بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي في عمان مجدداً بعد أيام قليلة من مستجدين يعتقد أنهما في غاية الأهمية على الأرض المحتلة.
المستجد الأول له علاقة باستقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، للرجل الثاني في حكومة إسرائيلية مصنفة بأنها آيلة للسقوط بعد أيام قليلة من لقاء الجنرال غانتس – محمود عباس المثير للجدل، والذي قُرئ أردنياً وفلسطينياً من زوايا عدة.
والمستجد الثاني هو الإقرار ضمناً وبصمت عند الحكومة الأردنية، بأن الجنرال غانتس الذي يظهر مرونة كبيرة في المسألة الأردنية تحديداً لا بل يعتقد بأنه مكلف بإعادة ترميم العلاقات المتصدعة مع الأردن، كان الطرف الآخر في إنجاز اتفاقية خاصة اعتبرت مفيدة جداً للأردنيين ولم تحظ بتغطية إعلامية واسعة، وتسللت لا بل وقعت بهدوء شديد، وفكرتها زيادة الصادرات الأردنية حصرياً إلى أسواق الضفة الغربية، وبقيمة قد تزيد عن نصف مليار دولار سنوياً.
في عمان إصرار من قبل رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، التقطته «القدس العربي» عدة مرات، على أن بوصلة الحسابات الوطنية خبيرة جداً في المسألة الإسرائيلية ولا تحركها أوهام من أي نوع.
في القراءة الأردنية، هذا الانطباع لا يعني إلا قناعة عمان سياسياً بأن حكومة رئيس وزراء الاحتلال الحالي نفتالي بينت معلقة وقابلة للسقوط في أي وقت. لكن الأمر تطلب دوماً تدوير الزوايا، على حد تعبير وزير الاتصال الأسبق صخر دودين. وحتى مع إبلاغ الأردن بوضوح من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم وجود خطة محددة لعملية السلام أو التفاوض، وقد أوضح ذلك بصراحة سياسي أردني كبير مثل طاهر المصري، على هامش نقاش خاص مع «القدس العربي».. ومع ذلك، يتجاوب الأردن بمرونة مع رغبة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي كانت واضحة في اتجاهين، هما:
أولاً، الحفاظ على التهدئة في الضفة الغربية، ثم الاستمرار في إدارة علاقات أقل صخباً بين الإسرائيليين من جهة، والأردنيين والفلسطينيين من جهة أخرى.
ثانياً، الإلحاح على التركيز في اتجاهات تحسين مستوى التفاعل الاقتصادي وسبل العيش في الأرض المحتلة.
دون ذلك، لا يوجد سيناريو أمريكي محدد يعود بملف الصراع إلى أًي مسار تفاوضي. تعلم عمان ذلك وتتحرك في سياقه، لكن في أقرب مسافة من مكتب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عملية تنميط لذلك التفاعل استجابة لإرشاد أمريكي خلف الستارة، محوره رسالة لعمان تقول ضمنياً: «الجنرال غانتس هو الرجل الذي ينبغي التواصل معه في هرم دولة الاحتلال».
وتلك رسالة يبدو أن نسخة منها وصلت للرئيس عباس، الأمر الذي يبرر -كما قيل للأردنيين خلف الستارة أيضاً- أمسية العشاء الشهير بين عباس ورفيقيه ماجد فرج وحسين الشيخ، والجنرال غانتس، خصوصاً أن الجنرال فرج والوزير الشيخ التحقا باللقاء فجأة وتحركا – حسب المعطيات – بطائرة خاصة بعد أن كانا في إحدى العواصم الخليجية. وفي كل حال، بقاء التواصل مستقلاً ونشطاً مع الجنرال غانتس هو الوصفة التي اقترحها على عمان ورام الله كل من أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، ووليم بيرنز رئيس الاستخبارات الأمريكية.
