قائمة الموقع

القائد/ مقلد حميد.. القابض على جمرتي الدين والوطن

2021-12-22T17:54:00+02:00
محمد حميد (أبو الحسن)

بقلم/ محمد حميد (أبو الحسن)

لم يكن الجهاد الإسلامي وسراياه المظفرة لتحقق حضورها النوعي واللافت بالتنظير والتأمل وحده، بل إن طريقها نحو الثبات عُمّد بدماء الشهداء، فرغم عظم فكرة الجهاد الإسلامي الصرخة الواضحة غير الملتبسة للجهاد في فلسطين ومقارعة العدو، لم تكن هذه الفكرة لتترسخ لولا الإيمان والعمل بها من ثلةٍ من المجاهدين، فكان لهم الفضل في ضرب المثال لجموع الشعب الفلسطيني على صدقهم وصدق الفكرة التي ينتمون إليها: فكرة الجهاد الإسلامي، ولعل الشهيد القائد/ مقلد حميد "أبو حمزة" أحد هؤلاء العظام الذي صدقوا الله في انتمائهم إلى الإسلام والجهاد في سبيل الله.

فالشهيد القائد / أبو حمزة أحد أبرز قادة سرايا القدس في قطاع غزة الذي كان أحد معالم مخيم جباليا مخيم الثورة والشهداء الشاهد على نضال الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى والذي يقدم يوماً بعد يوم الشهيد تلو الآخر، والذي لجأت إليه عائلة الشهيد/ أبو حمزة بعد نكبة عام 1948 والتي تعود جذورها إلى قرية برير الفلسطينية الواقعة في قضاء غزة، والتي ينسب إلى أهلها الفضل في تطوير كثيرٍ من العادات الاجتماعية لأهالي قطاع غزة الذين استحسنوا ما ذهب إليه أهل هذه القرية وتابعوهم عليه مثل عادات بيوت العزاء.

انتمى الشهيد القائد/ مقلد حميد إلى صفوف حركة الجهاد الإسلامي مبكراً ليشارك لاحقاً إخوانه الشبان في التصدي لقوات الاحتلال نهاية الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة)، وليشكل معهم مجموعات العمل المقاوم في تلك الفترة، حيث جمع بين هذا العمل والالتزام بالمساجد وحضور حلقات العلم الشرعي وتلاوة القرآن، فلم يثنه التزامه المثابر بهذه الجلسات عن الحضور الدائم في طليعة المقاومين والمجاهدين المتصدين لجيبات الاحتلال العسكرية المقتحمة للمخيم بين الفترة والأخرى، إضافةً إلى قيامه بتوزيع المنشورات الجهادية التحريضية التي تحث المواطنين للتصدي لقوات الاحتلال وإعلان التمرد عليه والعصيان المدني له، لتتسبب له هذه النشاطات سنواتٍ من الاعتقال لدى سجون الاحتلال، ليتحرر منها عام 1996م بعد أن كانت الزنزانة البوابة الكبيرة لصقل شخصيته التنظيمية والقيادية والثقافية، والفرصة المواتية للتعرف على قادة الحركة الأسيرة واكتساب العديد من الفوائد الأمنية والتنظيمية.

وقد كسر الشهيد/ أبو حمزة قيد الأسر في وقتٍ ضل فيه كثيرٌ من المناضلين طريقهم وألقوا سلاحهم باحثين عن ثواب الدنيا وزينتها التي حاولت الدول الاستعمارية أن ترسمها للشعب الفلسطيني من خلال اتفاقات أوسلو الكارثية والتي سرعان ما بانت سوءتها وكشفت ضلال المراهنين عليها، فلا كرامة في هذا العالم لمن لا سلاح له، ولا هامةً مرفوعةً لمن ينتظر من أعدائه المنح المجانية والعطايا والهبات التي لا أفق لها في قلب المشروع الاستعماري الصهيوني، ورغم شدة الفتنة والتضليل في ذلك الوقت إلا أن الشهيد القائد/ مقلد حميد اتخذ سبيل الرشد سبيلاً ولم يتخذ سبيل الغي سبيلاً، فشارك إخوانه العمل فور تحرره على إعادة تشكيل وترتيب الجهاز العسكري للحركة مستغلاً عمله في صحيفة الاستقلال العريقة ليرسخ فينا أن لا نيأس من التآمر وقلة ذات اليد وتكالب المتكالبين، ولكن نشاطاته لم ترق للسلطة الفلسطينية التائهة فأعادت اعتقاله في مناسبتين حيث مكث في جهاز المخابرات الفلسطينية في الأعوام 1996م و1997م.

ومع بداية الألفية الجديدة واندلاع انتفاضة الأقصى كان للشهيد القائد/ أبو حمزة دورٌ بارز في إعادة ترتيب الصفوف وتوحيد الجهود لبناء جهاز عسكريٍ جديدٍ بعد الضربات الأمنية المتلاحقة التي وجهت للجهاز العسكري السابق، حيث كانت سرايا القدس العنوان والمحطة، واليد الضاربة لحركة الجهاد الإسلامي التي سددت ضرباتٍ موجعة إلى صدر المحتل، فكانت أيقونة الركب المقاوم والمجاهد في فلسطين، فتولى الشهيد القائد/ أبو حمزة قيادتها مع إخوة آخرين، فاستطاعت أن تنفذ بنجاح عديد العمليات العسكرية داخل المغتصبات الصهيونية على أرض قطاع غزة، والتي تنوعت ما بين اقتحام هذه المغتصبات والاشتباك مع قوات الاحتلال على الحواجز العسكرية، ورصد تحركات قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين، والتصدي للاجتياحات الصهيونية الجبانة، ومعاصرة إطلاق أولى الصواريخ على هذه المغتصبات.

ونتيجةً لهذا الجهد العسكري المهيب للشهيد القائد/ مقلد حميد، قررت قيادة جيش الاحتلال اغتياله، فحاولت استهدافه عام 2002 بطائرات الأباتشي أثناء عودته إلى شمال غزة منطلقاً من مدينة غزة، ما أدى إلى إصابته بشظايا طفيفة ونجاته من محاولة الاغتيال، ولم تكن هذه المحاولة لتضعف عزمه على مواصلة مسيرة الجهاد والمقاومة، بل كانت محفزاً له للمضي قدماً في طريق ذات الشوكة حتى تمكنت طائرات الاحتلال من استهداف سيارته مرةً أخرى بثلاثة صواريخ ما أدى إلى استشهاده رفقة الأخ الشهيد/ نبيل أبو جبر وإصابة أحد قيادات سرايا القدس إصابة بالغة، واستشهاد ثلاثة مواطنين وإصابة العشرات الذين كانوا متواجدين في نفس المكان وذلك بتاريخ 25/12/2003م.

رحم الله الشهيد القائد/ أبو حمزة الذي كان مثالاً يحتذى به في الهمة والاستعداد الدائم لقتال الأعداء، فلم تفلح الاعتقالات في سجون العدو أو السلطة عن ثنيه عن الاستمرار في رسالته الجهادية حتى لقي الله تعالى شهيداً مقبلاً غير مدبر.

اخبار ذات صلة