بقلم/ سليمان أبو ارشيد
لا فرق بين استكشاف رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، لمواقع "العدو" في رهط من أطلال مبنى الحكم العسكري المجاور، وبين اقتحام يتسحاق هرتسوغ للحرم الإبراهيمي في الخليل في ما يسمى عيد الأنوار اليهودي، فالاثنان تحرّكهما نوازع المستعمر التقليدي، الذي لا يمنحه احتلال المكان وفرض سيطرته العسكرية والقانونية عليه الشعور بتملكه فيواصل مطاردة السكان المرتبطين به (أهل البلاد) بأشكال الإبادة والتهجير ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ثم تقليص وجود وعزل وتهميش من تبقى منهم وفرض سيادة وسلطة المستعمر عليهم.
والمستعمر في هذه الحالة ليس من يقف على رأس السلطة السياسية أو أذرعها السياسية والعسكرية وشبه العسكرية فقط، بل هو كل فرد - وأيّ فرد - ينتمي للمجموعة الاستيطانية، فالمستوطن في الضفة الغربية يمتلك "الحق" بالاعتداء على الفلسطينيين وتقطيع زيتونهم وحرق مزروعاتهم والسطو على أرضهم والاستيطان فوقها دون إذن من أحد.
وهو لا يقوم بذلك نيابة عن دولة الاستعمار الاستيطاني فقط، كما عُنْوِنَ تقرير "بتسيلم" الأخير، بل هو يمارس "حقا مكتسبا" اكتسبه من كونه مستوطنًا لا يشذّ بأفعاله تلك عن التعريف التاريخي لهذا المصطلح، ولا عن أفعال المستوطنين في نماذج الاستعمار الاستيطاني التي عرفها العالم، ابتداء من أميركا وأستراليا وكندا وانتهاء بجنوب أفريقيا والجزائر وفلسطين.
وليس من قبيل الصدفة أن يطلق أعضاء "التنظيم الإرهابي لمستوطني اللد والرملة"، الذي كشف عنه تقرير "القناة 13 "، تسمية "الهنود الحمر" مجازًا على العرب، في إشارة واضحة إلى شرعنة إبادتهم، كما حدث في أميركا. وليس من قبيل الصدفة، أيضًا، أن تقوم الشرطة، عوضا عن اعتقال أعضاء الخلية الإرهابية وتقديمهم للمحاكمة، بإحباط محاولة الإيقاع بهم، وإخراجهم من الورطة كالشعرة من العجين.
إنّه تنسيق أدوار بين المؤسسة الكولونيالية والمستوطنين الأفراد، الذين يشكّلون رأس الحربة البشرية، هنا في مدن الساحل الفلسطيني في الداخل وهناك في قلب الخليل وجبالها وفي الأغوار وغيرها من مناطق "ج"، حيث يعتبر عُنف المستوطنين أداة رئيسية ضمن سياسة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة، ويحظى لهذا الغرض بحماية وتمويل المؤسسة الرسمية.
فالدولة هدمت في العام الفائت 797 بيتا للفلسطينيين في مناطق "ج"، وأعطت 24 ترخيص بناء فقط من بين 2550 تقدموا بطلبات ترخيص (أي أقلّ من 1%) في المناطق التي تشكّل 60% من الضفة الغربية، بينما سمحت ببناء 8365 وحدة سكنية في المستوطنات الواقعة في هذه المناطق، أي بـ384 ضعفا. في المقابل، موّلت المؤسسة بـ20 مليون شيكل شراء "محلقات" ودوريات أرضية لـ14 سلطة محلية في المستوطنات لمراقبة البناء "غير المرخص" لدى الفلسطينيين.
ولا يقتصر دور المستوطنين على المراقبة، بل أنهم يقومون، وبضوء أخضر من المؤسسة بشنّ هجمات عنيفة ضدّ الفلسطينيّين، بتواطؤ الجيش ومشاركة جنوده في كثير من الأحيان. ويورد تقرير "بتسيلم" كيف أنّ المؤسسة الإسرائيلية تسمح لهم بالمكوث داخل الأراضي الفلسطينية التي يتم السطو عليها بالعُنف إلى جانب تموّيل الحراسة المطلوبة لهُم وشقّ الشوارع والطرق ومد بشبكات المياه والكهرباء، ودعم المشاريع الاقتصاديّة التي يقيمها المستوطنون على هذه الأرض.
المنطق نفسه يجري استعماله في المدن التاريخية الفلسطينية التي تحوّل فيها العرب الفلسطينيون إلى أقليّة "يجب" التخلص منها، بل أنّهم المستوطنون ذاتهم الذين يقودون العدوان على الفلسطينيين في مناطق "ج"، بغية تهجيرهم منها، ليتسنى ضمها إلى إسرائيل وفق خطة بينيت، هم من يقودون بواسطة "البؤر التوراتية الاستيطانية" العدوان على أهلنا في اللد والرملة وسائر "المدن المختلطة" بهدف "تنظيفها" من العرب الفلسطينيين.
هذا المنطق نفسه، أيضًا، هو ما يلوح به بينيت تجاه أهلنا في النقب عندما يقول، "لقد انتقلنا من الدفاع إلى الهجوم"، خاصة وأنّنا نعرف ونسمع عن العديد من "المجموعات اليهودية" المسلحة وشبه المسلحة التي بدأت تتنظم تحت دعاوي الدفاع عن النفس والممتلكات في وجه "الإرهاب البدوي"، وهو منطق يريد أن يحوّل قضية "الإجرام" التي يعاني منها المجتمع العربي من قضية داخلية ضحيتها المجتمع العربي أساسا - وقد تطال تداعياتها جيرانه اليهود، كما يحدث في النقب أساسا - إلى قضيّة "إجرام عربي" أو "إرهاب بدوي" يستهدف اليهود، وذلك لتبرير شن حرب شاملة على المجتمع العربي في الجنوب، بشكل خاص، يجري تحت دخانها تصفية قضية الاستيلاء على الأراضي.
نحن نعرف العلاقة الأيديولوجية التي تجمع بينيت مع هذه المجموعات العاملة في الضفة وفي "المدن المختلطة" والتي تتبلور في النقب، أيضًا، فجميعها تتبع للتيار الديني الاستيطاني الذي كان يقوده بينيت كرئيس لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية وتنتمي للصهيونية الدينية التي ينتمي إليها هو، والتي ترى في الضفة والساحل والنقب أرضا واحدة، ويجب أن تبقى كذلك، يعتبرونها "أرض إسرائيل".