قائمة الموقع

"محمد أبو عبد الله".. قائد فذ أرّق العدو ووجّه له صفعات قوية

2021-12-27T11:35:00+02:00
الشهيد محمد أبو عبدالله.jpg
شمس نيوز - غزة

حين تمر علينا ذكرى القادة الشهداء تقف كلماتنا عن التعبير، ولن تكفي حروف اللغة العربية ولا مفرداتها لكي تعبر عنهم، وتبقى القلوب ترنوا للقاء، كيف ونحن نستذكر اليوم الشهيد القائد محمد عبدالله "أبو مرشد"، فالكلمات تبقى عاجزة عن وصفه، والأقلام التي كتبت جهاده نفذت وما نفذ جهاده، والأوراق التي نشرت عن حياته الجهادية وعطائه اللا محدود ستبقى قليلة أمام شموخه وعزته التي بقيت من خلفه في قلوب وأجساد جنوده الذين تتلمذوا على يده، أبا مرشد يا لك من قائد مجاهد صنعت المجد التليد وضحيت بكل ما تملك من أجل دينك ووطنك المسلوب، كنت لا تنام كي تجاهد، مهما كتبنا وكتبنا فلن نوفي حقك فلنترك الكثير من الكلمات التي تعبر عن مجدك وجهادك في سبيل الله بينك وبين الله عز وجل ليجزيك ما قدمت من عمل لترتقي للفردوس الأعلى بإذن الله.

ففي مثل هذا اليوم المبارك الموافق 12/27 تطل علينا ذكرى استشهاد القائد محمد مرشد أبو عبد الله قائد سرايا القدس في المنطقة الوسطى وأحد أبرز قادة سرايا القدس، والذي ارتقى إلى علياء المجد والخلود في عملية اغتيال جبانة نفذتها الطائرات الصهيونية وسط قطاع غزة، بعد مسيرة جهادية حافلة بالبطولات والتضحيات الجسام.

ميلاد القائد

ولد الشهيد القائد محمد مرشد خليل أبو عبد الله (أبو مرشد) في يوم الحادي عشر من فبراير للعام 1964م في مخيم البريج وسط قطاع غزة، لعائلة صابرة متواضعة ومجاهدة بعد أن عانت مرارة التهجير والتشريد بعد أن اغتصبت قوات الحقد الصهيونية بلدة "يبنا" في عام 1948م، كما غيرها من المدن والبلدات الفلسطينية المنكوبة. وتفتحت عين الفارس المغوار على صيحات الثكالى والأرامل، وعلى أنقاض المدن والقرى الفلسطينية المدمرة على رؤوس أصحابها.

تلقى شهيدنا القائد محمد أبو عبد الله تعليمه الأساسي في مدارس وكالة الغوث للاجئين في مخيم البريج، واجتاز المرحلة الثانوية في مدرسة خالد بن الوليد في مخيم النصيرات، وكان من المتفوقين، والتحق بالجامعة الإسلامية وحصل على بكالوريوس من كلية التجارة تخصص اقتصاد، وتخرج منها بتقدير امتياز/ الأول على دفعته في العام 1986م، وأدى فريضة الحج في عام 2005م، وللشهيد أربعة من الإخوة ترتيبه الثالث بينهم وتسعة أخوات، وهو متزوج وله ثمانية من الأبناء والبنات.

استشهد شقيقه القائد عرفات أبو عبد الله (أبو عبد الله) قائد سرايا القدس في لواء الوسطى برفقة كوكبة من مجاهدي سرايا القدس ومجاهدين اثنين من كتائب القسام بتاريخ 30-10-2017م، جراء قصف العدو الصهيوني نفقاً لسرايا القدس شرق خانيونس.

قائد فطن وذكي

تربى الشهيد القائد محمد أبو عبد الله في أحضان عائلة متدينة محافظة، وتميز منذ نعومة أظافره بدماثة أخلاقه وشدة تدينه وأدبه المتفرد، ولعل نشأته في أسرته المتدينة وإقباله على موائد القرآن والسنة جعله يتصف بهذه الصفات.

