بانتصار أبو هواش لم تعتد المعادلة كمان كانت، فإسرائيل التي روجت لنفسها أنها صاحبة القول الأول والأخير لم تعد كذلك، فأبو هواش ومن خلفه قالوا: "بإن البدء والخاتمة من المقاومة، هي التي تحدد الزمان والمكان وأداة النضال وساحته"، ولم يخجل إعلام العدو وهو يعلن بأن تهديدات غزة "هي التي أجبرت قيادة الكيان على اتخاذ قرار إنهاء اعتقاله الإداري.
فقبل أن يغلق عام 2021 ابوابه حقق أسرى حركة الجهاد انتصارا تاريخيا نفذته "كتيبة جنين" بقيادة القائد محمود العارضة ورفاقه الخمسة ليسجلوا أقوى ضربة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية في السجون، ويكتبوا اجمل صورة للحرية -حفرت حقيقة وليس مجازا- بأظافر الإرادة في صخر التحدي، ليفتتح عام 2022م بباكورة انتصار سجله البطل هشام أبو هواش بمعركة أسطورية انتصرت فيها الإرادة الفلسطينية على عقلية الشر الصهيونية المدعومة من عواصم الغرب، وبعض دول التطبيع العربية الخائبة.
فبعد 141 يوما من الإضراب المفتوح عن الطعام الذي تآكلت فيه عظام الأسير هشام أبو هواش، حيث ظن الكثير بأنه سيغادر الحياة لا محالة، وإذ بيد القدر تتدخل لكتابة نصر لهذا المقاتل العنيد، الذي أخذ قراره بالتقدم دون الرجوع، وبالهجوم دون الاحجام، ومنذ اللحظة الأولى وعلى عادة رفاقه الذين خاضوا معركة الإضراب المفتوح عن الطعام كان شعاره إما النصر وإما الشهادة.
لقد تعنتت إدارة مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي وتصلبت في موقفها وظن المراقبون أنها لن تتنازل عن قرارها في إبقاءها قرار الحبس الإداري للبطل هشام أبو هواش، خاصة وأنها قد دعمت من المستوى الأمني والسياسي بل والجيش، ومن خلفها دولة الكيان والذي كان يفضي الى كسر الاضراب المفتوح عن الطعام وإلى الأبد، وفي مجابهة ذلك القرار الذي اتخذته مصلحة السجون جاءت قيادة المقاومة ممثلة بالفدائي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي أبو طارق النخالة والذي قالها بأوضح من الشمس بأن استشهاد أبو هواش هو عملية اغتيال متكاملة الأركان تقتضي الرد عليها بما يقرره الميدان، والله غالب على أمره.
أمام ذلك القرار الذي اتخذه أبو طارق النخالة قُطع قول كل خطيب، ولم يبقى مجال للتحليل السياسي ولتقدير الموقف، فالمسألة أوضح من ذلك بكثير، وهي بإيجاز استشهاد أبو هواش يعني جولة من الصراع قد لا تكون تل أبيب بمأمن فيها عن صواريخ المقاومة.
إن القرار العسكري الثوري الوطني والإنساني الي اتخذه النخالة قطع الطريق على الجميع للمناورة، وبسابقة التفت فصائل المقاومة جميعها حول ذلك القرار ليثبت الواقع صوابيته، وأنه قرارا ثوريا متجردا من كل حسابات غير حسابات المقاومة.
كما أن الجهوزية التي أعلنتها سرايا القدس، متمثلة بإفراغ قواعد التدريب وورش التصنيع ووقوفهم رهن الإشارة، منتظرين ما يصدر من القائد العام لهو دالة على حيوية هذه الحركة التي لا تترك أبناء شعبها في الميادين وحدهم.
وإن خروج أهل الضفة بكوادرها الفصائلية وأسراها المحررون وشرائحها الاجتماعية في كل الأماكن ليدل بوضوح على عمق الانتماء الذي يتمتع به أهل الضفة الغربية تجاه فلسطين والقضية، ورغم أن هناك ألف تحذير وتحذير من اعتقالات إدارية للمشاركين في التضامن مع أبو هواش، وملاحقات أمنية استجابة للتنسيق الأمني ستقض مضجع العشرات من أولئك المتضامنين إلا ان نداء الواجب حركهم وبصوت واحد هتفوا: "لست وحدك يا هشام".
إن المعركة العظيمة التي خاضها هشام قد وحّدت الشعب بجماهيره وفصائله ونخبه خلف المقاومة ممثلة بالأسرى، وليس أدل على ذلك من رايات الفصائل جميعا التي أظهرتها شاشات التلفزة بمجرد سماع خبر انتصار البطل أبو هواش.
كما أن الظلم الذي وقع على أبو هواش بجوعه 141 يوما ومصارعته للموت لحظة بلحظة حرك جزء مهم من ضمير العالم، وجعل كثيرا من البلدان تخرج للتضامن معهم ليحطم بذلك أكذوبة (أن إسرائيل واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط).
إن العناد والوضوح الذي تمتع به قائد الجهاد الإسلامي باتخاذه قرار الحرب قد طمأن كل الأسرى الراغبين في خوض إضراب مفتوح عن الطعام بأن خلفهم قوة مرهوبة الجانب، صادقة التوجه، عميقة الانتماء خلفهم، لن تخذلهم أو تتركهم.