إنهم الشهداء، فوارس فلسطين، يولدون في أجمل الأزمنة والأمكنة، يعطرون البلاد بروحهم وريحانهم، ويسيرون في صفوف الجهاد، قافلة من العاشقين لا تنتهي، ويرتقون شهداء على طريق القدس.
ميلاد فارس:
كانت مدينة طولكرم على موعد مع فارسها مراد محمد أبو العسل في 30 يناير 1979م، لعائلة مؤمنة بدينها ووطنها. ودرس مراد في مدارس عنبتا حتى أنهى المرحلة الابتدائية، ثم خرج من المدرسة ليزاول العمل في عدة مجالات مختلفة.
روح وريحان:
تميز الفارس مراد بطيبة قلبه، وكان طائعاً ومخلصاً لله، ومحافظاً على الصلاة في المسجد، كما عُرف محبوباً من كل جيرانه وأهله، وعطوفاً رحيماً بأهله.
سعى دائماً ليحقق أهدافه بنفسه، وهو ذكي جداً مع أنه لم يكمل دراسته، وهو ما ظهر في طور عملية خداع المخابرات الصهيونية لعدة أشهر.
في صفوف الجهاد:
اعتقل المجاهد مراد عند جيش الاحتلال لأكثر من مرة على خلفية إلقاء الحجارة على جنود المحتلين وقطعان المستوطنين.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، أصبح مراد من ضمن الخلايا السرية العاملة في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ومن ضمن المهام التي قام بها عملية زرع عبوة ناسفة بالقرب من إحدى المستوطنات الجاثمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م.
كانت مهمة مراد زرع العبوة ليتم تفجيرها عن بعد، إلا أنه تم اعتقاله وهو في إطار تنفيذ المهمة، وتم اقتياده إلى مركز التحقيق، وهناك التقى مع ضابط المخابرات في المنطقة الذي عرض عليه الإفراج عنه مقابل الارتباط مع المخابرات، وبسرعة كبيرة وافق مراد على طلب المخابرات.
وعند الإفراج عنه وعودته محملاً بمهمة إحضار معلومات عن المقاومين، خاصة الشهيد معتصم مخلوف، فتوجه مراد إلى قائده الشهيد معتصم وأبلغه بما حدث معه، فوافق الشهيد معتصم ورفع الأمر إلى قيادة سرايا القدس، وهي بدورها أدارت عملية توجيه الفارس مراد لكيفية ونوعية المعلومات التي يتم نقلها للمخابرات، حتى إن السرايا أخذت تزرع عبوات ناسفة وتبلغ مراد عنها ليقوم هو بدوره بإرسالها إلى ضابط المخابرات.
وبالفعل تحضر قوات من الجيش إلى الموقع المحدد لتقوم بتفجير العبوات. هذه المعلومات الدقيقة من الفارس مراد إلى ضابط المخابرات جعلته يثق به، وهو لا يعلم أن هذه المعلومات ضمن خطة محكمة للنيل من الضباط، الذين ظنوا أن مراد سيكون عميلاً لهم، فيما كان يخبأ الموت لهم.
شهيداً على طريق القدس:
وبعد عملية استخبارية دامت ما يقرب من ستة شهور، ضد العدو ومخابراته من خلال إعطائهم معلومات ليثقوا بالاستشهادي مراد حانت ساعة الصفر.
وبدأ الإعداد للعملية التي تعتبر من أكثر العمليات تعقيداً وصعوبة. وقام الشهيد القائد إياد صوالحة بتجهيز الاستشهادي مراد بنصف كيلو من المواد المتفجرة (TNT) وخبأها في جسده، ليقوم بتفجيرها في ضباط المخابرات.
وحسب الموعد المحدد بين الاستشهادي وضباط المخابرات تم اللقاء على حاجز الطيبة في منطقة المثلث المحتل، وقبل ركوبه بالسيارة تم تفتيشه، إلا أنه لم يتم العثور معه على شيء، وعندما صعد السيارة ورکب ضباط المخابرات معه بنفس السيارة، كانت سيارة أخرى تقف خلف سيارة المخابرات مباشرة وهي أيضا تابعة لهم.
وأعلن الاستشهادي صرخته بالتكبير وفجر جسده الطاهر في ضباط المخابرات في 30 يناير 2002م، في يوم ميلاده ليكون ميلاد جديد في جنات الخلد. وأدت العملية لمقتل اثنين من الضباط الذين كانوا معه في السيارة وأصيب عدد آخر ممن كانوا في السيارة الأخرى.