عمد الكيان الإسرائيلي على تسويق جيشه في الاعلام انه "الجيش الذي لا يقهر" ومنها حاول الكيان كسب "هيبته" في المنطقة، لكنه وفي كل جولة عسكرية ضد المقاومة سواء في فلسطين المحتلّة او في لبنان، كانت تتكشّف اخفاقاته في الميدان وحجم خسائره البشرية والمادية، بالإضافة الى مكامن الضعف في صفوفه وذلك بحسب أوساط مسؤوليه العسكريين ومحلليه. ومن أهم الحروب التي شكّلت اختراقاً لجيش الاحتلال واستراتيجياته كانت حرب تموز على لبنان عام 2006، والمعركتين الأخيرتين اللتين خاضتهما الفصائل الفلسطينية عام 2014 و"سيف القدس" في أيار 2021، حيّث يبدو ان جيش الاحتلال بعدها بدأ بالانتقال الى السياسة الدفاعية بعد ان كان "يتفاخر" بأنه الجيش الذي يمارس السياسة الهجومية، بحسب عقيدته العسكرية.
وتبرز اليوم السياسة الدفاعية لجيش الاحتلال في الجدار الفاصل الجديد، الذي "يتحصّن" خلفه، والذي استكمل منذ يومين على طول الحدود مع قطاع غزّة حيث كان الاحتلال قد بدأ ببناء الجدار منذ عام 2016، بتكلفة 3.5 مليار شيكل (1.1 مليار دولار).
ما طبيعة هذا الجدار الجديد؟
بحسب الأوساط العسكرية للاحتلال فان هذا "الحاجز" يتضمّن خمسة عناصر يكمّل بعضُها بعضاً:
_ حاجز تحت الأرض بأجهزة استشعار لـ "سماع أصوات الحفر".
_ فوق الأرض، سياج "ذكي" يزيد ارتفاعه عن ستّة أمتار وبطول 65 كيلومتراً.
_ حاجز بحري يشمل وسائل لـ "كشف التسلّل في البحر".
_ ونظام سلاح يتمّ التحكّم فيه عن بعد.
_ ومجموعة من الرادارات والكاميرات، وغرف القيادة والتحكّم.
واستخدم الكيان للبناء حوالي 220 ألف شاحنة خرسانة، و140 ألف طنّ من الحديد والصلب.
ويشكّل حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على غزّة، ويجعل الفلسطينيين محاصرين فيما تعتبره الأوساط الفلسطينية "سجناّ كبيراً"، ومزيداً من الاضطهاد بحق أهالي القطاع البالغ عددهم بأقل تقدير مليوني نسمة.
الجدار: وهم قابل للاختراق
أمام إنجازات المقاومة وتعاظم قدراتها وتطّور إمكاناتها العسكرية واكتسابها خبرات ميدانية كما تكيّفها مع كافة تشديدات وإجراءات الاحتلال يصبح هذا الجدار قابلاً للاختراق. وتثبت العمليات الأخيرة ذلك بشكل فعلي:
أولاً، في عملية "نفق الحرية" وتحرّر الاسرى الـ 6 والتي كانت مبادرة فردية من الاسرى الذين يعتبرون من القيادات في الفصائل ومن عقولها في التخطيط، استطاعوا اختراق المنظومة الأمنية لمصلحة سجون الاحتلال، وتخطي الرادارات وأجهزة الاستشعار المزروعة حول محيط سجن "جلبوع" بالإضافة الى تجاوز حرس السجن من جنود.
ثانياً، تمكّنت الأجنحة العسكرية للفصائل من تجاوز القبّة الحديدية للاحتلال والتكيّف معها باعتماد الرشقات الصاروخية، حيث وصلت الصواريخ الى العمق الكيان الإسرائيلي، وأصابت "تل ابيب" ومنشآت حيوية عديدة ومنها منشآت الغاز، كما أخرجت المطارات والموانئ عن الخدمة بشكل تام، فيما يدّعي الاحتلال انها قادرة على "صدّ 90% من الصواريخ".
ثالثاً، ان السياج الفاصل وانتشار الجنود عند حدود القطاع لم يمنع البالونات الحارقة من أن تطال مستوطنات غلاف غزّة سواء أيام مسيرات العودة أو في شهر أيلول الماضي أثناء مسيرات فك الحصار، بالإضافة الى مقتل القنّاص الاسرائيلي بالرصاص الفلسطيني عند تلك الحدود رغم كل التحصينات، وتعالت آنذاك أصوات من الانتقادات الاسرائيلية المطالبة بـ "إيجاد حلّ".
ثالثاً، تجربة الجدار الفاصل تؤكد اخفاقها في جانب الحدود مع لبنان، حيث يدرك الاحتلال انه لم يمنع ما يصفه "بالتهديد القادم من الجبهة الشمالية"، كما وتشير الأوساط العسكرية في حزب الله ان هذا الجدار لا يشكّل عائقاً أمام المقاومة في أي حرب مقبلة، اذ "لا يحتاج الا لكميات محدّدة من المتفجرات موزّعة بطريقة مناسبة وصحيحة، وذلك كافٍ لتدميره".
ومن جانب آخر فان الفصائل الفلسطينية استطاعت في المعركة الأخيرة "سيف القدس" الانتصار دون استخدام الأنفاق، والاحتلال يدفع اليوم ثمن هذه الهزيمة التي مُني بها بحيث لا يملك أوراق القوة الرابحة في المفاوضات التي تجري بوساطة الجانب المصري بين الكيان وحركة حماس التي تسعى لفرض شروطها وعدم التنازل في ملفات صفقة الاسرى، وإعادة الإعمار وتخفيف الحصار المستمر على القطاع منذ أكثر من 16 عاماً.
وتقول مصادر من فصائل المقاومة الفلسطينية "إن المقاومة تجهز مفاجأة مدوية للاحتلال الإسرائيلي، بخصوص الجدار المتعدّد الطبقات على حدود قطاع غزة"، وتضيف "مهندسي المقاومة تمكّنوا من إيجاد حلول عملية، من شأنها جعل السياج غير ذي جدوى خلال المعارك العسكرية".
الانتقادات الإسرائيلية للجدار
الاعتراف بعدم جدوى هذا الجدار برز أيضاً في الجانب الإسرائيلي نفسه، حيث وجّه الاعلام العبري الانتقادات لـ "احتفالات" المسؤولين الإسرائيليين من بناء الجدار الفاصل على حدود غزّة، ويشير الى انه " لا اعتراض على الاحتفال بهذا الإنجاز التكنولوجي، لكن منذ متى كان مفهوم النصر هو الدفاع بالأسوار والتحصينات بدلا من عبورها لضرب العدو؟".
وعن التراجع في العقيدة العسكرية يضيف الإعلام العبري "ما هو واضح حقيقة أنه في عام 2021 يجلس المسؤولون عن أمن الدولة اليهودية وينتظرون متى سيضربهم العدو، بدلاً من إجبار العدو على الارتعاش خوفًا من احتمال قيامنا بضربهم أولاً".
واستهزأ الاعلام العبري بقيادة الجيش قائلاً: "المفارقة الكبرى في هذه الرواية أنه بالتوازي مع مراسم الاحتفال عند حدود غزة، جلس قادة حمـاس في مكاتبهم بارتياح، واحتسوا بعض الشاي الساخن واستمروا في التخطيط لطرق جديدة لإلحاق الأذى بدولة اسرائيل ومواطنيها، ويستمرون في تسليح وتجهيز أنفسهم دون عوائق تقريبًا، يحتكرون قرار متى وكيف سنبدأ العملية القادمة.