قائمة الموقع

أمريكا والصراع مع  الكبار

2021-12-25T11:22:00+02:00
الولايات المتحدة الأمريكية.jpg

الكاتب الصحفى جلال نشوان

لا يختلف اثنان على أن الرئيس الأمريكى بايدن ( ثعلب السياسة الأمريكية ) أحدث تغييرات في السياسة الأمريكية الخارجية ، وخاصة الصراع مع الكبار (العملاق الصيني، روسيا ) ، حيث أدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لتحديات كبيرة ، فمنذ تسلمه دفة الأمور ، شرع في إعادة صياغة تحالفاته لمجابهة الصين وروسيا ، وبدأ في تكوين حلف جديد مع بريطانيا ، وأستراليا ، لحماية الأحواض المائية  للحلفاء (كوريا الجنوبية ، والفلبين وأستراليا ...وغيرها )

وفي  الحقيقة :

إن اقتراب العملاق الصيني من التربع على عرش الاقتصاد العالمي ، بات هاجساً يؤرق صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ولقد حذّرت الولايات المتحدة في عهد ترامب وعلى لسان بومبيو ( وزير الخارجية الأمريكي السابق )  من التهديدات للأمن والحرية التي تمثلها الصين، لذا سارع بومبيو في ذلك الوقت بزيارة الهند ، رافقه مارك إسبر ( وزير الدفاع السابق )  ، لبحث التهديدات التي تشكلها الصين وروسيا وتوقيع اتفاقية   بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية.  من جهته، أشار اسبر في ذلك اليوم  أن الولايات المتحدة تريد تعزيز روابطها مع الهند، في وقت لا يزال التوتر شديداً عند حدودها المتنازع عليها مع الصين في منطقة هملايا، بهدف الاستجابة للتحديات  والحفاظ على  منطقة المحيطين الهندي والهادئ

هذا عن الصراع مع الصين ، فماذا عن الصراع مع روسيا ؟

لقد  أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية في عام ٢٠٠٧ تشريعاً ، تلتزم من خلاله بمساعدة أوكرانيا وجورجيا في مساعيهما للانضمام لحلف الناتو، وفي العام التالي أصدر حلف الناتو قراراً  يسمح بانضمام كل من البلدين لعضويته، وتفاقمت الأزمة في المنطقة مؤخراً عندما تقدمت أوكرانيا بطلب رسمي للانضمام للحلف. وليس من المتوقع أن يكون هدف فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي إشعال حرب حقيقية ، قد ينتج عنها قطع علاقات بلاده مع الغرب، واحتمال مواجهة الجيش الروسي لمقاومة وحرب عصابات في الجزء المنوي احتلاله، ناهيك عن إمكانية استضافة الأراضي غير المحتلة من أوكرانيا لقوات حلف الناتو، اضافة إلى إمكانية تطوير قدرات الحلف العسكرية، كما حدث في عام ٢٠١٤. ويفضل بوتين الحصول على تنازلات أميركية غربية تتعلق بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، دون حرب. ويعتبر تركيز واشنطن على مواجهة تهديدات روسيا بالاعلان عن نيتها والدول الغربية على رأسها السبعة الكبار، فرض عقوبات قاسية على روسيا، تشمل عقوبات إقتصادية، إشارة إلى عدم نيتها التدخل عسكرياً لمواجهة أي اعتداء روسي على أوكرانيا. وتحرص روسيا على علاقات جدية مع الغرب والولايات المتحدة، وتقلق بشكل خاص من فرض عقوبات على خط أنابيب الغاز الروسي الجديد (نورد ستريم ٢)  والذي قد يؤثر تعطيل العمل به على امداداته لدول أوروبا أيضاً، خصوصاً في فصل الشتاء، حيث تعمد بوتين إثارة أزمة أوكرانيا الاخيرة

صراع الولايات المتحدة الأمريكية مع الكبار صراع محفوف بالكثير من المخاطر  وخاصة العملاق الصيني

وعلى الرغم من أن الناتج القومي الأميركي لايزال أكبر من مثيله الصيني أو الروسي، كما أن الدولار يسيطر عموماً على النظام المالي الدولي، ويعتبر الجيش الأمريكي الأكبر والأكثر عدة عالمياً، كما أن القدرات الأميركية السيبرانية متفوقة عن نظيراتها في الدول الكبرى الأخرى، كما تملك الولايات المتحدة الكثير من الحلفاء، الا أن معطيات الصراع في الشرق والغرب، مع الصين وروسيا يتم حسابها ضمن عوامل أخرى مهمة، قد تؤثر على نتائج أي عملية عسكرية قادمة.  وتعتبر قضية تايوان للصين وأوكرانيا لروسيا قضايا مصيرية، سيدافعان عنها بكل قوتهما، خصوصاً وأن هاتين المنطقتين تعتبران منطقتين حيويتين لكلا البلدين، ناهيك عن أن والصين وروسيا أكثر خبرة بتضاريس وثنايا تلك المنطقتين، وهما أفضل قدرة على الحشد العسكري البشري والمعداتي فيهما في حال المواجهة.

