لا يوفّر الرئيس الفلسطيني، محمود عباسن فرصة لفرض استئثاره بالسلطة، وتأكيد أنه صاحب الرأي الأول والأخير في الداخل الفلسطيني، بغض النظر عن آراء الشركاء الآخرين المفترضين، أو مساعي التوحيد المستمرة من دون جدوى. جديد إجراءات أبو مازن الإصرار على عقد اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمقرّر اليوم الأحد، في ظل معارضة واسعة من أطراف أعضاء في المنظمة، يرون في مسعى عباس محاولة لتأكيد سيطرته على منظمة التحرير عبر ملء شواغر اللجنة التنفيذية للمنظمة، بغض النظر عن كل ما تم الاتفاق عليه سابقاً في شأن إصلاحها وإدخال أطرافٍ جديدة عليها، في مقدمتها حركة حماس، بحسب صيغة آخر نسخة من الاتفاقات الكثيرة الخاصة بإنهاء الانقسام، والتي لم يطبق منها شيء.
أثارت الدعوة الجديدة إلى الاجتماع حالة انقسام إضافية في الساحة الفلسطينية، أبطالها هذه المرّة فصائل في منظمة التحرير، في مقدمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي أعلنت مقاطعتها الاجتماع ومعارضتها ما سيصدر عنه. وطاول الأمر أيضا شخصيات تاريخية في منظمة التحرير، على غرار العضو السابق في اللجنة التنفيذية للمنظمة، حنان عشراوي، والتي قرّرت عدم المشاركة في اجتماعات المجلس، عازية ذلك إلى "قناعتها بأن هذا الاجتماع سيعزّز الانقسام، ويرسّخ حالة الجمود والتخلي عن نهج الشراكة والتغيير الديمقراطي المطلوب عن طريق الانتخابات".
لكن ذلك لم يدفع أبو مازن، ومن يدور حوله، إلى التراجع عن القرار، بل على العكس، فقد حرص المسؤولون الفلسطينيون المحيطون برئيس السلطة على التقليل من أهمية المقاطعة، إذ قال عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح، عزام الأحمد، إن عدم مشاركة الجبهة الشعبية في اجتماع المجلس المركزي لن يؤثر على شرعية قراراته ما دام نصاب المجلس مكتملاً. وهذا النصاب من السهل على أبو مازن تأمينه في ظل إمساكه بمفاتيح التمويل الخاصة بعدة فصائل صغيرة، وحتى الكبيرة، المنضوية في منظمة التحرير.
اللافت أن هذا الانقسام الجديد يأتي في ظل محاولة إضافية تقوم بها الجزائر لجمع الفصائل الفلسطينية وتحقيق المصالحة التي طال انتظارها. ومع أن كثيرين سبقوا الجزائر إلى هذه المحاولات التي باءت كلها بالفشل، إلا أن المسؤولين في البلاد هناك مصرّون على أن "مشوار المصالحة الفلسطينية انطلق"، بحسب تعبير وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، والذي قال إن لبلاده "خبرة طويلة في جمع الشمل الفلسطيني". ولكن في ظل ما تشهده الساحة الفلسطينية اليوم وتطورات الخلافات الخاصة باجتماع المجلس المركزي، ربما على الوزير الجزائري مراجعة تصريحاته، والإقرار بأن جمع الشمل الفلسطيني ليس هيّناً، ويكاد يكون مستحيلاً في ظل تباين الأولويات وتقديم المصالح الفردية على العامة، فكل المخاطر التي مرّت بها القضية الفلسطينية خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وهي عمر الانقسام، لم تنجح في دفع أطراف الخلاف الفلسطيني إلى وضع مشكلاتها جانباً. وهو ما شهدناه خلال الحملة التي قام بها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على القضية، فحينها جرى الحديث الفلسطيني عن ضرورة الوحدة لمواجهة الحملة، لكنّ ذلك بقي كلاماً لم يتحقق منه شيء.
وحتى اليوم، لم يهتم المسؤولون الفلسطينيون لما يمكن أن تكون "هدية" قدمتها منظمة العفو الدولية إلى القضية الفلسطينية، عبر اعتبار إسرائيل "دولة فصل عنصري"، وما يمكن أن يشكّله هذا التصنيف من دعم لمحاولات إدانة إسرائيل دولياً. وعلى الرغم من أن أبو مازن لطالما هدّد بمقاضاة إسرائيل دولياً، إلا أنه تجاهل التقرير والتصنيف، واختار إغراق القضية الفلسطينية في مزيد من الانقسام.