قائمة الموقع

لإرضاء المستوطنين: دير نظام.. قرية فلسطينية تحت الحصار منذ 50 يوماً

2022-02-05T13:35:00+02:00
اغلاق مدخل قرية دير نظام.jpg
بقلم/ جدعون ليفي وأليكس ليباك

يستند محمد يحيى التميمي إلى حائط الغرفة الصغيرة التي يستخدمها مخزناً للخردة التي يتاجر بها إذا وجدها. عمره 51 سنة، معاق ويتحرك بصعوبة جراء إصابته في العام 1987 في حادث عمل في “آزور”، المدينة التي يسميها باسمها العربي يازور. يصعد بطريقة غريبة على الدرج الذي يؤدي إلى بيته فوق مخزن الخردة. جسمه يميل جانباً ويجر قدميه شبه المشلولة واحدة تلو أخرى. إلى أعلى، في الشقة الصغيرة، يروي قصته. له ابنان في السجن، أما ابنه الصغير (16 سنة)، الذي يساعده في جمع الخردة، فقد اعتقل ليوم واحد في هذين الشهرين اللعينين، اللذين فرض فيهما الجيش الحصار على قريته.

للتميمي ثمانية أولاد، جميعهم في هذا البيت الصغير المكتظ. إزاء فقر التميمي وإعاقته المحزنة وقريته المحاصرة، لا يمكن أن نبقى غير مبالين. لم يحصل قط على تعويضات لإعاقته التي حدثت جراء حادث عمل في إسرائيل. بعد إصابته، حاول تقديم دعوى تعويض، لكن حسب قوله، تم اعتقاله بسبب دخوله إلى إسرائيل بدون تصريح، وقضى في السجن 17 يوماً. بعد ذلك تنازل، عاجزاً.

الآن، يواجه عقبات أخرى. رامز، ابنه (17 سنة) اعتقل أثناء اقتحام الجيش لمدرسة القرية في الشهر الماضي، وهو لم يره منذ ذلك الحين، وليست لديه أي فكرة عن وضعه. ابنه رجب (19 سنة) معتقل منذ سنة، حسب قوله، بسبب رشق الحجارة. وقريته كانت خاضعة للحصار مدة شهرين تقريباً. وباستثناء ذلك، كل شيء على ما يرام لدى هذا الأيوب.

عقاب جماعي

تقع قرية دير نظام في محافظة رام الله، امام مستوطنة “حلميش”، وبؤرتها الاستيطانية المتوحشة التي أقيم جزء منها على أراضيها. عندما وصلنا إلى هناك يوم الاثنين الماضي، وقف جنود ورجال شرطة على مدخل القرية وقاموا بفحص جميع السيارات. تأكد الجنود من عدم وجود إرهابيين انتحاريين، ثم فحص رجال الشرطة ما إذا كان الجميع يضعون الأحزمة وفق مطلوب، وإذا كان في صندوق السيارة مثلث تحذير. هكذا يزعجون القرية وينكلون بسكانها.

بعد عدة أحداث من رشق الحجارة في الشارع الرئيسي، قرر الجيش استخدام عقاب جماعي يفرض على جميع سكان القرية. هكذا تبدو العودة إلى سنوات الانتفاضة، العودة إلى أيام الإغلاق والحواجز. تم إغلاق الشارعين المؤديين إلى القرية ببوابات حديدية صفراء، مثلما يحبسون البهائم، وتحول المدخل الرئيسي للقرية إلى حاجز يحرسه الجنود 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع. كل سيارة يتم فحصها بدقة، ويخضع جميع ركابها للفحص. يتأخر المعلمون على المدارس، أما الأقارب والأصدقاء فامتنعوا عن إجراء الزيارات ليتجنبوا الإهانة والأعمال البغيضة التي يمارسها الجنود، والعمال يتأخرون عن العمل، والمرضى عن العيادات، والطلاب عن حصصهم… كابوس. هذا هو الأمر منذ 1 كانون الأول، طوال 50 يوماً متواصلاً.

دير نظام قرية منعزلة، لا تجاورها قرية أخرى. لذلك، كان الحصار قاسياً بشكل خاص. أمامها، في الطرف الآخر للشارع، تقع قرية النبي صالح، وهي قرية صغيرة ومشهورة أكثر منها بفضل نضال عنيد اتبعه سكانها وبفضل المظاهرات التي استمرت فيها لبضع سنوات. لا توجد في دير نظام مظاهرات ولا صراع، عدا عن صراع البقاء. هذا صراع قاس، علاماته تظهر في مشهد الفقر يلف القرية. في العشرين سنة الأخيرة غادرها نحو 300 شخص من بين الـ 1500 من سكانها، وانتقلوا إلى رام الله بسبب مضايقات الاحتلال. تقع المدرسة في وسط القرية، وهي مدرسة شاملة، من روضة الأطفال حتى انتهاء المرحلة الثانوية، فيها 220 طالباً وطالبة يتعلمون بصورة مختلطة، وفيها 24 معلماً.

