قائمة الموقع

زيارة غانتس للبحرين والقيادة العسكرية الموحدة لدول الخليج

2022-02-05T11:29:00+02:00
غانتس في البحرين.jpg
بقلم/ ثابت العمور

يبدو أن حضور مملكة البحرين التي لا تزيد مساحتها عن 765.3كم²؛ ولا يتعدى عدد سكانها 2 مليون نسمة؛ سيكون ممتدا في خارطة تفاعلات وعلاقات دول الخليج فيما بينها من جهة وفي مسارات التطبيع والترويض من جهة أخرى، لا يتعلق الأمر هنا بمحددات السياسة الخارجية للبحرين اطلاقا، ولا بالقوة الناعمة أو حتى الخشنة، ولا بتوزيع الدول الكبرى والإقليمية في النظام الدولي ولا بنظرية الدور في العلاقات الدولية، ولكنه حضور غير مسبوق. بدأ وكأنه معد سلفا ويسير وفق خوارزمية وتراتبية منتظمة وان بدت حركتها اشبه بالقفز. فالمسافة بين مؤتمر المنامة الذي عُرض فيه الشق الاقتصادي لصفقة القرن في صيف العام 2019، وبين توقيع اتفاق التطبيع بين البحرين وكيان الاحتلال عام 2020 لا يتقاطع ولا يتشابه مع المسار المألوف للعلاقات بين الدول صراعية كانت ام تكاملية.

وتستمر البحرين في القفز لعمق المشهد بوتيرة أكبر وأكثر من الإمكانيات المتاحة للملكة لا سيما عقب التطبيع، فبدا التطبيع كرافعة معدة سلفا لمخطط عسكرة التطبيع تنفذه البحرين على الرغم بأنه يبدو أعمق من تفاعلات ومحددات سياساتها الخارجية في المنطقة بشقيها الخليجي والعربي، ولأن المفارقات في المشهد الخليجي لم تعد تحصى بل انه لا يمكن فهمها وفق مقتضيات علم العلاقات الدولية ونظرياته، فمن أهم هذه المفارقات الجمع بين الأمن القومي لدول الخليج والتطبيع.

تتكشف المفارقة في الجمع بين أمن الخليج والتطبيع فيما نشرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية في 22 تشرين الثاني 2021 وقد كتبت عنوان رئيس يقول: "قيادة عسكرية موحّدة"؛ وفي التفاصيل أن مجلس الدفاع المشترك في مجلس التعاون لدول الخليج، عقد في الرياض اجتماعاً قرر فيه "التنسيق في المجال الدفاعي" - وكأنه امرا مستحدث-، المفارقة هنا أن مجلس التعاون الخليجي الذي أسس العام 1981، وقرر في العام 1982 تأسيس قوة خليجية مشتركة سميت بقوات درع الجزيرة المشتركة، ولكن مجلس التعاون استدعى التنسيق الدفاعي في نهاية العام 2021 وعلى وقع التطبيع، وترأس مجلس الدفاع المشترك هذا في دورته الثامنة عشر الفريق عبد الله النعيمي وزير شؤون الدفاع بالبحرين.

بعد أقل من شهرين فقط سيكون الفريق عبد الله النعيمي الذي ترأس مجلس الدفاع الخليجي المشترك لبحث التنسيق الدفاعي بين دول الخليج؛ في استقبال وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس الذي وصل مطار البحرين مرورا بالأجواء السعودية، لتكون أول زيارة تاريخية لوزير الأمن الإسرائيلي للبحرين ودول الخليج، ولأن المفارقات في المشهد الخليجي متعددة تُوجت زيارة بيني غانتس بتوقيع اتفاق أمني غير مسبوق خليجيا بينه وبين النعيمي في مقر وزارة الدفاع البحرينية "لتعزيز التعاون الاستخباراتي وإقامة أساس للتدريبات وتمرير تعاون قطاعي الصناعات الدفاعية للبلدين" والنص نقلا عما ذكره مكتب بيني غانتس، ولا تبدو المفارقة أكبر في حيثيات التعاون الاستخباراتي واحداثياته بين البحرين وكيان الاحتلال، بقدر ما تبدوا أكبر في قدرة البحرين على الجمع بين التنسيق الدفاعي لدول الخليج؛ والتعاون الأمني والاستخباراتي والدفاعي أيضا مع كيان الاحتلال في آن واحد وربما بذات المحددات.

