قائمة الموقع

مشهد هوليودي .. بيت سالم يتحول لساحة حرب حقيقية و"فاطمة" تعلنها: على جثتي يا كلاب!

2022-02-20T20:40:00+02:00
فاطمة سالم أم أيوب المقدسية المرابطة في المسجد الأقصى والشيخ جراح.JPG
شمس نيوز - غزة (مطر الزق)

لم يكن إراقة قطرة دم من "ست الكل" ورش وجهها الطاهر بالفلفل الحار؛ إلا شعلة نار لعراك بالأيدي والكراسي بين المستوطنين المعتدين، وأبناء عائلة سالم، وعددٍ من المقدسيين، قبل أن تتطور المعركة بتدخل قوات الاحتلال المدججة بالسلاح الفتاك لحماية المعتدين.

قنابل غاز، وهروات، وملاحقات داخل أرض تعود ملكيتها لعائلة سالم في الشيخ جراح، أجواء أشبه بالحرب المسعورة التي تنفذها قوات الاحتلال ضد المقدسيين الذين لا يملكون إلا سلاح الصمود والدفاع عن أنفسهم.

يركض إبراهيم سالم وأشقاؤه محاولين شق طريقهم الممتلئة بدخان الغاز السام ورائحة الفلفل الحار، متجهين بأقصى سرعتهم تجاه البيت؛ لحماية أنفسهم وأطفالهم من بطش قوات الاحتلال التي أطلقت قنابل الغاز داخل البيت، محدثة حالة من الرعب والفزع بين الأطفال.

دخلت والدتهم "فاطمة سالم أم أيوب" للبيت محاطة بأبنائها، ودماؤها الطاهرة لا تزال تنزف، وإبراهيم مصاب ببعض من اللكمات، وشقيقه الآخر أصيب في صدره، وشقيقته أصيبت في قدمها بقنبلة غاز، أما الأطفال والفتيات المتواجدون داخل البيت فعيونهم محمرة، بعضهم تبول على نفسه لا إراديًا من شدة الخوف وأصوات قنابل الغاز المفزعة.

مشهد الاعتداء على عائلة سالم في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة يتكرر بشكل شبه يومي من قبل المستوطنين المحميين بقوات جيش الاحتلال المدججة بالسلاح والقنابل؛ بهدف تهجير عائلة سالم من أرضها، وتسليمها لجمعيات استيطانية.

في الأول من فبراير العام الجاري، وصل إخطار بمصادرة قطعة أرض تصل مساحتها قرابة الـ (دنم) يتوسطها بيت مكون من طابقين، وتعود ملكية الأرض لعائلة سالم قبل عام 1948م، وتمتلك العائلة وثائق قديمة تثبت ملكيتهم للأرض قبل الاحتلال الإسرائيلي.

 


 

هدم مرتين

بدأت معاناة عائلة سالم منذ عام 1985 كباقي العائلات المقدسية في الشيخ الجراح، والتي تعرضت لاعتداءات مستمرة من قبل المستوطنين الإسرائيليين؛ بهدف تهجيرهم والسيطرة على الأرض المقابلة للمسجد الأقصى المبارك.

يقول إبراهيم سالم (38 عامًا) في اتصال هاتفي أجراه مراسل "شمس نيوز": "إن موقع بيت العائلة في الشيخ جراح موقع استراتيجي، ويبعد عن المسجد الأقصى 10 دقائق سيرًا على الأقدام فقط، و5 دقائق بالسيارة، ونظرًا لموقعه المهم؛ يحاول الاحتلال طردنا من أرضنا بالقوة، والسيطرة عليها؛ لتنفيذ مخطط تهويد الأقصى، وبناء ما يزعمون أنه الهيكل".

تعرضت العائلة كباقي عائلات الشيخ جراح منذ سنوات مضت -وفقًا لإبراهيم- لاعتداءات كبيرة من المستوطنين اشتدت عام 2010، حينما قررت قوات الاحتلال هدم البيت، "وبعد فترة وجيزة أعدنا بناء البيت رغم عنهم"، وبعد أشهر قليلة هدموا البيت مرة أخرى، إضافة إلى سور الأرض لتبقى قطعة الأرض مشاعًا دون صاحب".

