قائمة الموقع

"طريق الحرية" لا يمُـرّ عبْرَ التوسُّل والرجاء

2022-02-02T14:07:00+02:00
خالد صادق.jfif
كتب خالد صادق

يحضرني موقف الصحابي الجليل والخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه وأرضاه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم زادت حركة الردة في الجزيرة العربية، وهناك مرتدون ظنوا أن الزكاة لا تؤدى إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم اعتقدوا أنها سقطت عنهم، وامتنعوا عن أدائها، فقرر الصديق رضى الله عنه مقاتلتهم عليها، وفي هؤلاء راجع الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه أبا بكر، قال عمر لأبي بكر رضى الله عنهما: علام تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، فقال أبو بكر رضى الله عنه قولته الشهيرة: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه.

أسوق هذه العبرة للدلالة على أن هناك أموراً لا يجوز المساومة عليها مطلقاً؛ لأنها من الثوابت التي لا تخضع للحوار ولا النقاش، والقضية الفلسطينية فيها من الثوابت والمسلمات التي لا يمكن ان تكون محل نقاش او حوار، فهل يمكن ان يقبل شعبنا مثلا أن يحرم من عاصمته القدس وفيها المسجد الأقصى المبارك، وهل يمكن لشعبنا أن يساوم على حق العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية، وهل يمكن ان يحرم شعبنا ومقاومته الباسلة من حق مجابهة الاحتلال وإفشال مخططاته واطماعه في ارضنا الفلسطينية المغتصبة وفي مقدساتنا، هناك أمور لا تقبل التأويل ولا التنازل ولا التفريط لأنها من الثوابت التي لا يجوز مناقشتها او طرحها للتفاوض، ومن هذه الثوابت الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الصهيوني.

صحيفة يديعوت احرونوت العبرية كشفت عن مطالبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال اللقاء الذي جمعه قبل نحو شهر بما يسمى بوزير الحرب الصهيوني بيني غانتس، حيث رفع أبو مازن لغانتس طلباً حساساً حسب تعبير الصحيفة العبرية أن أطلق سراح أسرى فلسطينيين كبادرة إسرائيلية للسلطة الفلسطينية. وهذه المرة الثانية التي يطلب فيها أبو مازن من غانتس تحرير أسرى فلسطينيين، حيث سبق أن طرح في اللقاء الأول بينه وبين المجرم غانتس الذي انعقد في آب الماضي بمقر رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله نفس الطلب. دون ان يحظى طلبه بمجرد الطرح او المناقشة إسرائيليا، وكان طلب أبو مازن هو تحرير 25 أسيراً قديماً من اسرى حركة “فتح” الذين تحتجزهم "إسرائيل" قبل التوقيع على اتفاقات أوسلو، وسجناء مرضى أيضاً؛ ولأن المجرم غانتس لا يملك اتخاذ مثل هذا القرار بمفرده لم يرد على طلب أبو مازن، وقال له “سنبحث الموضوع “، لكن التقدير أن حكومة "إسرائيل" بتركيبتها الحالية لن تتمكن من احتواء تحرير "مخربين" حتى لو كان هؤلاء سجناء من “فتح” كباراً في السن ممن حكم عليهم قبل التوقيع على اتفاق أوسلو, والواضح ان أبو مازن لا يريد ان يتعلم من تجاربه التفاوضية الطويلة مع الاحتلال, ويظن ان سياسة التوسل والاستجداء ستوصله الى مراده بإطلاق سراح سجناء فلسطينيين, حتى السجناء الذين يطالب أبو مازن بإطلاق سراحهم هم من حركة فتح فقط, ومن المرضى وكبار السن واسرى ما قبل أوسلو, وهذا يعني انه لا يمثل الكل الفلسطيني, ويصنف الاسرى وفق معايير الاحتلال, وانه بات عاجزا عن انتزاع أي حق من حقوق شعبنا الا بالاستجداء.

طريق الحرية لا يمر عبر التوسل والرجاء، والأسرى هم فخرنا وعزنا وعنوان كرامتنا، وطريق تحريرهم معلوم للجميع؛ لأن الحقوق لا تمنح إنما تنتزع انتزاعا، والواجب يحتم على السلطة الفلسطينية أن تغير من أساليبها ونهجها لانتزاع الحقوق من الاحتلال, عليكم ان تنظروا الى المقاومة وكيف استطاعت ان تطلق سراح مئات الاسرى في عمليات التبادل، وكيف أن كتائب القسام التي تحتجز أربعة من الجنود الصهاينة تملي شروطها على الاحتلال، وتتحدث بلغة العزة مع هذا العدو البغيض، فتتحرك الوساطات العربية والدولية والفلسطينية الرسمية أحيانا لإقناع حماس بتخفيف شروطها من أجل إبرام صفقة تبادل للأسرى، لكن حماس وفصائل المقاومة تتحدث بثبات، والله لن يخضعونا لشروطهم، ولن نقبل تصنيفهم للأسرى، ولن نتنازل عن مطالبنا مهما كان، ودفع شعبنا ومقاومته الدماء والأرواح من أجل تمسك المقاومة بمواقفها، وشنّ الاحتلال عدوان على غزة خلال أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، وقدم شعبنا أكثر من خمسة الاف شهيد منذ اسر شاليط حتى إطلاق سراحه دون ان يتراجع عن مطالبه قيد أنملة، حتى تحققت صفقة وفاء الاحرار المشرفة، وانتزع أسرانا حريتهم انتزاعا من بين أنياب الاحتلال بعزة وكرامة، واليوم يدفع شعبنا ثمن.

اخبار ذات صلة