أَكَدّ عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور يوسف الحساينة "أنَّ سلاحَ المقاومةِ الفلسطينية في قطاع غزة سيظل مشرعاً في وجه العدو الإسرائيلي، ومدافعاً عن الثوابت الوطنية"، مع إشارته إلى أنَّ المقاومة في الضفة المحتلة ستصنع مشهد يومَ التحرير المُنتظر.
وأوضح الدكتور الحساينة في حوارٍ مع "شمس نيوز" أنَّ جبهة الضفة الغربية المحتلة أخطر الجبهات على العدو الإسرائيلي، كونها الأكثر احتكاكاً مع الاحتلال، وهو ما يجعل المقاومة في تلك الجغرافيا تهديداً إستراتيجياً للكيان".
وشدد على "أهمية إبقاء حالة الاشتباك مع العدو الإسرائيلي في الضفة والقدس المحتلتين بالوسائل والأشكال كافة، رغم كثير من التحديات التي تواجه المقاومة هناك"، إلا أنه يرى فرصاً وعواملَ عدة تساهم في تصاعد حالة الاشتباك والمقاومة.
وقال د. الحساينة: "إنَّ استمرارَ الرهان على تسكين جبهة الضفة والقدس سيفشل أمام إصرار المقاومة، ومعها الجماهير العريضة التي تؤمن بخيار المقاومة والمواجهة، والتي ترغب بتجاوز آثار أوسلو الكارثية".
وذكر د. الحساينة أنَّ العمل المقاوم المتصاعد في الضفة المحتلة كفيل بكبح جماح العدو الإسرائيلي ومخططاته، مشيراً إلى أنَّ العمل المقاوم يُراكَم إما على شكلِ عمليات فردية، أو منظمة، أو هبات جماهيرية، مستشهداً بالملحمة البطولية التي سطرها أبطال كتيبة جنين، ومعارك الأسرى، والعمليات البطولية في نابلس، وجنين، والقدس، والهبات المتتالية في القدس.
مِرْجَل الضفة يغلي
وبيَّن د. الحساينة أنَّ ثمة فرصاً كبيرةً ومقوماتٍ عظيمةً لاستعادةِ العمل المقاوم في الضفة المحتلة منها مثل: التداخل الديمغرافي والجغرافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في تلك المنطقة؛ ما يعني احتكاكاً وتماساً مباشراً مع العدو الإسرائيلي.
وذكر د. الحساينة، أنَّ من بين الفرص هي كثرة الأهداف العسكرية والاستيطانية في الضفة المحتلة؛ إذ يوجد حوالي 660 حاجزاً، ومليون مستوطن، و400 مستوطنة.
كما، وأشار إلى أنَّ من بين المقومات الموجودة لاستعادة زخم المقاومة بجميع أنواعها هو فشل المسار السياسي للسلطة، ورفض سلوك الأخيرة من قبل الجماهير، لاسيما في ظل عدم وجود مشروع سياسي لها، ومحاولة السلطة التماهي مع سياسات العدو الإسرائيلي، وهو ما ترفضه الجماهير العريضة.
ولفت إلى أنَّ من بين المحفزات لجبهة الضفة، تفاعل الجماهير مع مقاومة غزة، واستلهام تجربة المعارك التي خاضتها مقاومتها مثل (السماء الزرقاء، والبنيان المرصوص، وسيف القدس.. الخ).
وعن القبضة الأمنية في الضفة، لم يخفِ الحساينة وجود ضغط كبير على المقاومة في الضفة، وأنَّ مساحة العمل في الضفة محصورة ومحدودة جداً، ومكبلة أكثر مما هو عليه الحال في القدس؛ كون الأجهزة الأمنية والعدو الإسرائيلي يلاحقان نشطاء المقاومة؛ سواءً الأعمال الفردية أو المنظمات أو الهبات الجماهيرية.
في السياق، أشار إلى أنَّ معركة "سيف القدس" التي خاضتها المقاومة في غزة شكلت نقطة تحول حقيقية في السردية السياسية، وأسهمت في تغيير قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، وأفضت إلى تحرك جماهيري وشعبي واسع في الضفة المحتلة، والمدن المحتلة عام 1948، وهو ما يشي بتحولات بنيوية وفكرية داخل الضفة والداخل المحتل أرعبت المحتل، وأربكت حساباته، الذي بات يحاول احتواءها بأيِ طريقة كانت.
