أثير جدل صاخب في الساحة الفلسطينية حول شرعية عقد المجلس المركزي الفلسطيني، في ظل مقاطعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “ثاني أكبر فصائل منظمة التحرير” وحركة المبادرة الوطنية والجبهة الشعبية العامة وقوات الصاعقة، وكذلك حركتي حماس والجهاد الاسلامي.
وتتهم عدد من الفصائل الفلسطينية، حركة “فتح” التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ”التفرد” في قيادة الشعب الفلسطيني وعدم اتخاذ خطوات حقيقية لإنهاء الانقسام الداخلي، وعقد المجلس المركزي يعمق الانقسام، ويذهب باتجاه تعزير العلاقة مع دولة الاحتلال بدلا من قطع العلاقة معها بناءً على توصيات المجلس المركزي في الاعوام 2015، و 2018.
في ظل هذا الجدل وتعميق الانقسام في الساحة السياسية الفلسطينية، أعلنت منظمة العفو الدولية “أمنستي” عن تقريرها الذي حمل عنوان: “نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية”. ويشير التقرير إلى ان عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية تشكل كلها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي.
تقرير أمنستي جاء بعد عدد من التقارير الدولية الحقوقية الدولية مثل “هيومان رايتس ووتش” التي أصدرت في العام 2021، تقريراً تتهم فيه إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري وهذا ما تمارسه، كما صدر قرار مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على اثر “هبة الكرامة” في القدس وانحاء فلسطين في أيّار/مايو الماضي وتبعه العدوان الاسرائيلي العسكري على قطاع غزة، واتهم القرار إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وأقرّ انتداب لجنة تقصي حقائق في الجرائم الإسرائيلية في كل فلسطين باعتبار إسرائيل تتحكّم بكل مناطق فلسطين بما فيها مناطق 48، وتمارس سياسات عنصرية.
وفي العام 2017 اصدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا). تقريراً اتهم إسرائيل بتأسيس نظام فصل عنصري “أبرتهايد” وأوصى المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بشرعية نظام الأبرتهايد، أو التعامل معه أو تقديم المساعدة له والتعاون للقضاء على هذا النظام البغيض، وإعادة تفعيل قرارات مناهضة الأبرتهايد، وإحياء الآليات التي كانت تستخدم أيام نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا.
هذه التقارير مجتمعة أعادت للأذهان حقيقة دولة الاحتلال والحركة الصهيونية بإنها عنصرية إرهابية.
في العام 1991، ألغت الأمم المتحدة قراراها رقم (3379) الذي اتخذته عام 1975، وساوى الصهيونية بالعنصرية، القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث جاء في القرار: “أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي تشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين.
منذ ذلك الحين لم تنجح الدول العربية في إعادة الاعتبار لذاتها المهزومة أمام اسرائيل العنصرية وراعيتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت وراء إلغاء القرار وقد صاغ قرار الإلغاء نائب وزير خارجيتها في ذلك الوقت لورانس إيغلبرغر، وجاء فيه: “تُقرّر الجمعية العامة نبذ الحكم الوارد في قرارها رقم 3379”.
إلغاء القرار جاء جراء التغيرات التي حدثت في العالم وانهيار الإتحاد السوفيتي وبروز النظام العالمي أحادي القطب، ومنذ ذلك الوقت تتجلى عنصرية دولة الاحتلال الصهيونية بأبشع صورها، من نهب للأرض الفلسطينية وفرض قوانين عنصرية واستكمال مشروعها الاستعماري الاستيطاني على كامل أراضي فلسطين.
تقرير “آمنيستي” وغيره من التقارير أعادت إلى الأذهان حقيقة دولة الاحتلال والحركة الصهيونية بإنها عنصرية إرهابية.
كيف ستتمكن القيادة الفلسطينية من التعامل مع تقرير “أمنستي” وغيرها من التقارير الحقوقية الدولية، في ظل ما تخطط له دولة الاحتلال من سلام اقتصادي غير موقع وتسهيلات اقتصادية ودعم وتعزيز السلطة الفلسطينية من خلال التنسيق الامني؟ وفي ظل تنكّر دولة الاحتلال لحقوق الفلسطينيين وحل الدولتين وما يسمى بالعملية السلمية، والاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين؟
في ضوء ذلك هل ستعمل القيادة الفلسطينية على إعادة العمل للضغط على المجتمع الدولي واعادة تعريف الصهيونية بانها حركة عنصرية، واصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بذلك؟
للعلم، شكلت الدول العربية في القرن الماضي لجنة لدعم قرار اعتبار الصهيونية عنصرية وسميت “اللجنة العربية لمكافحة الصهيونية والعنصرية”، وعقّبت على إلغاء قرار الأمم المتحدة بأن هذه الخطوة جاءت إثر مساع محمومة بذلتها الولايات المتحدة، ونتيجة للنظام العالمي الجديد ذي القطب الواحد الآخذ بالتشكّل. ومن ضمن نشاطات اللجنة العربية أصدرت في مارس/ آذار 1994 وثيقة سياسية ذكرت العالم أن دولة الاحتلال الصهيونية مشروع استعماري استيطاني قائم على التعصب المستند إلى معتقدات غيبية المفرطة في الخرافة والاستعلاء العنصري، وأن الصهيونية تستمد جذورها الأيديولوجية من إرث “الشعب المُختار” الاستعلائي العنصري، وأن المشروع الصهيوني يرتبط عضويًا بمشروعات الهيمنة الأميركية، ويهدف إلى استنزاف العرب وإلحاق الإحباط والتخلف بأجيالهم، وإبقائهم عرضة للتمزق وقيد الهيمنة، وبالتالي، اعاقة التقدّم والنهضة والوحدة في الوطن العربي.
وفي ظل حالة الردة العربية وحركة التطبيع الغربي والتحالفات بين بعض الدول العربية واسرائيل، لا أمل قريباً بنهضة عربية جادة تدعم الحقوق الفلسطينية وقطع العلاقة مع دولة الاحتلال.