وهي في القراءة الدبلوماسية المصرية والأردنية تحديداً وصفة تعني ضمنياً بأن البيت الأبيض غير معني مرحلياً بإعادة إحياء اللجنة الرباعية الدولية كما خطط عباس ورغبت عمان مؤخراً، والخطة الأمريكية الوحيدة المتاحة عنوانها «تحدثوا مع غانتس».
في السياق، ثمة خلل في منظومة التواصل بين الرئاسة الفلسطينية والعاصمة الأردنية، ووراء الميكروفون واللقاءات الرسمية تبادل الملاحظات وعتاب مر أحياناً، يحاول الأمريكيون تبديده أيضاً عبر حلقة الجنرال غانتس، الرجل الثاني في حكومة هرم إسرائيل، الذي يمكنه أن يتحرك دون قيود رئاسة الوزراء أو الكنيست، وعلى أساس تفاهمات مع الجارين الأردني والفلسطيني، عنوانها الحرص – ما دام التفاوض في ثلاجة – على إدامة الاتصال وتخفيف آثار الاحتقان.
طبعاً، من المنطقي أن تكون المساحة المشتركة أو نقطة التلاقي بين الثلاثي الإسرائيلي والأردني والفلسطيني، هي منطقة «التهدئة الأمنية»، خصوصاً في الضفة الغربية، ومن ثم الحيلولة دون تطور احتقانات أمنية واجتماعية واقتصادية يمكنها أن تنتج أملاً في انتفاضة ثالثة، لا مصلحة للحكومات الثلاث باندلاعها، حيث الوضع معقد جداً في الضفة الغربية وفي عمق الشارع الأردني، وحيث مفاوضات فيينا مع الإيرانيين تحت عنوان الاتفاق النووي تحتاج إلى مزيد من الترقب والانتظار، وحيث -وهذا الأهم- عنصر إيراني ولبناني مؤثر في عمق قطاع غزة وحركة حماس قد يستثمر في أي لحظة انفلات أمنية وبصيغة تهدد غالبية المعادلات المستقرة.
لذلك، حرص الأمريكيون على نقاط التواصل الأردنية الفلسطينية مع الجنرال غانتس، ولذلك يمكن فهم الاستقبال الملكي الأردني لغانتس، ظهر الأربعاء، ضمن هذا السياق، خصوصاً أنه استقبال بالصفة السياسية المدنية للجنرال الإسرائيلي، ودون عقد مباحثات ذات صلة بالمؤسسات العسكرية والأمنية. فغانتس هو المعني اليوم بمعالجة بعض متطلبات واحتياجات صمود بقايا السلطة الفلسطينية من رواتب وملحقاتها.
والوزير الصهيوني غانتس هو أيضاً المعني والمكلف بفتح أسواق الضفة الغربية جزئياً أمام البضائع والمنتجات والصادرات الأردنية.
ليس سراً في عمان أن غانتس هو الذي ضمن بيع حصة من المياه قبل عدة أشهر للأردنيين، وليس سراً أن الجنرال الإسرائيلي وعد بمساعدة عباس في حل مشكلة الرواتب، وأنه الرجل الذي دعم توقيع اتفاقية ثلاثية تعبر فيها الصادرات الأردنية إلى أسواق الضفة دون أي ضجيج، بعد الحرص الثلاثي على ألّا يصطاد الإعلام في تلك الاتفاقية، كما حصل مع اتفاقية دبي المثيرة لتبادل خدمات الكهرباء والمياه.
التهدئة هي الأساس في الشغف الأردني – الفلسطيني بالتواصل مع الجنرال الإسرائيلي، لكن الأمر قد يتطور إلى صياغة مفاهيم جديدة لاحقاً لتنسيق أمني ثلاثي، وسيصبح رباعياً إذا ما انضمت مصر إليه، وخماسياً إذا ما جلست أبوظبي على الطاولة نفسها. كل تلك التواصلات والتفاعلات لا تلام الذاكرة الشعبية البسيطة إذا ما افترضت أنها تقود إلى مشروع سياسي جديد يقال إنه قيد الطهي.