في مشهد يشبه إلى حد ما موسم الهجرة لدى الطيور، وعلى شكل مشابه وجميل تبدأ سيارات قطاع غزة بأنواعها المختلفة بالتسارع في هجرتها الاعتيادية على شكل أسراب، محاولة الوصول مبكرا إلى تلك البقعة الصغيرة في الجزء الجنوبي من مدينة غزة، بالتحديد على طريق صلاح الدين الممتد من أقصى شمال قطاع غزة إلى جنوبه في رفح، حيث يقع سوق السيارات، محاولة ايجاد مكاناً لها في وسط هذا السوق، والذي ينعقد يومي السبت والثلاثاء من كل أسبوع.
هناك تنشط حركة البيع والشراء لسيارات القطاع، وبمجرد توافد الباعة والمشترين وأصحاب المهن الاخرى يعني ذلك إيذاناً ببدء مراسم هذا السوق، فهناك أيضاً يتسابق الكثير من أصحاب البسطات الصغيرة ليفترشوا الأرض لعرض ما استطاعوا حمله من البضائع والحاجيات ذات العلاقة بعالم السيارات ابتداء من قطع السيارات وليس انتهاء بلوازمها واكسسوراتها إلى جانب الباعة المتجولين للمشروبات والمأكولات الخفيفة وبائعي الملابس.
ويقول الحاج عطا المصري 59 عاما ميكانيكي سابقا ويتواجد بشكل دائم في سوق السيارات :" أعرف سوق السيارات منذ ان دخلت مهنتي من حوالي 35 عاما مبينا انه لمرات عديدة تنقل وتغير مكان السوق ومنذ 15 عاما اصبح السوق يقتصر على يومي السبت والخميس من كل اسبوع.
وأردف: "أن الاقبال على الشراء من سوق السيارات شهد فترات ذهبية في السابق عكس حاله الان حيث ان غالبية من يرتادون السوق يأتون لتبديل سياراتهم بسيارات اخرى بدلا من الشراء من هذا السوق.
في الجانب الغربي من السوق كان تاجر السيارات خالد قنديل (أبو حمودة ) يفتح أبواب السيارة ويفحص ماتور سيارة (الكبود) تارة وتارة اخرى ينبطح تحت السيارة ليشاهدها من الأسفل وبعد ان فرغ من مهمته قال في حديث خاص مع " حياة وسوق" :"افحص السيارة جيدا قبل شرائها لأتفقدها ان كانت مقصوصة او تعرضت لحادث سابق لا تمكن من وضع سعر مناسب لها لافتا إلى ان يعمل بهذه المهنة منذ 25 عاما ويتواجد هناك باستمرار لتقديم المعلومات والنصائح لمن يود البيع او الشراء.
ويتابع :" هامش الربح من شراء وبيع السيارات القديمة في هذا السوق ضئيل جدا لا يتجاوز الـ 50 دينارا عن كل سيارة، مشيرا إلى ان سوق السيارات هو المكان الأنسب لإيجاد ما يتم البحث عنه من السيارات المستعملة.
وفي حين يتواجد عطية أبو طبق في مدخل السوق والذي سرعان ما يقترب من أي أحد يدخل السوق في محاولة منه لاستقطاب الزبائن قائلا:" تراجع قطاع بيع وشراء السيارات بشكل ملفت بسبب الاوضاع الكارثية التي يمر بها قطاع غزة متمنيا ان ينتعش الوضع العام ليعود سوق السيارات الى سابق عصره من الانتعاش .
وتابع :" يمر سوق السيارات بحالة انتعاش ملفتة قبل الاعياد مؤكدا ان هذا السوق مهما تدهورت احواله الا أنه ما زال مقصد الكثير بعيدا عن المعارض محدودة الخيارات على حد قوله.
وهناك في سوق السيارات تجد الجميع يبحث عن فرصة لإيجاد عمل مؤقت يعتاش من وراءه ، فترى من يقف وسط السوق حاملا مكبر الصوت اليدوي وينادي بأعلى صوته " تجمعوا هنا سنبدأ في فتح المزاد ".
يقول عبد العزيز فياض ما يميز هذا السوق انه يوجد خاصية " الدلال" الذي ينادي بمكبر الصوت كما أنه في مزاد عني ويبدأ المشترون بزيادة السعر وهكذا حتى ترسى على أحدهم، لافتا إلى ان غالبية هذه السيارات ثمنها مناسب وذات موديلات قديمة.
ويشير إلى ان اسعار السيارات المعروضة للبيع ذات الموديلات القديمة تتراوح من مبلغ (500 الى 3000) دينار اردني على الأكثر في حين قد تجد سيارة من نوع فيات (127 موديل1974) وأخرى سوبارو موديل (1981) وسكودا موديل (2000) بأسعار لا تخطر على البال.
ويقول أبو فايز الدريملي من مدينة غزة "صاحب كراج لتصليح السيارات" :" في هذا السوق تجد العجب العجاب وكل ما لا يخطر ع البال فمثلا يمكنك ان تشتري سيارة "بدي" أي غير مسجلة ولا مرخصة لدي الجهات الرسمية ، ويمكنك أيضا ان تجد السيارات منتهية الترخيص من سنوات طويلة وعليه ديون ومستحقات للدولة ولكن من يا ترى يشتري هذه السيارات؟!
وتابع :" من يشتري هذه السيارات الناس الذين يسكنون في أطراف المدن البعيدة عن الدوائر الرسمية وزحمة المدينة، أو يشتريها شخص لديه أوراق سيارة مشابهة لها فيقوم بقص رقم الشاصي ووضعه على هذه السيارة مؤكدا ان عالم السيارات مليء بالأسرار والمغامرات.
ومع ذلك يبقى قطاع السيارات شأنه كشأن قطاعات اخرى تعرضت لضربات اقتصادية قاتلة عصفت بهم نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة من ناحية، والوضع الإقتصادي المنهار في القطاع من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من سيل السيارات الحديثة التي أغرقت الأسواق في قطاع غزة في السنوات القليلة الماضية إلا القوة الشرائية تأثرت بشكل كبير، فالحالة العامة لا تبشر بخير على الإطلاق، فكثيرا من الأسراب التي غزت السوق بأمل البيع أو الشراء، تعود إلى أعشاشها محملة بالخيبة والحسرة.