في 18 كانون الثاني بدأت الدراسة في المدرسة بعد ساعة من الوقت المعتاد بسبب حالة الطقس. بعد فترة قصيرة من ذلك، تم خرق هذه المواعيد؛ فقد وصلت سيارات عسكرية إلى مدخل هذه المؤسسة التعليمية واقتحمها الجنود بالقوة دون طلب إذن أو أي توضيح للمعلمين المندهشين أو للطلاب. بعد ذلك، اكتشفوا أن مدير المدرسة الجديد، بدر شريدة، تم اعتقاله في ذاك الصباح على الحاجز المقام على مدخل القرية.

عندما دخل الجنود المسلحون الثمانية إلى ساحة المدرسة، وقف معلم الرياضيات، شاهر التميمي (32 سنة) أمامهم هو ومعلم آخر. وحاولا منعهم من الدخول غير المقبول هذا إلى المدرسة بدون تنسيق وبدون إذن. ولكن الجنود قاموا بإبعادهما من طريقهم. توجه الجنود نحو الصفوف. “أوقفوا رشق الحجارة ولن ندخل”، قال أحد الجنود للمعلم. بحث الجنود كما يبدو عن صف فيه أولاد كبار، ودخل 3 – 4 منهم إلى الصف 11. المعلم التميمي على قناعة بأنهم لم يبحثوا عن طلاب معينين.

عقبهم التميمي. وحسب قوله، اعتقلوا اثنين من الطلاب، وتشاجروا معهم بقوة. حاول أحد المعلمين ورجال النظافة منعهم بالقوة والصراخ، ولكن بدون فائدة. بعد حوالي ثلاث دقائق، خرجوا من الصف وتركوا خلفهم كراسي وطاولات مرمية. أحد الجنود صوب بندقيته نحو المعلم التميمي.

الجنود قادوهما، أحمد صالح ورامز التميمي، وهو ابن تاجر الخردة المعاق، إلى الخارج بالقوة. أما الآذنة، التي يكون أحد الطالبين المعتقلين من أقاربها، حاولت تخليصه من بين أيديهم. سُمع الكثير من الصراخ. وقرب السيارة العسكرية غطوا عيونهما وكبلوا أيديهما، كما اعتادوا دائماً، ودون سبب واضح. فيلم فيديو صوره شهود عيان يظهر اللحظة المهينة التي يقوم فيها الجنود بعصب عيني أحد الطالبين. بعد ذلك تم أخذهما إلى موقع عسكري مجاور، ومن هناك إلى مركز الشرطة. تم إطلاق سراح صالح في نفس اليوم، ولكن رامز ما زال معتقلاً في سجن “عوفر”، ولا يعرف أهله عنه شيئاً، أو بماذا هو متهم.

إرضاء المستوطنين

رئيس مجلس القرية، ناصر مزهر (57 سنة)، يتحدث عما يفعله الجيش والمستوطنون في القرية. كل حياته قضاها مقاولاً في إسرائيل، والآن هو رئيس مجلس القرية. مشكلات القرية بدأت عند إقامة مستوطنة “حلميش” في العام 1978. تم أخذ 2500 دونم من أراضي القرية، حسب قوله. مسموح البناء في القرية على 200 دونم فقط، التي هي ليست منطقة “ج”، بسبب قربها من المستوطنة. يتابع المستوطنون كل عملية بناء في القرية، ويقومون بإبلاغ سلطات الاحتلال عن ذلك. الوضع ازداد شدة أكثر عند إقامة “مزرعة تسفي”، وهي بؤرة متوحشة وعنيفة أقيمت عام 2019، بعد ذلك بدأت الهجمات على الفلاحين في القرية وعلى الرعاة الفلسطينيين الذين يجدون صعوبة في الوصول إلى أراضيهم. أما رعاة المزرعة المستوطنون فقد سيطروا على أراضي الرعي والحقول. وهناك يقومون برعي أغنامهم وأبقارهم. أحرقوا أشجار زيتون ودمروا المحاصيل. يتعاون الجيش الإسرائيلي معهم ويدافع عن زعران هذه المزرعة كالمعتاد.

