لا يجد المرء أحياناً تعبيراً عن حجم المأساة التي يراقبها ويرقبها الناس، سوى الكوميديا لتوصيف قدر الكارثة التي تحل بالوطن. ففي الوقت الذي كانت فيه مدرعات الاحتلال تطارد فلسطينيي النقب، وجرافاته تهدم بيت صالحية في حي الشيخ جراح، كانت القيادة الفلسطينية تعقد اجتماعاً لمركزيتها لتوزيع المناصب، وتقطيع كيكة سلطة متخيلة، يناضل فيها رئيس في بيت وزير حرب العدو، ويتحصل على زجاجة زيتون من أرضه المسروقة!
سيقول كثير من المراقبين ليس هذا وقت جلد الذات وتوزيع الاتهامات، والجواب: إذاً متى؟ إذا كان الاحتلال يهدم البيوت ويجرف الأراضي ويطرد أهل البلاد، بعد 29 عاماً على اتفاق كارثي وقعته هذه القيادة جر على القضية الفلسطينية مختلف أشكال الإخفاق والتراجع والكوارث الوطنية والسياسية، قرابة 3 عقود على اتفاق أوسلو الذي وفر احتلالا مجانيا، وشرعن سرقة الأراضي، وأطلق العنان للاستيطان، ومهد الطريق لتستكمل إسرائيل الانفصال من جانب واحد وإقامة نظام فصل عنصري انتهى فيه الفلسطينيون للعيش في كانتونات معزولة ومحاصرة.
للمرة المليون يقول نفتالي بينت: لا أجندة سلام لدى إسرائيل، ويكشف الرجل أن كل الاجتماعات التي تقول السلطة الفلسطينية عقبها أو الأنظمة العربية التي تلتقي فيها مسؤولين إسرائيليين أنه جرى بحث "العملية لسياسية" أن لا عملية سياسية أصلاً، يصر بينت على فضح السلطة، وتبيان عنجهيته وتكبره كمحتل على المحتل، تكبّر يتلبس بينت جراء حالة الانكشاف والضعف التي انتهت لها القيادة الفلسطينية بسبب وهم " السلام" الذي يعتمل في رأس الرئيس الفلسطيني فيما تصر إسرائيل يومياً أنها دولة حرب وقتل وتهجير، فكيف لمحتل يمارس احتلال "ديلوكس" مجاني أن يحترم ضحية لا تقاوم، ولا تفكر حتى في المقاومة، العالم لا يتعاطف مع الضحايا وإنما مع الضحايا التي تقاوم.
انتهى حل الدولتين منذ أن انسحب شارون من قطاع غزة عام 2005، بل انتهى منذ أن وقع الراحل ياسر عرفات اتفاق أوسلو الذي أطلق العنان للاستيطان، وأعطى إسرائيل الغطاء القانوني لممارسة كل أشكال مصادرة الأراضي، وتطبيق حل من جانب واحد، كل تلك الممارسات الصهيونية كانت تتم تحت ذريعة أن هناك شريكا فلسطينيا وعملية سلام.
انتهى حل الدولتين عندما صادر محمود عباس سلاح المقاومة وجرمها، وحول السيد سلام فياض بمباركة ودعم السيد عباس المشروع الوطني الفلسطيني من مشروع تحرر، إلى مشروع تسول مالي يعقبه توزيع الرواتب على الموظفين مقابل التوقف عن التفكير في مواجهة الاحتلال، وعوضاً عن مشروع فلسطيني محتل يسعى للتحرر من الاحتلال، برز مشروع " فلسطيني جديد" يصطف على طوابير الرواتب بانتظار أن توزع عليه السلطة فتات رواتب لا تسد أبسط متطلبات الحياة، المشكلة ليست بطبيعة الحال في أولئك الموظفين فهم يستحقون أكثر من تلك الرواتب البائسة، المشكلة في سلطتهم ومسارها غير الوطني.
إن حل الدولتين انتهى، بعد أن باتت طائرة رئيس وزراء الاحتلال ووزراء حربه وخارجيته وكل حكومته تحط في أبوظبي والرباط، انتهى عندما تحولت إسرائيل من عدو في بلد اللاءات الثلاث إلى وسيط بين جنرالات الخرطوم وخصومهم، انتهت عندما باتت تل أبيب أقرب لرئيس السلطة الفلسطينية من غزة، وأقرب لبعض الحكام العرب من شعوبهم، بل من زوجاتهم وأبنائهم.