لا تبدو البحرين هنا كمملكة تسير منفردة على هامش المشهد المتدحرج وان بدا سيرها كجبل الجليد يظهر منه الثلث فقط، لا سيما في قدرتها على جمع كل هذه التناقضات، بقدر ما تبدوا وكأنها تؤسس لشكل جديد من العلاقات عمادها عسكرة التطبيع لا بينها وبين كيان الاحتلال ولكن بين عامة دول الخليج وكيان الاحتلال، وبغض النظر عن الموقف الاماراتي من ذلك قبول على مضض او رفض على استحياء لدور البحرين في عسكرة التطبيع، فالبحرين ماضية بحركة انشط واسرع من الامارات في القيام بالدور المطلوب منها أمريكيا واسرائيليا؛ ويبدوا أن هناك ضوء أخضر سعودي للبحرين، فالسعودية حاضرة في الجزء المختفي من جبل الجليد الذي تقوده البحرين وتدير حركته المتسارعة صوب قلب المعادلة التاريخية في تحويل كيان الاحتلال من مُهدد للأمن القومي العربي عموما والخليجي على وجه الخصوص الى ان يُصبح - كيان الاحتلال- احد مقومات التعاون الأمني والدفاعي الخليجي.

فقبل يوم واحد فقط من زيارة بيني غانتس للبحرين كانت هناك مناورة بحرية قيل بأنها كبيرة في الخليج والبحر الأحمر أطلق عليها "أي. إم. أكس22"؛ نظمتها وأشرفت عليها القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، شاركت فيها كلا من مصر، الأردن، الإمارات، السعودية، البحرين، المغرب، السودان، اليمن، باكستان، وبنغلادش، الى جانب كيان الاحتلال الذي شارك سلاح بحريته في المناورة، وهي ليست المرة الأولى التي تشارك فيها البحرية الإسرائيلية الى جانب دول عربية فقبل شهرين كانت هناك مناورة أخرى في البحر الأحمر أيضا. بالمناسبة حرص بيني غانتس اثناء زيارته على زيارة مقر القيادة الوسطى في الجيش الأميركي بالبحرين والتقى بقائد الاسطول الخامس للجيش الأميركي الأدميرال براد كوبر، ولا تتعلق المفارقة هنا برسمنة التعاون الأمني والدفاعي بواسطة المحدد الأمريكي؛ بقدر ما هي المفارقة في مشاركة السعودية في مناورتين بحريتين في مدة وجيزة تشارك فيهما البحرية الإسرائيلية دون أن يكون ذلك تطبيعا...!

إن زيارة وزير حرب الاحتلال بيني غانتس للبحرين لا تتعلق بدور البحرين في عسكرة التطبيع فقط، بقدر ما تتعلق بالتحولات الحاصلة أولا: في محددات الأمن القومي الخليجي أولا، وثانيا: في حيثيات التعاون الدفاعي البيني لدول الخليج من جهة وتعاونها الأمني مع كيان الاحتلال من جهة، وثالثا بمستقبل القيادة العسكرية الموحدة لدول الخليج وتوافق ذلك أو عدمه مع عسكرة التطبيع.

والسؤال هل عجزت دول مجلس التعاون الخليجي بكل مكوناتها وقدراتها؛ بعد أربعين عاما على قرار تأسيس قوة خليجية مشتركة "درع الجزيرة" اجتراح ذلك، حتى بات وزير حرب كيان الاحتلال بيني غانتس عراب ذلك ومن بوابة البحرين؟!

 

اخبار ذات صلة