ومن أبرز الصفات التي تميز وعرف بها فطنته وذكاءه الشديدين، وجديته في كل محطات حياته، والسرية التامة، حيث كان كتوماً شديد الحذر، ترك الدنيا وزينتها وسخر نفسه لله والوطن، وأفنى حياته في خدمة هذا الدين العظيم، وتميز بشدة تواضعه وإعراضه عن كل ملذات الحياة، وحبه للجميع وكان حنوناً على أولاده، طيب القلب مع الصغير والكبير، وكان كريماً عطوفاً، يقدم يد العون لكل محتاج.

كما تميز بالانضباط الشديد وحرص على تربية مجاهدي في سرايا القدس على أساس النظام والانضباط الشديدين، وكان رياضياً وداوم على الكثير من النشاطات الرياضية وخصوصاً السباحة فأجاد السباحة وكرة القدم، وعمل على تنظيم دورات سباحة لمجموعات من مجاهدي سرايا القدس.

سجل الشرف الجهادي

ويعتبر الشهيد القائد محمد أبو عبد الله، من الرعيل الأول المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في المنطقة الوسطى، ومن أبرز القادة العسكريين الذين كان لهم بصمات واضحة في كل المراحل التي خاضوها ضد جيش الاحتلال الصهيوني.

كانت بدايات الشهيد القائد أبو مرشد مع المؤسس الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، حيث كانت العلاقة قوية وعلى مستوى عالي من السرّية والتفاهم، فكلاهما كانا على درجة عالية من العلم والثقافة والوعي، وهو ما دفع الدكتور الشقاقي، تنظيم لقاءاته السرّية في بداية دعوته الجهادية في منزل الشهيد أبو مرشد بمخيم البريج في الفترة الواقعة في عامي (1982،1981م).

فمنذ نعومة أظفاره، شق الشهيد مشواره الجهادي وقام بنشر مبادئ وأفكار الجهاد في المنطقة الوسطى، ومع اشتعال فتيل الانتفاضة الأولى المباركة في 1987م، بدأ الشهيد بتشكيل أول المجموعات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي تحت لواء "سيف الإسلام" آنذاك، والتي نفذت العديد من العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الصهيوني في محافظات قطاع غزة.

وفي العام 1989م، جرى اعتقاله من قبل قوات الاحتلال وأمضى في السجن مدة عامين بتهمة التنظيم العسكري للجهاد الإسلامي، ثم خرج من السجن أكثر عنفوان وإصرار على مواصلة طريق الجهاد والمقاومة، فبدأ بتشكيل النواة العسكرية الأولى لحركة الجهاد الإسلامي تحت لواء "القوى الإسلامية المجاهدة - قسم" برفقة الشهداء القادة هاني عابد، ومحمود الخواجا، وعمار الأعرج ومقلد حميد وبشير الدبش وغيرهم.

وتمكنوا من تنفيذ عمليات بطولية في العمق الصهيوني، وكان من بينها (عملية بيت ليد الشهيرة والتي نفذها الاستشهاديان أنور سكر وصلاح شاكر، وعملية مفترق الشهداء والتي نفذها الاستشهادي البطل هشام حمد، وعملية كفار داروم والتي نفذها الاستشهادي خالد الخطيب) وغيرها من العمليات النوعية.

تميز الشهيد القائد أبو مرشد بحسه الأمني منذ اللحظات الأولى لانضمامه في صفوف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مما أهله في مرحلة البدايات تولي مسؤولية جهاز الأمن في قطاع غزة وذلك في فترة الثمانيِات، وعكف في تلك الفترة على إعداد وتجهيز جهاز أمني يحفظ حركة الجهاد من الاختراق، ولكن المشروع لم يكتمل بسبب اعتقاله وأكمله إخوة من بعده.

كان الشهيد محمد أبو عبد الله منظراً من الطراز الأول وخاصة مع بداية انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي في الجامعات وتأسيس إطارها الطلابي الذي أطلق عليه حينها (المستقلين)، ووقتها كان الأمين العام السابق الراحل رمضان شلّح محاضراً في الجامعة الإسلامية وكان تربطهم ببعض علاقة قوية حيث كان أحد طلابه المتفوقين، وكانت العلاقة بين الدكتور الراحل رمضان شلّح، والشهيد أبو مرشد قوية واستمرت لبعد المرحلة الجامعية وإبعاد الدكتور رمضان شلّح لخارج الوطن.

