على شرفةِ منزلها؛ الذي تضررَ بشكلٍ بليغ، في الدمار الذي حلَّ بمخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوبي العاصمة السورية دمشق، تجلسُ المُسنة خضرة موعد (88 عاماً) كي تأنس بمن يمرُ بالشارع، طيلة ساعات النهار، ممن عادوا مؤخراً لتأهيل بيوتهم الصالحة للسكن، بعد 9 سنوات على النزوح، الذي شهده "عاصمة الشتات".
وولدت موعد بصفورية، قضاء الناصرة، بلواء الجليل، شمال فلسطين المحتلة، عام 1933، لتعيش مِحنةَ الهجرة، وهي لم تتجاوز 15 عاماً، رغم أنها كانت متزوجة في ذلك العمر.
لم تكن محطةُ اللجوء الأولى للمُسنة (أم صبحي) في اليرموك، فالمخيم أنشئ بعد 9 سنوات على نكبة 1948، وتحديداً في العام 1957، حيث قامت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الداخلية السورية بتأمين الأرض، ووزعتها على اللاجئين.
وترجع جذور غالبية سكان المخيم إلى منطقة الجليل، منطقة بحيرة طبرية، سهل الحولة، حيفا، عكا، الناصرة، صفد، اللد، الرملة، الخليل والقدس المحتلة. وقد أطلق السكان على عدد من أحياء وحارات المخيم أسماء مناطقَ فلسطينية.
وفي عام 1964 شُكِّلت بلدية لإدارة شؤون المخيم، وتقديم الخدمات الضرورية للاجئين بتنسيق مع "الأونروا"، والهيئات الرسمية السورية المعنية، حيث ضمّ المخيم بين جنباته، 28 مدرسة، و3 مستشفيات، و4 مراكز طبية تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بالإضافة إلى عيادات طبية ومستوصفات خاصة.
ورفضت المُسنة موعد، خلال الأزمة التي عصفت بالمخيم، أن تُغادر بيتها، ولو كلَّفها ذلك حياتها.
تقول أم صبحي موعد، لعضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشيخ نافذ عزام -خلال زيارة تفقدية لها في منزلها- :"قررتُ أن استشهد في بيتي، ولا أذوق مرارةَ التشريد والنكبة مرةً أخرى".
وأضافت "رزقني الله 4 أولاد، و3 بنات، كلهم حاولوا أن يُخرجوني خوفاً على حياتي، لكنني رفضت، وعشت لحظاتٍ صعبة وعصيبة للغاية، لكن لطف الله كان معنا".
واتهمت موعد، "إسرائيل" وأمريكا بالتخطيط لما حلَّ بالمخيم، الذي كان نبضَ أملٍ نعيش في ظلاله نرتقبُ العودة بفارغ الصبر، مبيِّنةً أن الزج به في هذه الأزمة، لم ولن يصرف الأجيال عن مواصلة دربهم الذي شقَّه الأجداد والآباء، ففيه عِشنا همَّ القضية لحظةً بلحظة، وزاد حُبنا وتَعلقاً بفلسطين.
وتابعت: "صحيحٌ أننا نعاني كثيراً، لكنني أبكي كل يوم على فلسطين، وكنتُ حين أرى مشاهد القتل والدمار في العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وعام2021، أنسى ما حلَّ بنا، وأبكي على أهلنا هناك"، متوجهةً بالتحية للمقاومة، التي نقشت اسم الوطن في سماء المجد والحرية.
وحَمَّلت المُسنة موعد الشيخ عزام، تحيةً لكل مقاوم حر ضاغط على الزناد، ومحافظ على إرث الشهداء، ووفي لفلسطين، القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، في زمن التطبيع اللعين، الذي سمحت فيه بعض الأنظمة العربية باستباحة دماء إخوانهم، وتدنيس مُقدساتهم، و دوس كرامتهم.
بدوره، أكد الشيخ نافذ عزام، أن المقاومة ستَظلُ وفيةً لإرث الشهداء ولمسيرة الكرامة، ولن تحيد عن واجب الدفاع عن شعبنا وهدفه بالتحرير والعودة، مشدداً على كون ذلك "برنامج حياة بالنسبة لنا".
ولفت إلى أن مرارة ما يعيشه أهلنا سواءً في الداخل المحتل أو في مخيمات اللجوء والشتات، يدفعنا أن نواصل السعي بكل ثقة وعزيمة وتحدٍ لصناعة النصر، الذي وعدنا الله بتحقيقه.