كتب: د جميل عليان
ما يحدث في الضفة من صراع متزايد بين العدو الصهيوني وشعبنا الفلسطيني بكل شرائحه السياسية والجغرافية والاجتماعية، يؤكد أن (إسرائيل) لم تكسب أيًا من جولات الصراع التي تخوضها.
إن استدعاء العدو الصهيوني لكل أدواته في هذا الصراع يؤكد مأزقًا صهيونيًا حقيقيًا، وأنهم باتوا عاجزين عن حسم هذا الصراع، بل ويدركون أنهم لن يحسموا هذا الصراع؛ على الرغم من وجود أذرع فلسطينية تتناغم مع طموحات المشروع الصهيوني في جوانب كثيرة.
يستطيع الفلسطينيون أن يفتخروا بما حققوه في العام 2021م، على طريق تأكيد حقوقهم الوطنية ونهجهم السياسي في التعامل مع العدو الصهيوني، نعم، كان هناك سيف القدس التي شكلت عنوانًا للفلسطينيين ولكل أحرار العرب والمسلمين، ثم كان نفق الطريق إلى القدس وكتيبة جنين، التي مرّغت أنف العدو وكل نظرياته الأمنية وتحصيناته في الوحل.
ما يحدث في الضفة من ثورة على المحتل الصهيوني بكل الأدوات والأشكال والأماكن تعتبر إنجازًا استراتيجيًا يؤسس لمرحلة مهمة جدًا، وواعدة في تاريخ المشروع الوطني الفلسطيني.
ثلاثة عناوين مهمة جدًا أدت لتحطيم نظرية الأمن الصهيوني، وحوّلت قوة الردع الصهيوني إلى رماد، كما أعادت الروح إلى الوطن العربي والإسلامي، وأعادته إلى نهج العداء والتناقض مع المشروع الصهيوني وكل أدواته في المنطقة من مطبعين وتسوويين،
وما يحدث في الشارع العربي والإسلامي، وما شاهده العالم في الملاعب مؤخرًا، يؤكد على تجذّر وقوة هذه الروح العربية والإسلامية.
لن تغمد قوى المقاومة في غزة سيف القدس، لكن الوجه الأمضى والأقوى لسيف القدس وُجد في الضفة الغربية، في القدس وشوارع بيتا وبرقة وأمام حواجز القتل الصهيوني، نعم تمثل سيف القدس واقعًا ملموسًا في كل أرضنا المسلوبة عام 1948، وهذه المعركة الدائرة الآن في النقب للحفاظ على الارض والهوية والرواية الفلسطينية إحدى تجليات سيف القدس.
إن الصراع الدائر على الضفة الغربية يختزل مستقبل الصدام بين المشروع الوطني الفلسطيني الأصيل والمقاوم وبين المشروع الصهيوني؛ لأن العدو الصهيوني يدرك تمامًا أن اغتصابه لفلسطين بدون القدس والضفة سيبقى بلا معنى ولا عنوان؛ لذلك يعتبر هذا العدو أن الضفة أكثر قدسية في عقيدته السياسية من الساحل بكل مدنه وشواطئه وموانيه، وذلك يبدو لكل من يَتوهم أو يتسرب إليه أمل زائف أنه يمكن أن تقام دولة فلسطينية في الضفة وغزة؛ القيادة الصهيونية منذ 35 عامًا تعلن ذلك على الملأ، وقيادة التسوية في رام الله سمعت هذا الكلام من قادة العدو وفي الاجتماعات مئات المرات، وكذلك من يعود إلى مفاوضات أوسلو والتي قادها رئيس سلطة رام الله محمود عباس يصل إلى حد اليقين المطلق أن (إسرائيل) لن تسمح بدولة في الضفة الغربية، حتى لو كانت منزوعة الانتماء والهوية والسلاح.
في كل لحظة يؤكد الشباب الثائر في الضفة الغربية أنه لن يتراجع أو يهادن مع هذا العدو، وأن سبب جنون الصهيوني في الضفة هو إدراكه لهذه المعادلة، معادلة أن الضفة ستبقى خزان الثورة ولن تسمح للمشروع الصهيوني بالتجذر فيها.
إن هذا الفهم في مكان الضفة الاستراتيجي في الصراع القائم بين مكونات مشروع المقاومة في فلسطين والمنطقة وبين المشروع الصهيوني، والذي بدأ في استنفار كل أدواته العلنية والسرية في هذه المواجهة من أنظمة العلاقات السرية في الوطن العربي، ومن أبواق الرواية الصهيونية، وبأقنعة عربية كمنصور عباس، وصولا إلى سلطة التسوية في رام الله، ونجد أن كل هذه الأذرع التي تخدم المشروع الصهيوني تحاول إنقاذه قد استنفرت هذه الأيام في وقت واحد؛ نتيجة المأزق الذي يعاني منه العدو على مستوى الشرعية، والأمن، والسعادة المريحة.
