مرة أخرى اعلن عن تأجيل القمة العربية التي كان من المقرر انعقادها في نهاية اذار مارس المقبل في الجزائر, ففي العام الماضي تأجلت القمة بحجة "كورونا" وخوفا من إصابة الزعماء العرب بهذا الوباء, رغم ان هؤلاء الزعماء انفسيهم يحضرون المهرجانات الغنائية ويفتتحون دورات للألعاب الرياضية ويلقون خطابات امام مجلس الامة والنواب, ولكن في هذا العام لم تعلن مصادر رسمية عن اسباب فشل عقد القمة العربية في الجزائر, ويبدو ان هناك أمور كثيرة دفعت باتجاه تأجيل القمة العربية تمهيدا لسحبها من الجزائر بعد ان أبدت الجزائر على لسان الرئيس عبد المجيد تبون جدية كبيرة في حل الخلافات العربية العربية, وطرح القضية الفلسطينية كقضية مركزية يجب التعاطي معها بجدية اكبر ووقف سياسة التطبيع العربي الخليجي المجاني مع الاحتلال الصهيوني, بالإضافة الى مناقشة ملف الصحراء الغربية والصراع الدائر بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو عليها, وإعادة سوريا الى الحظيرة العربية مجددا ومشاركتها في القمة العربية, وقد سعت القيادة الجزائرية لوضع حلول جذرية لهذه القضايا, وعملت على فتح قنوات للحوار مع الفصائل الفلسطينية المختلفة ومع السلطة الفلسطينية بهدف توحيد الموقف الفلسطيني, وتسهيل مهمة الجزائر في إعادة القضية الفلسطينية ببعدها العربي والإقليمي الى مكانتها الطبيعية, وإعادة الدعم السياسي والمالي للسلطة الفلسطينية بعد ان تنصلت العديد من الدول العربية من التزاماتها المادية تجاه السلطة, وتشتت الموقف العربي في دعم الحقوق الفلسطينية امام المؤسسات الدولية وامام دول العالم, مما اعطى إسرائيل الفرصة لفرض سياستها وتمرير مخططاتها دون رقيب او حسيب.
ما كان يخشاه زعماء الدول العربية المشاركة في قمة الجزائر ان تفتضح امورهم, ويفرض عليهم بيان ختامي يجرم التطبيع والتعامل مع "إسرائيل" وهم الذين قطعوا أشواط طويلة في العلاقة معها, ولم يعودوا يتقبلوا أي محاولات لإبعادهم عنها, فالإمارات والبحرين والمغرب والسودان والسعودية وغيرهم تجهر بفجور بعلاقاتهم "بإسرائيل" ويندفعون بغريزة شاذة الى الارتماء في حضن إسرائيل "النجس" ويرغبون في إقامة تحالفات معها لقمع الشعوب والمعارضة واي حراك شعبي يهدف للتغيير, ولمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يرغبوا في التخلص منها بحجة اطماعها في المنطقة العربية, وكأن ايران لها أطماع, و"إسرائيل" التي ترفع شعار "دولتها" من الفرات الى النيل ليس لها أطماع, تلك الدول العربية التي توافقت على عاصفة حزم ضد اليمن الشقيق الذي يتعرض اطفاله وشيوخه ونساؤه للقتل والتشريد, ولم تتوافق على قرار يدين "إسرائيل" على جرائمها في ملحمة سيف القدس البطولية وسياسة هدم الأبراج السكنية وقتل المدنيين الأبرياء بشكل ممنهج, او انتهاكاتها لحرمة المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين, وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه الى السماء, او انتهاك حرمة الحرم الابراهيمي الشريف, فكيف يمكن بالله عليكم ان تنعقد قمة عربية في ظل هذا الواقع المؤلم الذي تشهده الشعوب العربية, وتقف مشدوهة امامه وكأن ارادتها تسلب منها, والواقع الذي جبلت عليه بات يتغير في لحظة امام اعينها, و"إسرائيل" العدو التاريخي للامة يقدم اليوم على موائد الزعماء العرب بأنه صديق وحليف وهناك مصالح مشتركة معه .
العرب يتشرذمون، ويضعف تأثيرهم الخارجي الى ابعد الحدود، ولا ينظر لهم عدوهم الا بنظرة السادة والعبيد، فقد قبلوا ان يكونوا عبيدا لأمريكا و"إسرائيل" وتسوقهم اقدارهم الى "الذلة" لأنهم يبتغون العزة من غير الله عز وجل وكلما فعلوا ذلك اذلهم الله، وهو ما عبر عنه الأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية عبد اللطيف عبيد الذي قال، أن "جامعة الدول العربية هي صورة عن الوضع العربي الإقليمي العربي، وهو وضع ممزق ومشتت.. حيث يعاني العرب من التشتت وعدم التوافق، وتخترقهم مشاكل كبيرة بعضها داخلي وأخرى قوى إقليمية على رأسها إسرائيل" مضيفا "يجب أن نعود للأهداف التي قامت عليها الجامعة العربية، وهي: التعاون والتضامن والوحدة.. وهذه أهداف ضعيفة واقعيا", ويبدو ان الجهود التي تبذلها الجزائر لإنقاذ القمة ستبوء بالفشل في ظل التشتت العربي الغير مسبوق في المواقف وحالة عدم الاستقرار الداخلية التي تشهدها العديد من العواصم العربية, فزيارة الرئيس الجزائري لمصر تأتي في اطار جهود الجزائر لإنقاذ القمة العربية, وقد كلف تبون وزير خارجيته بزيارة دول عربية، حيث زار السعودية ثم الإمارات ومصر، وقطر, لكن لم يعد العربي هو المتحكم بعقد القمة, انما هناك جهات أخرى تضع البيان الختامي للقمم العربية قبل انعقادها, فأمريكا لها دور, وإسرائيل لها دور, واكرم للجزائر قيادة وحكومة وشعب ان تنأي بنفسها عن قمة محكومة بمصالح "إسرائيل" وزعماء ملطخة أيديهم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم والغارق في دماء الفلسطينيين والعرب, فجزائر المليون ونصف المليون شهيد تريد ان تستضيف قمة حقيقية تشهد حلولا للخلافات العربية العربية .