وقال: "معركة سيف القدس تركت آثاراً عميقة في الضفة، وأدى لارتفاع أصوات للجماهير -حتى من داخل فتح نفسها- للانخراط في العمل المقاوم".
التنسيق الأمني.. طعنة في الخاصرة!
وشدد على أنَّ التنسيق الأمني والإصرار عليه يشكل تهديداً استراتيجياً للمقاومة في الضفة المحتلة، مستشهداً بالملاحقات، والاعتقالات التي تمارس بحق عناصر المقاومة، وسياسة الباب الدوار.. الخ.
وعلى الرغم من ملاحقة السلطة للمقاومة في الضفة؛ إلا أنه يرى أنَّ تلك الملاحقات لم تؤدِ لإنهائها؛ كون المقاومة فكرة متجذرة في نفوس أبناء شعبنا الفلسطيني في ظل فشل أي خيارٍ في استعادة الحقوق.
وقال: إنَّ التنسيق الأمني يمثل عقبة كؤود أمام تصاعد المقاومة، والسلطة تتمسك بذلك النهج لأمورٍ عدة، منها: أنَّ السلطة تخشى من فقدان سيطرتها على الضفة؛ بعد فشل مسارها السياسي الخاطئ، وتراجع شعبيتها ومشروعيتها، ومعاناتها من حالة عزله سياسية وشعبية؛ لذلك تحتاج التنسيق الأمني، خشية من أي تحركٍ ضدها".
وأضاف: "تخشى السلطة من تعميم نجاح تجربة المقاومة في غزة في الضفة الغربية، وتتمسك بالتنسيق؛ رغبة في الانخراط في المخطط الأمريكي - الإسرائيلي الهادف إلى القضاء على المقاومة تحت عنوان تجفيف المنابع، وهي خطة الجنرال الأمريكي كيث دايتون لتفكيك الخلايا المسلحة، وتغيير عقيدة القوى الأمنية، وتأسيس تسعة كتائب لصالح معاونة الولايات المتحدة، والعدو الإسرائيلي".
وجدد الحساينة تأكيده على أنَّ الشعب الفلسطيني يمتلك قدرة عالية من الإبداع والتضحية، مشيراً إلى أنَّ قوته اللامتناهية تكمن في التجديد والولادة من رحم الآلام؛ إذ يعيد بناء نفسه باستمرار، حتى في تلك اللحظة التي يظن فيها الجميع أن شعبنا انتهى أو استكان فإنه ينطلق من جديد نحو مقارعة ومقاومة العدو الإسرائيلي.
ودعا الحساينة إلى ضرورة الاتفاق على برنامج نضالي بين مكونات الفلسطينيين، يتمسك بالثوابت، وينتهج المقاومة سبيلاً للتصدي للعدو الإسرائيلي.
وعن وحدة محور المقاومة، ذكر أنَّ تكامل الجبهات وتوحيدها في المنطقة بات أقرب من أيِ وقتٍ مضى؛ كونه ضرورة ومصلحة لشعوب المنطقة.
وعن هرولة الأنظمة العربية تجاه الكيان، قال: "الاصطفاف الإقليمي من أنظمة الخليج والمغرب مع العدو خيَّم على المنطقة كسحابة سوداء ثقيلة، وسوف تلفظها الجماهير وتسقطها".
وأشار إلى أنَّ اتفاق أوسلو فتح الطريق أمام التطبيع العربي مع الكيان، وشجع العرب إلى الهرولة نحو الكيان.
وأشار إلى سلسلة من المعوقات التي تحد من تصاعد المقاومة في الضفة المحتلة، منها ملاحقة السلطة لعناصر ونشطاء المقاومة، وعدم قدرة السلطة على تفعيل الأدوات مثل المقاومة الشعبية، وعدم قدرتها على ملاحقة مجرمي العدو في المحاكم الدولية.
وذكر أنَّ هناك ارتفاعاً ملحوظاً في حجم التعاون والتنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، وهو ما يشكل تهديداً استراتيجياً للمقاومة، كما أنَّ من بين المعيقات هو إحكام سيطرة العدو على الضفة المحتلة، من خلال الحواجز العسكرية، والاعتقال، والمداهمات للمدن والقرى.
كما، وأشار إلى أنَّ عدم مشاركة جماهير حركة (فتح) في الفعاليات الميدانية، وإجهاض السلطة لأي محاولة للانتفاضة والهبة الجماهيرية يحول دون تصاعد المقاومة.