في صباح 1 كانون الأول، استيقظ رئيس المجلس وأبناء القرية على حصار، بالطبع دون أي إعلان أو أي تفسير للسكان أو للمجلس. تم إغلاق المدخلين الغربي والجنوبي بأقفال وضعت على البوابات الحديدية، وعلى فيما وضعت مكعبات إسمنتية على المدخل الرئيسي للقرية، المدخل الشمالي، معززاً بجنود يحرسون الحاجز على الدوام. أساس نشاطهم، حسب أقوال رئيس المجلس، هو التنكيل بالسكان وإزعاجهم. وإن أي خروج وأي دخول إلى القرية، حتى خلال بضع دقائق، يقتضي فحصاً أساسياً من قبل الجنود. في بعض المرات، أخبرهم رئيس المجلس بأنه لم يفت على تفتيشه سوى دقائق، لكن بدون فائدة. تم إغلاق الحاجز مرة أو مرتين مدة ساعة أو ساعتين، لا دخول أو خروج، والسبب مجهول.

باحث “بتسيلم” في منطقة رام الله، إياد حداد، وثق 17 عملية اقتحام للجيش في القرية خلال الـ 50 يوماً من الحصار. معظم الاقتحامات كانت في الليل، بما في ذلك اقتحام 15 منزلاً، واعتقال 10 أشخاص من سكان القرية، إضافة إلى الطالبين. معظمهم تم إطلاق سراحهم بعد بضع ساعات. “هذا عقاب جماعي”، قال رئيس المجلس. “بسبب وجوه اشتباه بأن بعض الأولاد رشقوا الحجارة، يعاقبون كل القرية. العلاقات الاجتماعية للسكان تقلصت إلى الحد الأدنى، المعاناة كبيرة، الناس يفكرون ألف مرة قبل الذهاب إلى حفلات الزفاف أو الجنازات أو الزيارات العائلية. ثمة ضغط في القرية، وهناك أشخاص حتى ينامون عند أقاربهم في الخارج تجنباً لعبور الحاجز”.

رئيس المجلس في القرية على قناعة بأن جميع العقوبات التي فرضت على القرية تستهدف إرضاء المستوطنين في “حلميش” الذين يضغطون على الجيش لمعاقبة القرية بسبب رشق الحجارة. “نحن قرية هامشية”، قال بحزن. “ليس معنا تضامن دولي وشهرة قرية النبي صالح، لا شيء لدينا، ولا أحد يهتم بنا أو ينظر إلينا. لا نريد شيئاً سوى الوصول إلى أراضينا”.

في الأسبوع الماضي، تم فتح البوابات الحديدية، وخلا حاجز الدخول الرئيسي من الجنود بشكل دائم. هل انقضى الخطر الذي تربص بالقرية؟ هل قضت القرية كامل عقوبتها؟

قال المتحدث بلسان الجيش، في هذا الأسبوع للصحيفة: “قرية دير نظام ليست تحت حصار، وطرق الوصول إليها غير مغلقة. مع ذلك بين الحين والآخر، طبقاً لتقدير الوضع الأمني في حينه، يتم تنفيذ فحص أمني على هذه الطرق من أجل العثور على مخربين. طوال الأشهر الأخيرة حدث ارتفاع واضح في أحداث رشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة على السيارات في شارع 465، قرب دير نظام، بصورة تخلق خطراً حقيقياً على حياة المسافرين في هذه السيارات. كجزء من مواجهة هذه الظاهرة، تعمل قوات الجيش في منطقة القرية طبقاً لتقدير الوضع العملياتي، سواء بواسطة نشاطات مكشوفة أو سرية.

“في هذا الإطار، في 18 كانون الثاني 2022، لاحظت قوات الجيش عدداً من المشبوهين الذين قاموا برشق الحجارة على السيارات الإسرائيلية في شارع 465، بصورة عرضت حياة المسافرين للخطر، وفي مطاردة تستهدف اعتقال راشقي الحجارة، تم رشق الحجارة على القوة. هرب المشبوهون إلى المدرسة، بصورة أجبرت القوة على الدخول إلى المدرسة واعتقال راشقي الحجارة. علينا التوضيح بأنه تم اعتقال الأشخاص الذين شخصوا أنهم من رشقوا الحجارة، والحديث لا يدور عن اعتقال صدفي كما تم الادعاء”.

هناك شك كبير بإقناع أحد سكان القرية بهذه التفسيرات، خصوصاً التميمي المعاق. في 6 كانون الثاني، قبل شهر تقريباً، جاء الجيش إلى بيته عند الثانية فجراً وأخذوا ابنه رامي الذي يعمل معه. وهو بدون رامي لا يستطيع الخروج لجمع الخردة بسبب الإعاقة. رامي شاب مبتسم عمره 16 سنة، توقف عن الدراسة ليساعد والده في إعالة العائلة. وقد تم إطلاق سراحه بعد يوم، آلمته القيود، كما قال. وحتى الآن ما زالت علامات على مرفق يده.

بقلم: جدعون ليفي وأليكس ليباك

هآرتس 4/2/2022

اخبار ذات صلة