائه، يقول الشيخ محمّد إنها في الأساس فكرة إبنه وليد، فهو من اقترح أن يصوّرهم بهاتفه لينشرها على "فيسبوك".

ويؤكد أن حماس أخوته، هو ما جعله يوافق على الفكرة، لا سيما وأن الأمر بسيط، ويقتصر على التصوير بالهاتف المحمول، كما أنه في الأخير يحب أن يُسمِع الناس القرآن بصوته، ابتغاء الأجر والثواب من الله. وإن كان يرى أن تلك الفكرة تأخّرت كثيراً، فقد كان عليه أن يبدأ في نشر قراءاته مبكراً، لكن عذره أنه لا يُجيد التعامل مع الإنترنت مثل أبنائه.

حصد الإبن الأصغر يوسف النصيب الأكبر من إعجاب المستمعين على وسائل التواصل، ورأوا فيه مستقبلاً واعداً ومقرئاً صاحب صوت ملائكي.

لم يتوقّع الشيخ محمّد أن يحقّق الفيديوهات كل هذا التفاعل، فقد كان فرحاً بتعليقات الناس على أصوات أبنائه، كما أنه لم يسع يوماً إلى التكسّب من وراء قراءتهم للقرآن، فكل غايته أن يحفظوه "لا أكثر ولا أقل". لكن ذلك المردود، جعلهم يكرّرون التجربة في أكثر من فيديو.

حصد الإبن الأصغر يوسف، الطالب من المرحلة الإبتدائية، النصيب الأكبر من إعجاب المستمعين، والذين رأوا فيه مستقبلاً واعداً، ومقرئاً صاحب صوت ملائكي. كذلك يؤكّد والده أنه صاحب الصوت الأقرب إلى قلبه. "فهو دائم السماع للمشايخ الكبار، وكذلك صاحب رأي في ما يسمع، فهو يميِّز بين المشايخ الكبار، فيحب صوت أحدهم، ويفضّل دخلات الآخر، ومخارجه وتجويده"، بحسب الوالد.

ويرى الشيخ محمّد أن محبّة أبنائه للقرآن وحفظهم له، هو رزقه في الدنيا، فهو لم يواجه أية صعوبة في تربيتهم، كما أنهم أكثر حرصاً منه على الحفظ، وكلما كبر أحدهم ساعده في تحفيظ أخوته.

لم يسع الشيخ محمّد إلى جمع الأموال، بل يحمد الله دائماً على نعمة الذرية ويدعوه أن يحفظهم له من الحسد، وينفعهم بكتابه، كما يذكر أن تعلّق أبنائه بالقرآن جعل أصغرهم يقرأه في نومه: "كنت أطمئن على يوسف فلما اقتربت منه وجدته يتمتم قرآناً وهو نائم. أقسم بالله جلست وقتها أبكي لله شكراً".