أوسلو الكارثة.. النكبة الثالثة!
وعن الآثار المدمرة لاتفاقية أوسلو، وصف الحساينة التوقيع على تعهداتها بالنكبة الثالثة؛ كونها مهدت الظروف السياسية والميدانية للتنازل أمام الأطماع الإسرائيلية.
وذكر أنَ من مصائب أوسلو، استبدال مشروع التحرير بمشروع السلطة، وإقرار السيطرة على فلسطين والاعتراف بالكيان، والالتزام بسياسة التنسيق الأمني والخدمات الأمنية للعدو، والقبول بمبدأ تقسيم الأراضي والسيادة عليها، وتأجيل البت بالقضايا الكبرى مثل (الحدود – اللاجئين -السيادة)، وإقامة سلطة إدارية بوظيفة أمنية، وتقليل كلفة الاحتلال، وتعميم الرواية الصهيونية بأحقية اليهود في فلسطين.
وذكر أنَّ المخطط الاستيطاني شهد نقلة نوعية وبوتيرة متسارعة بعد أوسلوالكارثة، وهو ما شجع الاحتلال للانقضاض على ما تبقى للفلسطينيين من حقوق.
وأشار إلى أنَّ أوسلو ساعد قوى اليمين الصهيوني على الصعود والسيطرة على القرار الصهيوني، لافتاً إلى أنَّ اليمين الصهيوني رسم استراتيجية على ثلاث لاءات تمثلت بالتالي: (لا انسحاب من الغور والمستوطنات، لا تفاوض على القدس، لا للوحدة واستمرار الانقسام).
وبيَّن أن استراتيجية اليمين الذي أحكم السيطرة على المشهد السياسي في الكيان تقوم على فكرة السلام الاقتصادي، وتأجيل القضايا النهائية- والاستمرار في الاستيطان وبسط السيادة على مناطق الضفة والمستوطنات.
وجدد الحساينة تأكيده على أنَّ أوسلو رفعت الحرج عن الأنظمة العربية للتطبيع مع العدو، كذلك الحال مع بعض الدول الأجنبية مثل (الصين-الهند -أفريقيا).
وذكر أن الكيان الإسرائيلي يسعى من خلال إبقاء التنسيق الأمني والدور الوظيفي للسلطة، إلى الاستمرار في تصفية القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، وحصرها في البُعد الاقتصادي المطلبي، وتثبيت الكيان كقوة مركزية، وإصباغ الشرعية على تحالفات الكيان مع الحلف الخليجي لمواجهة عدو افتراضي اسمه إيران، التي تمثل الجار والشقيق للدول العربية.
كما، وأشار إلى أنَّ التمسك باتفاقية أوسلو، والتنسيق الأمني المقيت، يعطي غطاءً لتبادل سكاني وجغرافي خطير، ويصبغ شرعية على المستوطنات والضم وفرض السيادة، ويؤدي إلى الاعتراف بيهودية الدولة، اعترافاً عالمياً وعربياً ودولياً رسمياً بها.
وشدد على أنَّ الرئيس ياسر عرفات اكتشف الخدعة بعد عودته من كامب ديفيد؛ إذ حاول بعدها تغيير الواقع؛ لكنه عجز وحوصر وتم اغتياله.
مسلسل الوهم..!
وفيما يتعلق بمسلسل وهم التسوية، ذكر "أنَّ التأريخ يشير إلى تواريخ مهمة في إطار فشل هذا المسلسل؛ إذ بدأ من العام 1974م فيما عرف – آنذاك - برنامج النقاط العشر (البرنامج المرحلي)، الذي يقضي بالقبول بإقامة السلطة على أي جزء يقوم الإسرائيليون بالجلاء عنه".
وأشار د. الحساينة إلى أن المسلسل لم يقف عند هذا الحد، بل امتد من خلال اتصالات (م. ت. ف)، بالاشتراكية الدولية بداً من النرويج، ودول أخرى في العام 1976؛ للوصول إلى تسوية مع العدو، وهي جميعها تسويات غير منصفة لشعبنا.
ولفت عضو المكتب السياسي للجهاد الإسلامي أن مؤتمر "إعلان الاستقلال" في الجزائر عام 1988، والاعتراف بقرار 242، وقيام دولة شكلا، يعد حلقة من حلقات الفشل للمراهنين على التسوية.
