سيناريو العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فيه الكثير من العبر والدروس التي يمكن مشاهدتها في بث حي ومباشر، بكل ما حملته منذ اللحظة الأولى، التي حذرت أميركا من أن روسيا ستغزو أوكرانيا قبل عدة أسابيع من العملية العسكرية الجارية.
فأوكرانيا التي تخلت عن سلاحها النووي في العام ١٩٩٤ ، كانت تلقت وعودات باحترام استقلالها، وعدم مساس روسيا بها، أو حتى التلويح باستهداف أمنها، في الوقت الذي قدمت فيه دول العالم-وعلى رأسها أميركا وبريطانيا- تعهدات لأوكرانيا، بالتخلي عن سلاحها النووي، مع ضمان حمايتها حال التعرض لها.
فمنذ اللحظة الأولى التي تخلت فيها أوكرانيا عن ذراعها النووي؛ جعلت كل الأنظار تتجه إليها؛ طمعاً في استجلاب ما لديها من خيرات، بعد قطع الوعود لها بضمها إلى حلف الناتو، الأمر الذي يضمن الدفاع عنها عسكرياً حال تم استهدافها، هذه الوعود التي قطعتها أمريكا لأوكرانيا سرعان ما تبخرت، أمام التعامل الأميركي الذي يرتكز على ما تريده أميركا فقط، وليس ما تحتاجه أوكرانيا، وما يحقق مصلحة الولايات المتحدة، وليس ما يجعل من أوكرانيا دولة تستطيع الدفاع عن نفسها.
أما الشاهد في هذا السيناريو المشهود، فهو ما عاشته غزة من أجواء مماثلة في الحروب الكبرى التي شُنت عليها لكسر شوكة مقاومتها، وآخرها ما جرى في أوائل مايو أيار عام ٢٠٢١.
فما كان يتبع هذه الحروب التي لم تنجح في أسقاط المقاومة في غزة، تتمثل بالإغراءات التي كان يعرضها الوسطاء على مقاومتها، التي تمت مقايضتها بالتخلي عن سلاحها، والعمل على تسليمه بالترغيب مرة، وبالترهيب مرات، وكان العرض أن سلموا سلاحكم، وسنحوّل غزة إلى سنغافورة جديدة؛ لكن المقاومة التي تعرف تماماً أن هذا الشكل من العروض المشبوهة، سرعان ما سيختفي أثره، وستنقلب الأمور مرة واحدة، وتتحول غزة إلى طريق آمن لجيبات الاحتلال، تصول وتجول فيه وقتما تشاء، تعتقل، وتغتال، وتسرح، وتمرح، دون أن يستطيع أحد حتى حمل سكين في مواجهة جنود الاحتلال الذين لن يجدوا في التعامل مع غزة مشكلة حال تم نزع سلاحها، أو سلمته بطوعها.
لكن المشهد الذي تجسده غزة اليوم، وهي ترفض تلك العروض المشبوهة، تعززه الدولة الأوكرانية، وهي تعض على أصابعها، وتقول أكلت يوم أكل الثور الأبيض؛ لتؤكد على صوابية خيار غزة ومقاومتها، التي لن يكتب الزمان لها أن تخلت عن سلاحها، أو جعلت من المحتل صديقاً، أو رضيت بشراء ذمتها على حساب ثوابتها، ولو بمال قارون.