عقدان انقضيا على التمام منذ تنسّمت مسامعي ألحان نبضك هاتفاً من جبل النار، حيث كنت تشتعل في شهور فعلك الأخيرة، عقدان متصلان بكل ثواني عمرك المديد، وأنت تشهر كفك المثخنة بالوجع وهي تلاطم مخرز المحتل، وخلفها مخارز تدمي قلبك الطريّ بحب شعبك وناسك.
هل تراها سنوات الوجع من عرابة وعمان وجنين حتى رصاصات الغدر التلمودي من مرابض القنص في جرزيم؛ هل تراها تختصر ابتسامتك المشرقة المنبعثة من خلف جدران السجون وأشباك المعتقلات في مجدو والنقب؟!.
أنور حمران؛ مسافة عشق لا تطويها عذابات عقود عمره، ولا عقديّ رحيله يوم حلّ بنا اليتم، وصدئت قلوبنا عن الفرح، وبكتك السماء مطراً بلل عيوننا الدامعة، ونحن نجر ذيول تشييع جثمانك الطاهر في نابلس نحو جنين عبر حواجز الموت المطرزة في كل شوارعنا، ومن جنين إلى عرابة حيث حاولت عبثاً أن امتلئ من بريق عينيك وهما تأبيان الخضوع لبرد جسدك المثلج من عليل نابلس.
هل هناك من يجرؤ على اقتحام ساعة من غضبك أبا صهيب؟! وكل عمرك غضب حسينيّ على خيبر في تجددها على أضلاع شعبك، كنت تغادر الوطن إلى الأردن للدراسة، فتمر بطريقك على الخليل بحثاً عن خاتمة فعل جهاديّ تودع به مرحلة في عناق الوجع الفلسطيني الممتد عبر الجسور والأنهار وهدير البحار.
هناك شرق النهر كنت أخي أنور أول من يجرؤ على الاستجابة لنداء الشقاقي في بناء خلايا الساحة الأردنية المغيبة عن أدنى فعل منذ سواد أيلول وخيبتنا هناك حتى لفظتنا مؤامرات الأهل والأعداء، تجاوزت بفعلك كل ذلك حتى أدرك التنسيق العابر للنهر مدى خطر مسعاك، فقدموك هدية من أعراب الشرق لتتلقفك أسنة المحتل في رحلة تعذيب وتحقيق وأسر جديدة من عمرك، ولكن عبثاً يحاولون، فقد انطلقت زغاريد الفرح من نبضات قلبك وانطلق المشروع الثوري عبر الساحات في باكورة فعل منظم كنت فيه من الأولين السابقين.
فسلام عليك أبا صهيب يوم ولدت من رحم الوعي نحو الثورة حتى الشهادة، في تحفيز نفوسنا المتكلسة عن الواجب، لتطلق بركات دمك الزكي رايات السرايا هديراً من جسديّ سليمان ويوسف وقصة العشق في "بنيامين"، فإذا بهذا المكتب الإعلامي الصغير الذي دككت أنت مساميره بأنفاس إياد الحردان في جنين، يشتعل في شهور انتفاضة الأقصى القصيرة ليصنع ملحمة تتلوها ملحمة، حتى أم الملاحم في أزقة المخيم وراغب يحلق فوقها كالنسر يحمي ثغراتها، في تدفق ملحمي لن يوقفه رحيل الخالدين من أمثالك، كالصوالحة والطوالبة والطحاينة والعموري، وكل السائرين على هديك في تقديم الواجب على الإمكان.