وضع محمد رأسه على الوسادةِ بعد يومٍ مُثقلٍ بالهموم، سمع صوت طفلته "جنان" تبكي، قفزَ مفزوعاً عن فراشه؛ ليجد سرير طفلته غارقًا بالماء، التفت والدمع ينسكب من عينيه نحو طفلتيه الآخرتين "شام ومريم"، فوجدهما تمسحان الماء الذي أغرق أجسامهما، وترتعشان من البرد القارص.
أسرع محمد وزوجته بتهيئة مكانٍ يرتفع قليلًا عن سطح الغرفة؛ لحماية أطفالهم من ماء الأمطار، التي اقتحمت الغرفة من تشققات ألواح (الزينكو)، وتسللت عبر الجدران والزوايا، نفض محمد جسده الذي ابتل بالماء، رافعًا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ إِلَى السَّمَاءِ قائلًا: "رحمتك يا رب".
عاد محمد حكمت (27 عامًا) إلى وسادته يحتضن أطفاله، ويحميهم من الأمطار والرياح، أملًا بانتهاء المنخفض الجوي بأقل الخسائر ودون انتشار للأمراض الموسمية في جسد أطفاله، حاول أن يُغمض جفينه؛ لكنه عبثًا يحاول.
متزوجٌ ولديه ثلاث من البنات وهنَّ: "شام 4 أعوام، ومريم عامان، وجنان شهران"، وجلهم يعيشون في غرفتين على الطابق الثاني فوق بيت شقيقه؛ تلك الغرفتين تفتقدان لمعايير الأمن والسلامة؛ فأسلاك الكهرباء معلقة على الجدران، والمطبخ عبارة عن زاوية بين جدار دورة المياه وجدار الغرفة.
أصعب ليلة
كالعادة، نام محمد وأطفاله في الغرفة؛ لكنه اتخذ بعض الخطوات الاستباقية تزامنًا مع سماعه عن منخفض جوي قادم، رفع كل ما يملك من أثاث داخل غرفته؛ تحسبًا من اقتحام الماء، لكن "الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن".
الرياح شديدة، وصوتها مخيف ومرعب؛ فالألواح ترتفع تارة، وتهبط كالصاروخ تارة أخرى، محدثة أصواتاً لا يمكن تحمل سماعها، "هل سقطت ألواح الزينكو علينا؟،" "الحمد لله لم تسقط؛ لكن سمعت شيئًا ما يتطاير، وقف محمد أمام سريره متفاجئًا: هذا ضوء القمر، ماذا يحدث؟!، اقترب قليلًا من الجدار لتقع المفاجأة..نافذة الغرفة قد تطايرت فعلًا من شدة الرياح!.
ارتبك محمد وزوجته كثيرًا، ماذا أفعل؟، أين أتوجه؟، كيف نحمي أطفالنا؟!، أسئلة كثيرة جالت في خاطره، ودون تفكير كلمح البصر، خطف محمد نفسه، وخلع نافذة الغرفة الثانية المجاورة، وثبتها بطريقة عاجلة لحماية أطفاله.
لم يتوقف خطر الأمطار التي أغرقت الغرفة والرياح التي كسرت النافذة عند هذا الحد؛ فالكهرباء أيضًا قد فصلت ولم يبقَ سوى ضوء القمر وكشاف الهاتف النقال، تجول محمد في غرفته، وحاول إزالة الماء؛ لكنه عبثًا يحاول.
هدأت العاصفة، وانتهى المنخفض، ولا تزال آثاره المأساوية تُحيط بعائلة محمد، يقول لمراسل "شمس نيوز": "لا أحب فصل الشتاء؛ لأن حياتنا تُصبح جحيمًا "نغرق، نمرض" نعاني الأمرّين من المياه والبرد القارص".
ويضيف محمد بتواضع، "أعمل ببيع الملابس في الأسواق الشعبية منذ الفجر حتى ساعات المساء، وأتقاضى مبلغًا ماليًا زهيدًا، يصل في الغالب إلى 20 شيكلاً فقط، لا تلبي احتياجات الأسرة، فكيف أتمكن من بناء سقف المنزل أو تشييد الأعمدة، كما طلبت مني إحدى المؤسسات الخيرية".
في الماضي طلبت إحدى المؤسسات الخيرية من محمد رفع 4 أعمدة لتتمكن من بناء سقف المنزل، استدان محمد مبلغًا من أحد الأصدقاء؛ فشيد عمودًا واحدًا فقط، ولا يزال يحاول البحث عن أهل الخير ليساعدوه بما يجودون.
رغم قساوة الحياة في منزل محمد ومرض طفلته شام، إلا أن باحثة الشؤون الاجتماعية التي زارت منزله في يوم من الأيام لم تُسجل اسمه للاستفادة من برامج وزارة الشؤون، قائلًا: "ذهبت وحاولت كثيرًا لمراكز الشؤون؛ لكن دون جدوى؛ فاسمي ليس موجودًا، ولم يدخل البرنامج كما قالوا لي".
يتمنى محمد الحصول على حقوقه من وزارة الشؤون الاجتماعية؛ كونها تُقدم مساعدات للفقراء والأسر المتعففة التي تعاني الأمرّين كحالته، بينما يأمل من أهل الخير مساعدته في تشييد سقف المنزل، أو إمداده بما يرونه مناسبًا؛ لترميم الغرفة لحماية أطفاله من برد الشتاء وحر الصيف.