قائمة الموقع

ما لم يُقَل في قصة "أسامة السرسك": فداكِ يا أمي!

2022-01-30T21:24:00+02:00
أسامة السرسك.png
شمس نيوز - (خاص) مطر الزق

زخاتٌ غزيرة من الأمطار .. مستنقعات من الماء تُعيق عمليات البحث والحفر .. حالة من الخوف الشديد سيطرت على "عرفات"؛ بعد ساعتين من اختفاء طفله.. دقائق ما قبل المشهد الكارثي تخبرنا أن عرفات السرسك كان يسعى هو وأطفاله للبحث عن مصدر رزقهم بين أطنان القمامة؛ غير أنَّ حياتهم انقلبت في لحظة وضحاها رأساً على عقب؛ بعدما اختفى الطفل "أسامة" بشكل مفاجئ.

تفاصيل القصة الكارثية بدأت قبل ساعتين من المشهد أعلاه؛ إذ طلب "عرفات" من طفله "أسامة" أن يضع كيساً منتفخاً جراء حشوه بـ(الأواني والبلاستيك) عند شقيقه مهند، الذي يختبئ من غزارة الأمطار أسفل "عربة كارو يجرها حمار"، لحظتها اختفى أسامة مرة وإلى الأبد، فلم يصل إلى عمه ولا إلى حضن والدته، بل إلى مستقر رحمته تعالى.

"أين أسامة.. أسامة ليس هنا".. وبدأت رحلة بحث الأب وشقيقه داخل "مكب النفايات" في منطقة جحر الديك شرق قطاع غزة (تبلغ مساحته 200 دنم)؛ وقصَّ الوالد أثره ابنه أسامة في المكان، وهو ما ساهم في سرعة العثور على فلذة كبده.

تدور في رأس الأب المكلوم كثير من الأسئلة المقلقة، أين ذهب الطفل؟ قد يكون عاد إلى البيت دون إخبارنا؟ هل ذهب لقضاء حاجته؟..بعدها تواصل الأب مع زوجته التي أصيبت بقشعريرة عند سؤالها عن الطفل، لتخبر زوجها: أسامة لم يعد!، بعدها اتجه للجهات المسؤولة عن "مكب النفايات" دون الحصول عن إجابة تهدئ من روعه.

ساعتان من البحث، ساعتان من القلق، ساعتان من الدموع والألم، وبعد ذلك لم يبقَ أمام الرجل إلا أنْ يطلب النجدة من الجهات المسؤولة، التي بدورها أرسلت آلة الحفر الكبيرة (الباغر)، واستمرت عملية البحث ساعات عدة، وسط قلقٍ من الجميع حول مصير الطفل أسامة.

بعد وقتٍ طويل، ومع إسدال الليل لستاره، وبينما تمطر السماء المكان بزخات من الأمطار، حلتْ الكارثة التي ظهرت من بين أسنان آلة الحفر، فصرخ الوالد المكلوم بصوت عالٍ: "توقف.. هذه الأواني والأدوات البلاستيكية التي كان يحملها أسامة".

فقد الأب روعه، وصار يبحث بقلبه قبل يديه وعينيه، وما هي إلا لحظتها، حتى أُصيب الجميع بذهول من هول ما رأوا: نعم إنه أسامة.. نصف جسد، نصف رأس، نصف أمعاء!

حادثة وفاة الطفل "أسامة عرفات السرسك" في مكب النفايات في منطقة "جحر الديك" شرق قطاع غزة، أثارت تساؤلات عدة أبرزها: ما الذي يدفع عرفات وأطفاله للبحث عن معادن وأوانٍ بلاستيكية في أكوام النفايات لا سيما في ظل أجواء البرد القارص؟، فيجيب عمه سريعاً: "ما برميك على المر إلا الأمر.." نعيش أوضاعاً معيشية صعبة منذ أعوامٍ عدة، وهو ما يدفعنا كعائلة للتنقيب عن قوت أبنائنا داخل أكوام القمامة.