وهنا لابد من الإشارة إلي أن  الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك  ثلاثة ألوية قتالية فقط في أوروبا، اثنان منها مسلحة باسلحة خفيفة، ومعدات قديمة، كما أن اللجوء إلى سلاح الطيران سيواجه بدفاعات روسية جوية متقدمة، ولديها أيضاً قدرة على التشويش الالكتروني العالي، كما ليس من السهل حشد دعم جميع الدول السبعة والعشرين للاتحاد الاوروبي للتصدي لروسيا. ولا يعتبر وضع الولايات المتحدة العسكري في إطار قضية تايوان مقارنة بالوجود الصيني بالاحسن حالاً عن أوروبا. هذا بالإضافة إلى أن كل من الصين وروسيا دول عظمى، ولا تعتبر فكرة خوض حرب معهما، بهذه السهولة :

فالصين الآن في طريقها لامتلاك أكبر قوة بحرية في العالم، وضاعفت قدراتها النووية من ثلاثة إلى خمسة أضعاف، اذ تمتلك الان ما بين٢٠٠ الى ٣٥٠ رؤوس نووي ، ويعتقد أنها ستمتلك ما بين ١٠٠٠ إلى ٢٥٠٠ رأس نووي بحلول عام ٢٠٣٠. كما أن لدى الصين الثلاثية النووية من القاذفات والغواصات والصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وطالما احتفظت الصين بترسانة نووية أصغر بكثير من روسيا أوالولايات المتحدة، الأمر الذي يضمن لها امتلاك الحد الأدنى من قدرة الردع، وذلك عبر توجيه ضربة إنتقامية ردًا على الضربة النووية الأولى للعدو. وأما بالنسبة لروسيا، فتمتلك الآن واحدًا وعشرين نوعًا جديدًا من الأنظمة النووية، ويمكنها إضافة آلاف الرؤوس الحربية إلىترسانتها النووية الحالية، والتي يتواجد أكثر من نصفها خارج حدودها. تعزز روسيا أسطولها في المحيط الهادئ،  ويعتقد خبراء أن أسطولها في المحيط الهادئ والبحر الشمالي أقوى تشكيلتين بحريتين لروسيا، وتشمل أيضًا أساطيل في البلطيق والبحر الأسود وبحر قزوين، الا أن الاخيرة تقع ضمن دائرة التوتر مع قوات الناتو بشكل روتيني.

كما تواجه الولايات المتحدة صعوبةً كبيرةً في تمرير ميزانية الدفاع الان، الأمر الذي يعني عدم قدرتها في الخوض بمشاريع عسكرية جديدة أو توفير دعم لحلفائها سواء من خلال بيع المعدات العسكرية الأميركية أو تأمين دعمها. ليس من المتوقع أن يسلك الاتحاد الأوروبي سلوكاً موحداً تجاه حرب الكرملين إن حدثت، تماماً كما سيكون موقفها غير موحد تجاه هجوم صيني قد يحدث على تايوان. وعودة إلى الماضي، قوبل احتلال روسيا لخُمس أراضي جورجيا عام ٢٠٠٨ وضم شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، دون فرض عقوبات ذات مغزى في الحادث الاول، وطفيفة في الحادث الثاني، كما لا تتفق دول الاتحاد على موقف واحد تجاه الصين.

وبالرغم من قوة الولايات المتحدة الأمريكية الا أنه تبقى الحقيقة التالية :

يقف جو بايدن اليوم في موقف ضعيف، في مواجهة هذه الأزمة المتشعبة، التي خلقتها بلاده، في إطار عدائها المعلن الموجه ضد الصين وروسيا مؤخراً، إذ أن محاولات واشنطن لمحاصرة نديها في عقر دارهما اليوم ليس بالأمر السهل، خصوصاً وأن البلدين تستعيدان عصرهما الذهبي، الذي كان خلال خمسينيات القرن الماضي، فازدادت مشاريعهما الخاصة بالنفط والغاز، وتطور تشييد الجسور الجديدة للسكك الحديدية والطرق السريعة التي تربط البلدين، بالإضافة إلى التدريبات العسكرية المشتركة، ناهيك عن تطور التجارة والاستثمار بين البلدين. ورغم أن نتائج قمة بايدن- بوتين الافتراضية الأخيرة، قد سمحت بتجميد الأزمة الروس ، الا  أن قادم الأيام بحمل في طياته الكثير ، فالدول تضع مصالحها في المقدمة دائما

 

اخبار ذات صلة