وفي عام 1994م، تم تأسيس مركز فلسطين للدراسات والبحوث لحركة الجهاد الإسلامي وأخذ المركز يجمع الباحثين المميزين، حيث كان من بينهم الشهيد القائد محمد أبو عبد الله، وقد عمل في مجال البحث، وقام بإصدار العشرات من الأبحاث والدراسات والكتيبات وتنظيم الندوات السياسية والتنسيق مع كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي للكثير من الورش الثقافية والسياسية والفكرية

وتلقى في تلك الفترة حصل شهيدنا القائد محمد أبو عبد الله على عدة دورات تقنية والكترونية التي كان لها الدور البارز في تطوير المنظومة التقنية والهندسية العسكرية للجهاد الإسلامي، وأهلته ليكون أحد أهم المسئولين في الهندسة والتصنيع الحربي.

ومع اشتعال فتيل انتفاضة الأقصى المباركة، بدأ القائد أبو مرشد ومجموعة من رفاقه قيادات الحركة العسكرية وعلى رأسهم الشهداء خالد الدحدوح ومحمد الشيخ خليل وماجد الحرازين ومقلد حميد وعمر الخطيب والذين سبقوه إلى الفردوس الأعلى بتأسيس الجناح العسكري سرايا القدس، وأشرف شخصياً على تنظيم صفوف سرايا القدس على المستوى التنظيمي وعلى مستوى الهندسة والتصنيع وعلى مستوى التسليح، فقد بدأ بتنظيم دورات تدريبية عسكرية، وتخرج على يديه المئات من مجاهدي سرايا القدس.

وكان لشهيدنا شرف التخطيط لعدة عمليات نوعية بطولية أوجعت الكيان الصهيوني، وقضت مضاجعه، كان من أهمها عملية الصيف الساخن في معبر كيسوفيم ومنفذها الاستشهادي محمد الجعبري، وعملية زلزلة الحصون التي استشهد فيها المجاهد محمود سلامة، كما شارك مع إخوانه للتصدي للاجتياحات الصهيونية المتكررة، وإطلاق العشرات من الصواريخ تجاه المغتصبات الصهيونية

وتدرج الشهيد القائد محمد أبو عبد الله خلال مسيرته الجهادية، حيث كان من العقول التقنية الذين أشرفوا على تطوير صواريخ القدس والعبوات منها: رعد وبرق وسجيل وعبوات موجهة ضد الأفراد، كما يسجل له تصنيع وتطوير قذائف الهاون من العيار الثقيل وتطوير القنابل اليدوية، وكان له دور في صناعة القنبلة البلاستيكية الفرنسية، ويسجل للشهيد أبو مرشد صناعة قذائف الهاون البلاستيكية التي قطع فيها شوطاً كبيراً لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.

حكاية ارتقائه

كان اسم الشهيد القائد محمد أبو عبد الله على رأس قائمة الإرهاب الصهيوني للمطلوبين للاغتيال، لاعتباره العقل التقني للمنظومة الصاروخية لسرايا القدس، وتعرض لعدة محاولات اغتيال، لكن بفضل الله باءت بالفشل جميعها، حتى جاء يوم السابع والعشرين من ديسمبر 2007م، عندما خرج القائد أبو مرشد للإعداد والتجهيز للثأر والانتقام لإخوانه ورفاقه الشهداء الذين اغتالتهم قوات الاحتلال بمدينة غزة وشمالها حينها، فما أن خرج حتى أطلقت طائرات الاحتلال صاروخ استهدف رفاقه الشهيدين محمد فوزي أبو حسنين، ومحمد أحمد أبو حسنين، فهرع أبو مرشد نحو منطقة القصف لإنقاذهما، لكن صاروخ ثاني استهدفه ورفيقه الشهيد إبراهيم اللوح، ولم يصب أبو مرشد، لكنه أبى ترك رفاقه وأصر على نقلهم من مكان الاستهداف، لينال منه الصاروخ الثالث، فارتقى شهيداً مدرجاً بدمه الطاهر، ليكون دمه ودم رفاقه الشهداء نوراً لدرب المجاهدين وناراً على أعداء الله.

اخبار ذات صلة