كنا قد نبهنا قبل عقد جلسات المجلس المركزي بمقر المقاطعة برام الله نحت حراب الاحتلال, من ان السلطة تعتبر نفسها اكبر من منظمة التحرير الفلسطينية, وانها أي السلطة تريد ان تحتوي المنظمة, فرئيس السلطة القى بكل ما في جعبته بخصوص المنظمة, وهو يريد ان يسيطر عليها ويتحكم بها ويوجه سياستها كيفما يشاء, وذلك بعد ان ايقن ان فصائل منظمة التحرير عاجزة عن مواجهته, وليس بيدها أي أوراق ضاغطة عليه, وانه جرب سياسة العصا والجزرة مع فصائل المنظمة فالهب ظهر الجبهة الشعبية بالعصا لعدم حضورها جلسات المجلس المركزي, اما الجزرة فكانت من نصيب الجبهة الديمقراطية التي صمتت على سياسة رئيس السلطة وقراراته التعسفية والاستفراد بالرأي بعيدا عن الشركاء, وهو ما سهل على رئيس السلطة اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية مؤسسة من مؤسسات السلطة, خاضعة لسياسته, ومشرعنة لقراراته, ومطيعة لتوجهاته وملتزمة بقرارات الرباعية الدولية التي لا يؤمن بها الا عباس وجنوده, وبعقلية دكتاتورية مقيته قال عباس لفصائل المنظمة وبصوت فرعوني متعالي "لا اريكم الا ما أرى وما اهديكم الا سبيل الرشاد", وبذلك يكون عباس قد الحق كل المؤسسات الرسمية به فهو مؤيد بخطواته إسرائيليا وامريكيا وعربيا ودوليا, حتى المجلس التشريعي المنتخب الغاه عباس وسحب كل صلاحياته واعتبره خارج عن قانونه الديكتاتوري لأنه يرفض سياسته ويناقش قراراته ويريد ان يسائله عن مواقفه السياسية, وهو يقول له بمنطق قارون "انما اوتيته على علم عندي" ومهما بدت سياسة عباس فاضحة الا انه استمرأ هذا, وهو لا يرى الا نفسه ومن هم حوله من تنابلة لا يجيدون الا هز الرأس.
ولان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مؤمن تماما بمواقفه السياسية ولا يسمح لاحد بمناقشتها او حتى التمعن بها, فانه لا يقبل ان ترفع اليه قرارات لا من المجلس المركزي ولا من المنظمة ولا حتى من فتح, انما كل ما يرفع اليه مجرد توصيات فإما ان يأخذ بها, او يتركها وكأنها لم تكن لذلك, فلا غرابة ان يؤجل محمود عباس مناقشة تنفيذ قرارات المجلس المركزي الأخيرة، بما فيها وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال إلى جلسة تعقد في مارس/ آذار المقبل, وهو يعني رفض هذه التوصيات, فهو يستخدم هذه القرارات كأوراق ضغط على الإدارة الامريكية, بأنه يتعرض للنقد من الفصائل الفلسطينية, ومحاولات لإثنائه عن المضي في مسار التسوية, وانه لا يقوم بتنفيذ هذه القرارات لأنه يأمل ان يكون هناك دور للإدارة الامريكية بالعودة الى مسار التسوية, وعودة المساعدات المالية للسلطة, وفتح مكتبها في واشنطن واضفاء شرعية على الرئيس الذي يعاني من انتقاص كبير من شرعيته في ظل انتهاجه لمسارات تخالف الاجماع الفلسطيني, لذلك هو يؤجل تنفيذ القرارات المرة تلو الأخرى, لاستجداء أمريكا واستعطافها, ولأنه لا يستطيع ان يطبق هذه القرارات مطلقا, فهو لا يؤمن بقدراته الذاتية على مواجهة "إسرائيل", وقد عبر عن ذلك بوضوح شديد عندما قال "نحن بساطير في اقدام الاحتلال" وفي نفس الوقت لا يؤمن بقدرات الشعب الفلسطيني ولا بمقاومته, ويرى ان المقاومة اضرت بالقضية الفلسطينية وادت لتراجعها مائة عام الى الوراء حسب قوله, وانه لن يسلك أي مسار في معركته مع الاحتلال سوى ما اسماه "بمسار السلام" وعبر عن فخره انه لم يطلق يوما رصاصة واحدة على الاحتلال.
امام كل هذا الذي يحدث, وامام شخصية ديكتاتورية غارقة في "الضلال السياسي" تعجز الفصائل الفلسطينية عن التصدي لسياسة رئيس السلطة محمود عباس, او حتى اثنائه عن سياساته الديكتاتورية, ليس بسبب قوة عباس الجماهيرية لأنه تعرى تماما في الشارع الفلسطيني واظهرت الانتخابات المحلية التي جرت في الضفة الغربية المحتلة ذلك, وقد اسقطته العشائر والعائلات في الانتخابات المحلية بشكل فاضح, لكن عباس يعتمد على رضا "إسرائيل" والإدارة الامريكية عنه, ورضا دول التطبيع والمجتمع الدولي فهي التي تضفي الشرعية على الديكتاتوريات لان المصالح تلتقي بينهم جميعا, وحالة العجز هذه تنعكس على الجماهير الفلسطينية التي دائما ما تكون هي الضحية وتدفع ثمن الخلافات والقرارات الديكتاتورية, لذلك يجب على فصائل المنظمة وحركتا حماس والجهاد الإسلامي البحث عن مخرج من هذه الازمات, على الأقل نريد ان يكون هناك توافق على برنامج وطني فيما بينهم يحكم العلاقة بين الجميع, ويكون له دور في مواجهة ديكتاتورية محمود عباس, واستفراده بالقرار الفلسطيني, وان يشعر رئيس السلطة انه لا يتحدث باسم الشعب الفلسطيني لأنه لا يعبر عن مواقف الشعب ولا يحترم نضالاته وتضحياته على مدار عشرات السنين, حتى المنظمة التي كنا ننادي بضم حماس والجهاد اليها باتت اليوم في قبضة عباس وهو الذي يتحكم بها بعد ان اعتبرها مؤسسة من مؤسسات السلطة التي يديرها هو عنوة, فماذا بقى من المنظمة الا الاسم فقط, بعد ان فقدت دورها تماما, وافرغت من كل المهام المنوطة بها, وجيرت المنظمة لتمرير القرارات الدكتاتورية لرئيس السلطة وحاشيته, وحقيقة لم يبق من المنظمة الا اسمها.