وتابع "مؤتمر جينيف عام 1988، وكلمة رئيس المنظمة، ونبذ الإرهاب، والاعتراف بقرار 242 وقرار 181، تبعها حوار السفارات المشروط بين المنظمة والولايات المتحدة، كانت استمراراً لحلقات التسوية".
وبيَّن د. الحساينة أن المسلسل لم يقتصر على تلك السقطات؛ بل وصل لإعلان باريس أواخر عام 1988 (تعديل ميثاق المنظمة، وإعلان الرئيس عرفات إلغاء الميثاق)، وما تبعه في مؤتمر مدريد، وما حصل مع الوفد الأردني هناك.
وأوضح أن المنظمة واصلت الهرولة نحو مؤتمرات التسوية، وعواصم العالم، حتى وصلت إلى أوسلو إبان انتفاضة الحجارة التي شكلت مأزقاً للعدو الإسرائيلي.
وأردف "وثيقة أبو مازن- بيلين 1995، التي تخلى فيها عن حق العودة، والقيام بدولة منزوعة السلاح، في معظم الضفة، وتكون أبو ديس هي العاصمة، والتنازل عن القدس، واستبدال الأونروا بالمواطنين، تعد واحدة من مسلسلات الفشل للمراهنين على هذا الملف".
وذكر أن المشهد المأساوي لم يقف على هذا الحد، بل وصل إلى "المؤتمر الوطني" في غزة، في 12/1998، بحضور الرئيس الأمريكي كلينتون، وتعديل ميثاق المنظمة، وإلغاء البنود الداعية إلى المقاومة وإزالة "إسرائيل".
وتابع "اكتمل هذا المسلسل بمؤتمر واي بلانتيشن، الذي كان يهدف إلى تعديل الميثاق، وفرض اتفاقات إذعان على الفلسطينيين".
وشدد على أن هذا المشهد المأساوي كان انعطافة حاسمة في مسار الصراع مع العدو؛ كونه يعد تنازلاً مصيرياً دون أي مقابل، وفيه ثغرات قانونية كبيرة كإدخال تعديلات، وعدم توافر النصاب.
الضفة والقدس بين فكي الأطماع الإسرائيلية!
وفيما يتعلق بخصوصية الضفة الغربية والقدس لدى الكيان، قال: "العقيدة التلمودية والفكر الصهيوني يعتبران الضفة الغربية والقدس (يهودا والسامرة)، أي يعتبرونها جزءاً من عقيدتهم وفق مزاعمهم؛ ما يعني أنَّ هناك سباقاً محموماً بين الكل الصهيوني-يمين ويسار- على عدم التنازل عن أي مساحة للفلسطينيين في الضفة، وبحد أدنى حشر الفلسطينيين في مناطق ضيقة جداً".
وأضاف: "ترجمت هذه العقيدة وهذا الفكر الصهيوني من خلال مجموعة من الخطوات والإجراءات تمثلت في التهويد – الترحيل –، والاستيطان، والحواجز 660 حاجزاً، والسيطرة على الموارد الطبيعية، وبسط السيادة على المستوطنات والتلميح لمصادرة مناطق (ج)".
وتابع: "تعتبر الصهيونية أن التاريخ العبري بمجمله كان في الضفة الغربية والقدس، خاصة ما يسمى (دولة إسرائيل) القديمة على -حد زعمهم- ثم دولتي (إسرائيل ويهودا) بعد الانقسام في مملكة سليمان التي انقسمت إلى قسمين (مملكة إسرائيل في شمال الضفة الغربية، وكانت في نابلس عاصمة لها (شكيم)، ويطلق عليها اسم السامرة، ومملكة (يهودا) في الجنوب، وعاصمتها القدس، ويطلق عليها يهودا".
وأردف: "جميع اليهود الصهاينة يعتقدون أنه يجب السيطرة على الضفة والقدس حتى عودة المخلص (المسيخ)؛ لذلك يعتبرون أنّ السيطرة على الضفة والقدس ستؤدي إلى بناء الهيكل (وجاري التحضير لما يعرف عندهم بمذبح الدم)، واقتحامات الأقصى والصلاة فيه والتهويد تمهيد لذلك".
وزاد: "العقيدة الصهيونية أيدولوجية مؤسسة على العدم والموت، أيدلوجية اليهود في الضفة لها بعدان بعد تاريخي وبعد سياسي؛ لذلك كله تمثل الضفة الغربية والقدس ضرورة عسكرية وأمنية للكيان".