يملك إبراهيم وعائلته قوة في التحدي والصمود أمام آلة الإرهاب الإسرائيلي، ويقول: "أعدنا بناء البيت في تحدٍ وقوة أمام أعين جنود الاحتلال، وحاولنا بناء السور؛ إلا أن بلدية الاحتلال وقفت ضدنا، ومنعتنا من بنائه حتى اليوم".

 

مليون و100 ألف شيكل

 

أمام إصرار عائلة سالم في الصمود والثبات على أرضها، وفشل قوات الاحتلال من دفع العائلة للهجرة باستخدام القوة؛ لجأت إلى فرض المخالفات المالية ضد العائلة في محاولة منها كما أشار إبراهيم إلى إضعاف حجة العائلة أمام القانون الإسرائيلي المحتل.

أطلق إبراهيم تنهيدة عميقة استمع إليها مراسل شمس نيوز عبر الهاتف، تعبر عن غضبه الشديد لقرارات المحتل الإسرائيلي قائلًا: "بلغت قيمة المخالفات المالية التي تطالب حكومة الاحتلال العائلة بسدادها نحو مليون و100 ألف شيكل؛ غرامة لعدم التزام العائلة بهدم المنزل بيدها".

ومع إصرار العائلة للحفاظ على المنزل والأرض دون التنازل؛ فقد لجأت قوات الاحتلال إلى المحكمة لمصادرة الأرض والبيت لصالح جمعيات استيطانية، مبينًا أن العائلة تلقت في شهر فبراير 2022 إخطارًا بمصادرة الأرض والبيت، على أن يتم تنفيذ القرار في الأول من مارس المقبل.

 

نقدم جثثنا قبل مصادرة أرضنا

 


 

ومنذ قرار محكمة الاحتلال بمصادرة الأرض؛ أقام النائب المتطرف في الكنيست الإسرائيلي إيتمار بن غفير خيمة على أرض عائلة سالم، استعدادًا لبسط سيطرته على الأرض بشكل كامل لحظة تنفيذ المحكمة لقرارها.

في المقابل، تستعد عائلة سالم للحظة الصفر؛ ليؤكد إبراهيم أن العائلة لن تُخلي البيت مهما كلفها ذلك من ثمن، وستبقى مرابطة صابرة مدافعة عن بيتها وأرضها المقدسة التي تعتبر خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى المبارك مسرى النبي –صلى الله عليه وسلم-.

ويقول إبراهيم: "لن نُسلم ذرة تراب من أرضنا للمحتل، سنواجه مصيرنا مهما كان، وسنقبل بما قسمه الله لنا، فعلى المحتل أن يأخذ جثثنا قبل أن يصادر أرضنا ويهجرنا قسرا من بيتنا وحيِّنا".

 

بطولات تُسجل بماء الذهب

 

"منذ إقامة خيمة بن غفير على أرضنا والأمور تشتعل رويدًا رويدًا، المستوطنون يتوافدون لخيمته من كل صوب وحدب، يتجمعون لإخافتنا وبث الرعب في قلوبنا، حاملين معهم السلاح، والعصي، وغاز الفلفل الحار؛ لرشه علينا"، كما قال إبراهيم.

في الخامس عشر من فبراير بدأت الحكاية، جلس أفراد العائلة في أرضهم التي أراد لها المحتل أن تكون أرض مشاع بمنع إقامة السور، يتلو أفراد العائلة آيات عطرة من القرآن الكريم. في المقابل يجلس المستوطنون في خيمة بن غفير المقامة على أرض عائلة سالم.

تلا أفراد العائلة آيات عطرة من سورة البقرة، وآخرون تلوا آيات عطرة من سورة الكهف، مشهد تلاوة القرآن الكريم، والسكينة والطمأنينة التي تميزت بها العائلة، وجلسة الذكر التي اعتادت عليها عائلة سالم، لم ترق للمستوطنين الصهاينة الذين فزعوا عند سماعهم آيات القرآن؛ فبدأوا برشق المجتمعين بالكراسي والعصي.