لا يمكن لأي مراقب أن يفصل بين استدعاء العدو كل أذرعه السرية والعلنية، وبين المأزق الذي يشعر به. ويزداد هذا المأزق كل يوم؛ نتيجة أوراق القوة التي راكمها مشروع المقاومة في المنطقة، ابتداءً من الأجنحة العسكرية لقوى المقاومة الفلسطينية، والحراك الشعبي الفلسطيني خاصةً في الضفة، وليس انتهاءً بالملف النووي الإيراني، وحالة النهوض الشعبي في المنطقة، والتي تزداد اتساعًا ومصداقية.
لعل ما قام به الرئيس السابق دونالد ترامب، من استخدام البلطجة ضد بعض الأنظمة العربية؛ لتغادر العلاقات السرية إلى العلنية مع الكيان، وربط وجود النظام فيها بالتحالف مع العدو الصهيوني، وكان ذلك واضحًا في تصريحه الشهير "لولا إسرائيل لن يستطيع النظام السعودي الصمود أكثر من أسبوعين"، ولولا المختل سياسيًا ووطنيًا منصور عباس؛ لاستمرت لعبة الانتخابات الصهيونية حتى هذه اللحظة، ولولا سلطة أبو مازن في رام الله؛ لاستطاع ثوار الضفة اقتلاع العدو من الضفة الغربية، وحتى حرمان المستوطنين الاقتراب من الأقصى.
إن المعركة الدائرة على الضفة تمثل الهمّ الرئيس لقوى المقاومة والشعب الفلسطيني، هذا يدفع الكل الفلسطيني أن يجعل من الضفة كرة لهب في وجه المشروع الصهيوني في فلسطين، ويتمثّل ذلك باستدعاء كل الأدوات وأوراق القوة المناصرة للفلسطينيين ولمشروعهم الوطني التحرري؛ للالتقاء في هذه المعركة.
يجب أن تكرس قوى المقاومة كل طاقاتها ووقتها وأدواتها، وتسخر كل مقدراتها من أجل معركة الضفة، ويجب أن يشعر كل إنسان في الضفة أنه في مركز الاهتمام والدعم الفلسطيني، وأن ندرك جميعًا أن أي إنجاز فلسطيني في الضفة مهما كان صغيرًا سيشكل طعنةً كبيرة لأدوات المشروع الصهيوني ومشروعيته في المنطقة.
إن اعتقاد السلطة الفلسطينية في رام الله أن الهدوء الأمني في الضفة، وملاحقة كل من يحاول كسر هذا الهدوء من مقاومة شعبية أو مقاومة إعلامية أو عسكرية، وكذلك رضا المحتل الصهيوني عن أدائها وعن رموزها، سيحقق لها الاستمرار والشرعية، هو في الحقيقة اعتقاد خاطئ تماما.
العدو له أهدافه الاستراتيجية التي لا تتفق بالمطلق مع أي تطلعات فلسطينية، مهما كانت صغيرة أو متواضعة، وكل العوامل الأخرى غير الصهيونية هي عوامل مساعدة لهذا المشروع الصهيوني، مثل السلطة في رام الله ليست سوى وقود وأدوات لهذا المشروع الصهيوني.
إن الضفة وهذه الثورة التي تندلع في كل مكان وبكل الأدوات، يجب ان تبقى الخيار الفلسطيني الأهم في هذه المرحلة، وأن نعتقد اعتقادًا جازمًا أن الضفة الغربية هي المقتل الأكيد للمشروع الصهيوني، وفقدانه كل مباراته التوراتية المحرفة والدينية المزيفة، وبدلا من إضاعة الوقت والجهد في اتهامات هنا وهناك، او إطلاق مبادرات لا يكتب لها النجاح، و لا تخدم الأهداف الوطنية العليا، يجب على الكل الفلسطيني، وخاصة فصائل المقاومة، رهن كل مقدراته من أجل دعم الضفة الغربية وثوارها، وهذا سيؤدي الى خلق سلطات معنوية قادرة على التغيير، كما حدث في انتفاضة الحجارة عندما كانت سلطة أبطال الانتفاضة أقوى من سلطة المحتل.
المطلوب حالة من الدافع الفلسطيني الداخلي لصالح تيار وثقافة المقاومة، وهذا أقصر الطرق لترتيب البيت الفلسطيني، بدلا من إضافة 14 عاما أخرى في مصالحة الكل يدرك أنها مستحيلة، كاستحالة الاعتراف بالعدو من فصائل المقاومة.
وستبقى الضفة الغربية -بشبابها ومخيماتها ومدنها وجبالها- هي كل السر التي ستهدم كل الحصون، وتقتل المحتل ومستوطناته.