المتتبع لمواقف وتصريحات حركة الجهاد الإسلامي وهذا النَفَس العالي واللغة العالية والثقة العالية والمسؤولية العالية، يجد وكأنها تُعيد الصراع الى بداياته، حتى التصريحات كلها مليئة بالعنفوان، وهذا ليس من باب تفضيل أحد على أحد أو زمن على زمن، لكن كل مرحلة من مراحل الصراع مع العدو الصهيوني تحتاج الى خطاب مختلف ولغة مختلفة وأحيانا تحتاج الى أشخاص مختلفين وهذا لا ينتقص من جهد الآخرين.
العدو الصهيوني ندم لاغتياله السيد عباس الموسوي لأنه جاء خلفا له السيد حسن نصر الله ليتولى قيادة حزب الله، وقالوا: ما هذه المصيبة والبلاء الذي جاءنا بدلا منه؟!!، وان هذا لا ينتقص من قيمة الموسوي أبدا، حتى نصر الله يعتبر الموسوي سيد شهداء المقاومة ومعلّمه، لكن أحيانا المرحلة تأتي بشخص يكون غضب من الله ينزل على الصهاينة.
الناظر لطبيعة المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الآن هي مرحلة تسويات وتفاهمات وتطبيع وتهويد القدس واستيطان وحصار مطبق ووضع اقليمي صعب للغاية وكأنه يجلس على برميل من البارود، وعندما يأتي من بين كل هذا الرُكام أبو بصير الفلسطيني بلغة صدامية ثورية فيها الكثير من العناد الحقيقي وبخطاب سياسي مختلف ما يشير إلى أنه رجل هذه المرحلة والعيون كلها تُصبح عليه، حتى العدو الصهيوني بات يذكره بالاسم في صُحُفه وأخباره وتحليلاته كثيراً، حتى أن أحد الصُحفيين اليهود قال عنه: أنه يمضي ولا ينظر للخلف.
أبو بصير الفلسطيني يعرف ماذا يريد وهو حاسم أمره بأن هذا العدو لا يعرف الا لغة الحديد والنار وفي نفس الوقت فإن أبو بصير الفلسطيني متصالح مع نفسه ومنسجم مع أقواله وافعاله ونظرته دائما للأمام، وإن الصهيوني يعرف بأن هذا النمط وهذا النوع من القيادة يشكل خطراً عليه، فأبو بصير الفلسطيني لديه معادلة بسيطة وواضحة وهي أن هناك أرض محتلة = مقاومة.
القضية الفلسطينية بتعقيداتها بحاجة الى فئة ليس لديها حسابات مثل حسابات السّلطة والحُكم، حيث ورد في السيرة النبوية قصة الصحابي عُتبة بن أسيد المشهور بكنيته أبو بصير -رضي الله عنه- ضمن أحداث صلح الحديبية، وقد ورد في نَص معاهدة صلح الحديبية أنه اذا جاء أحد من قريش الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُسلِم فالمطلوب رده الى قريش، فجاء ابو بصير الى رسول الله مسلماً فطلبته قريش فأمر رسول الله برده اليهم، فاستجاب ابو بصير لأمر رسول الله وذهب مع اثنين من قريش وفي الطريق قتل أحدهم وهرب الآخر الى رسول الله يستجير به من أبو بصير، عندها قال رسول الله قولته الشهيرة عن أبو بصير: «وَيْلُ أُمِّهِ! مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ» أي أن هذا الرجل سيُشعل حربًا لو كان معه رجال، وبالفعل هرب ابو بصير الى الصحراء وصارت الرجال تبايعه وتنضم اليه وكأنه شكّل تنظيم لوحده وصار يعمل بعيدا عن حسابات المعاهدات والاتفاقيات، وظلّ أبو بصير ومن معه يقطع الطريق على قوافل قريش مما سبب لهم الجنون، مما أضطر قريش للطلب من رسول الله أن يأخذ أبو بصير ومن معه ضمن صفوف المسلمين وأنها (أي قريش) لا تريد استرداد أبو بصير ولا مَن معه، فوافق رسول الله وطلب من أبو بصير العودة.
في هذه القصة نجد أن أبو بصير "رضي الله عنه" قد خرج عن النص، فليكن لدينا أبو بصير فلسطيني يخرج عن النص وعن الاتفاقيات والمعاهدات ويعمل بعيدا عن حسابات الحُكم والسلطة.
وأبو بصير الفلسطيني لديه حسابات قليلة وبساطة عالية لكن في المقابل لديه صلابة وعناد شديد مما يجعله يتمرّد على العدو الصهيوني فيقول: أننا سنمسّ بالأمن "الإسرائيلي"، ومثل هكذا كلام كبير هو بالفعل يمس بهيبة العدو الصهيوني، ثم يقول بلغة ثورية نضالية فيها الكثير من العنفوان: أهون علينا أن نموت في ميدان المعركة من أن نرى شعبنا يموت جوعا، ويقول: إن استشهاد الاسير هشام ابو هواش يعني الرد على استشهاده وكأنه عملية اغتيال، ويقول: نذهب للقتال كما نذهب للصلاة.
ان إخوة أبو بصير الفلسطيني الذين سبقوه كان لكلٍ منهم بصمته الكبيرة في هذا الصراع الممتد، كلٌ لديه مهمته، لقد خاض اخوة ابو بصير الفلسطيني مراحل كبيرة من الصراع كان خلالها العمل الاستشهادي البطولي ومعركة جنين الأسطورة التي قال عنها في ذاك الوقت د. رمضان شلّح (رحمه الله) من قناة الجزيرة: إن ربّاط حذاء طوالبة أفضل من كل شرايين الحكام العرب، واليوم أبو بصير الفلسطيني رجل المرحلة الحالية يكمل المسيرة بكل عنفوان واقتدار، حتى المقاتل يستشعر أنه قائد ميداني ودوما متقدّم بخطوة.
لقد جاء أبو بصير الفلسطيني وأحيا المرحلة من جديد، فالفترة التي سبقت ابو بصير الفلسطيني كان فيها صمت وسكون ومبادرات، فجاء ابو بصير الفلسطيني وكان فعلاً على قدر عالٍ من المسئولية فزاد من حرارة وسخونة المرحلة وكأن حركة الجهاد الإسلامي نهضت من جديد بشعاراتها القوية وامكانياتها العالية ومقاتليها الأكثر حنكة وقدرة وعدة وعتادا وأكثر تدريبا.