كانت المقدسية أم أيوب سالم (73 عامًا) تجلس بجانب أبنائها تتلو القرآن عندما وصلت إليها أيدي الجبناء، وجرحوها بالسكين في يدها، لتشتعل المعركة، عراك بالأيدي، وضرب بالعصي، وإصابات بالجملة.

احتمى المستوطنون الجبناء بقوات جيش الاحتلال التي سارعت باقتحام أرض عائلة سالم، وملاحقة أفراد العائلة، واستهدافهم بقنابل الغاز التي حولت المكان إلى دخان أبيض يتصاعد، ورائحة بارود تخرق حاسة الشم، وغاز الفلفل الحار الذي جعل عيونهم حمراء من شدة الألم.

سارع أفراد العائلة داخل البيت، وأغلقوا الأبواب، وبدأوا يعالجون أنفسهم، أما قوات الاحتلال؛ فقد أحكمت حصار المنزل، واعتقلت عددًا من المتضامنين من أبناء حي الشيخ جراح.

والدتهم المقدسية فاطمة سالم أصيبت بجراح في يدها، ونقلت هي وعدد من أبنائها إلى مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة لتلقي العلاج اللازم، وعادت إلى بيتها رغم أنف المحتل الإسرائيلي، ويقول إبراهيم عن صحتها: "الوالدة تعاني من الضغط والسكري، وإصابتها بالسكين والغاز أثر عليها كثيرًا؛ لكنها تتمتع بقوة وعزيمة لمواجهة المحتل".

 

ثكنة عسكرية

يقول إبراهيم: "إن قوات الاحتلال فرضت حصارًا مطبقًا على كامل أرض عائلة سالم، ونشرت الحواجز العسكرية في شوارع حي الشيخ جراح، الذي تحول إلى ثكنة عسكرية مغلقة، يُمنع الدخول والخروج منها، أو التضامن مع أبناء العائلة".

ويضيف: "خلال الأيام الماضية خرجتُ من البيت متخطيًا الحواجز العسكرية التي أقيمت على أرضنا، وعدت إلى البيت رغم أنف الاحتلال"، مشيرًا إلى أن الاحتلال يمنع دخول أي متضامن إلى الشيخ جراح، وينغص على حياتنا في كل لحظة".

واستذكر إبراهيم موقفًا بطوليًا له عندما حاول جنود الاحتلال منعه من الدخول عبر الحاجز إلى بيته قائلًا: "عندما عدت إلى المنزل؛ منعوني من تجاوز الحاجز، وبدأوا يسألونني عن بطاقة الهوية، فأجبتهم بكل صدق أنها في البيت، وعندما رفض الجنود السماح له بالدخول؛ ركض إبراهيم تجاه البيت، فلحق به أحد الجنود حتى أوصله إلى المنزل، وعاد الجندي خائبًا ذليلًا".

 

أخر التطورات

 

حواجز منتشرة في كل مكان، وعشرات الجنود تُحيط أرض عائلة سالم، وكل شخص يتجاوز الحاجز يتعرض لتدقيق مشدد، من أنت؟ أين هويتك؟ لماذا جاءت إلى هنا؟ من تعرف هنا؟ عود إلى بيتك؟ ممنوع الدخول؟ كل تلك الأسئلة وغيرها الكثير يتعرض لها أي شخص يحاول أن يصل إلى عائلة سالم ليتضامن معها.

وأشاد إبراهيم بقوة المتضامنين الذين وصلوا إلى الشيخ جراح رغم الحواجز الكبيرة والمكثفة لجنود الاحتلال، قائلًا: "ناس كثير جاءوا إلى الشيخ جراح لأداء صلاة الجمعة "غصب عنهم" ومنهم الشيخ الجليل خطيب الأقصى عكرمة صبري".

وأكد إبراهيم: هذه أرض لها أصحاب، ومقدسة، ويجب الدفاع عنها مهما كلف ذلك من ثمن، ورسالتنا لكل إنسان في العالم يستطيع رفع الظلم ومساعدتنا ألا يتأخر أو يتوانى عن تقديم المساعدة.

 

 

اخبار ذات صلة