"عائلتنا إذا لم تتمكن من العمل ليوم واحد، فهي فعلياً لن تستطيع توفير قوت أطفالها، ولحظتها سأنام أنا وأطفالي جوعى".. هذه هي حياة شهيد لقمة العيش الطفل أسامة، كما وصفها عمه عبدالكريم.

كل ما كان يتمناه أسامة أن يعيش كأطفال العالم؛ وأنْ يعيش برفاهية، وأن يرسم الفرحة والسرور على وجه والده ووالدته وأشقائه، وهنا لابد من الإشارة إلى أنَّ "أسامة" هو الأكبر بين إخوانه، فوالده أنجب 6 بنات وطفلين هما "أسامة (14 عامًا)، ومهند (12 عامًا)".

فداك يا امي!

الأم المكلومة تروي قصتها الأخيرة مع ابنها أسامة، وهي كل ما يعلق في ذهنها الشارد جراء كارثة فقدانها لفلذة كبدها، تبكي هي فتقول: "استدنت 5 شواكل من أسامة، كان يخبئها في غرفته، فلم يبقَ له سوى شيكل واحد داخل حصالته، ووعدته أنْ أعيد المبلغ له، قال لي وهو يبتسم (فداك يا أمي)".

كما وتستذكر أم أسامة، أنها قبل يوم من الحادثة المفجعة، طلب منها ابنها رقائق السبانخ، وأثناء إعداد الطعام على "النار والحطب" طلب أيضًا زيادة الكمية، وذلك لإطعام أقرانه من الجيران: فهو لا يُحب أن يأكل وحده.

ألف أسامة في غزة!

لم يكن أسامة هو الطفل الوحيد الذي يبحث عن مصدر رزق له ولأسرته بجمع البلاستيك والأواني للحصول في نهاية اليوم الشاق على مبلغ زهيد لا يتجاوز الـ 20 إلى 25 شيكلًا، فقد أصبح قطاع غزة مليئاً بالأطفال الباحثين عن العمل لذات الظروف الصعبة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية.

المختص الاقتصادي د. أسامة نوفل، يشير إلى أن سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة منذ أكثر من 16 عامًا هي السبب الرئيس لانتشار ظاهرة بحث الأطفال عن مصدر رزق لهم ولأسرهم على المفترقات الرئيسية، أو في المهن المختلفة كمهنة جمع البلاستك والأواني.

ويقول د. نوفل لـ"شمس نيوز": "زادت الأمور سوءًا في قطاع غزة منذ عام تقريبًا، فرغم المعاناة، وقلة توفر فرص عمل منذ سنوات، إلا أن نحو 79 ألف أسرة فقيرة لم تتلقَ أي مساعدات من الشؤون الاجتماعية التي تخفف عنهم معاناة الحياة القاسية".

البرد الشديد في فصل الشتاء، والمبلغ الزهيد، وقتل روح الطفولة لدى الأطفال، كلها أمور عدها د. نوفل من المخاطر التي تواجه الأطفال في قطاع غزة، داعيًا إلى مساعدة الأطفال في مواجهة الفقر المدقع الذي تعاني منه آلاف الأسر.

ولفت د. نوفل إلى أن 16 عامًا من المعاناة في قطاع غزة خلقت حالة من التشوه وعدم وجود أفق لدى العائلات؛ بسبب عدم توفر فرص العمل، وعدم القدرة على إيجاد مصدر دخل ثابت لتلك العائلات، وهو أمر يُجبر أعداداً كبيرة للبحث عن لقمة العيش حتى وإن كان في القمامة.

ويبلغ عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة -وفق نوفل- 240 ألف مواطن، لافتًا إلى أن الإحصائية الرسمية الصادرة عن الإحصاء الفلسطيني تشير إلى أن 53% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر، و32% تحت خط الفقر المدقع، أما الإحصائيات الصادرة عن المجتمع الدولي تؤكد أن 93% يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وجلها مؤشرات تشير إلى خطورة الوضع الاقتصادي في غزة.

اخبار ذات صلة