تشهد شوارع الخليل حالة من الغليان، منذ الأسبوع الماضي، بعد تجدد شجار عائلي بين عائلتين من المدينة؛ ما أدى إلى إغلاق مناحي الحياة كافة، فضلاً عن حالة الرعب التي سيطرت على المواطنين؛ نتيجة لإطلاق النار الكثيف.
الكم الهائل من إطلاق النار المتبادل في ذلك الشجار، وكم الأسلحة التي ظهرت في مقاطع الفيديو المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، وضع علامات استفهام عديدة حول غياب هذا السلاح أمام الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في الضفة، والتي كان آخرها إعدام ثلاثة شبان في منتصف النهار وسط مدينة نابلس.
ويقول نشطاء التواصل الاجتماعي إنه وإذا كان هذا السلاح لن ينتقم للشهداء؛ فعلى الأقل عليه أن يصمت في ظل حالة الغضب التي تشهدها الأراضي المحتلة، في حين وُجهت دعوات لوقف الاقتتال في الخليل عقب عملية الاغتيال الجبانة.
العدو أقرب
الناشط محمد راكان القداح، كتب معقبًا على أحداث الخليل قائلًا: " رسالتي لشباب الهوشة: بدي أذكركم أنه العدو كمان قريب من مسافة صفر، بدل ما بدك تصير بطل على أخوك وتتمرجل عليه الأولى إنك تكون زلمة وتخاف على أرضك وعرضك مش تتزلم على أخوك، يا حيف بس".
من ناحيته كتب الناشط أبو جواد على حسابه في "تويتر": "لم يكونوا يطلقون النار في الهواء، ولا في نزاعات عائلية، كانوا عين الأذى لهم، فأرادوا قتلهم بأي طريقة كانت في وضح النهار"، في إشارة منه إلى أن شهداء نابلس لم يستخدموا السلاح سوى ضد العدو، ومستوطنيه.
وكتب الناشط علي فراج:" وين الي كان بده يربي الضفة، وين سلاح الخليل، رحم الله شهداء نابلس، الاحتلال بده يزيد انقسامنا".
هدنة ولكن!
أحداث الخليل والاقتتال بين عوائلها، لم يرق لوجهاء المحافظة، كما هو الحال لدى جميع أبناء الشعب الفلسطيني؛ ما جعلهم يتداعون للتوصل إلى هدنة بين العائلات، خلالها يتم التوصل لاتفاق نهائي، من خلاله ينتهي الشجار وإهدار السلاح والأموال، كما يقول المتحدث باسم مجلس عائلة أبو سنينة، عيسى أبو ميالة.
وأشار أبو ميالة خلال حديث مع "شمس نيوز" إلى أن الوجهاء تمكنوا من التوصل لهدنة لمدة شهرين من خلال التواصل مع كبار العائلتين هناك، معربًا عن أسفه من اختراق بعض الأطراف لهذه الهدنة بعد أقل من ساعة.
واستدرك: "كبار العائلات وعقلاؤها قدَّروا عواقب الأمور، وعملوا جاهدين على ضبط الحالة للتوصل إلى اتفاق، إلا أن صغار السن، والمندفعين لا يفكرون بعواقب الأمور، ولا يريدون الوصول لحل".
ولفت إلى أن ما يحصل بالخليل، أرّق جميع الدول المجاورة، موضحًا أن العديد من عشائر الأردن تواصلوا، وأبدوا انزعاجهم مما يحصل، واستعدوا للوصول إلى الخليل، وإنهاء حالة الاقتتال فيها.
وبالعودة إلى أسباب تجدد الإشكاليات، يرى أبو ميالة أنها تأتي محاولة لضرب النسيج المجتمع، خاصة بعد حالة التوحد التي شهدتها المحافظات الفلسطينية مؤخرًا.
وقال: "هناك استهداف لمدينة الخليل؛ لما لها من مكانة وطنية وسياسية"، مبينًا أن هذه الأحداث تؤثر على مكانة الخليل التاريخية.
وذكر أبو ميالة أن انتشار السلاح بين أيادي المواطنين والخارجين عن القانون، يأتي من خلال الاحتلال، هو من يوصله للمناطق الفلسطينية، مضيفًا "هذا الأمر يشي لوجود أمر ممنهج يستهدف المجتمع الفلسطيني".
هزيمة داخلية
من ناحيته، دعا امين عام اللجان الشعبية الفلسطينية، عزمي الشيوخي، الجميع إلى الحفاظ على ممتلكات الخليل، وأن تكون التهدئة موجودة، والدفع باتجاه لغة العقل لا لغة التغول.
وقال في حديث مع "شمس نيوز": "نحن أهل، ودمنا واحد، وبلدنا واحدة، والأرض لنا جميعًا، الأصل أن نكون رحماء بيننا، أشداء على المستوطنين وجنود الاحتلال، الذين ينتهكون حقوقنا في أرضنا وبلدنا".
وأضاف: "المشاكل التي تحصل تحرف بوصلة الصمود، وتمس بجهودنا لمواجهة التحديات الاستيطانية".
وأعرب الشيوخي عن خشيته بأن تكون هذه الإشكاليات مدخلًا للوصول لهزيمة داخلية للمجتمع الفلسطيني، في كل أنحاء الوطن، مستشهدًا بالمثل القائل "الهزيمة تبدأ من الداخل".
وتابع "نحن بحاجة لوحدة حال، ووحدة موقف، وتعاطف وتضامن؛ لاستعادة دولتنا الموحدة، ونحافظ على إنجازاتنا الوطنية، وما نخسر قضيتنا من خلال بعض الإشكاليات".
وختم الشيوخي حديثه "جميع عائلات الخليل محترمة، وتعمل على إنهاء مشاكل كل محافظات الوطن، لا يجوز أن نعجز عن حل مشاكلنا الداخلية".
تفتيت الضفة
وفي أعقاب عملية الاغتيال في نابلس، قال الكاتب أكرم عطا الله، إن "إسرائيل" وبهذه الجريمة تستكمل مخطط تفتيت الضفة، الذي أنتجته جامعة بار ايلان، بأن تصبح كل منطقة إمارة خاصة.
وكتب عطا الله عبر صفحته في فيسبوك:" الخليل تخوض نزاعاتها بين العشائر، رام الله تخوض نزاعها مع الفصائل وخصومها السياسيين، جنين إلى حد ما تعيش الخصومة مع السلطة، نابلس لم يكن لها خصم خاص، وكان ينبغي صناعته، الآن أصبحت نابلس في صراع مع إسرائيل" .
وأضاف:" ليس هناك قواسم مشتركة بين المناطق في نزاعاتها، وكان بإمكان إسرائيل اعتقالهم كما فعلت مع منتصر شلبي أو أسرى جلبوع، حين قررت إعادتهم أحياء، ولا شيء صدفة أو بلا حسابات لدى مؤسستها العسكرية؛ فهي تقرأ، وتقدر ردة الفعل قبل أن تقدم على أي عمل".
وأكمل:" بهذا اكتمل مشهد التفتيت السياسي ومناخات مختلفة، وأولويات، ولكل منطقة عدوها الخاص، ما العمل أمام هذا الفعل المنظم جدا؟".