لازالت التطورات والأحداث الجارية في أوكرانيا تسيطر على العالم، على المستوى الأمني والإعلامي والاقتصادي، وهذا مرده ثمة عوامل لسنا بصدد الحديث عنها في الوقت الحالي، بمعنى آخر لماذا انتفض العالم على ما يجري في أوكرانيا، بينما بقي هذا العالم صامتاً وربما مشاركاً في قتل ملايين البشر في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين وليبيا والصومال، هذا بحث أخر يحتاج لتسليط الضوء عليه لاحقاً، لكن المهم في إطار ما يجري في الوقت الحالي هو دراسة وتحليل موقف النظام الدولي بما يخص حشد طاقته تجاه تقديم كل ما يلزم إلى أوكرانيا لمواجهة الدب الروسي.
العديد من الدول بجانب فرضها العقوبات المالية والاقتصادية وحتى الرياضية على روسيا، ذهبت تجاه تقديم اللوجستيات والمعدات العسكرية والأنظمة الدفاعية والمضادات للطائرات والدبابات لأوكرانيا بهدف دعم الجيش الأوكراني لمواجهة الجيش الروسي والموالين له في الأراضي الأوكرانية، وهذا باعتقادي شيء متوقع وغير مفاجئ، فالنظام الدولي وبكل ما يملك من مؤسسات مازال يرتهن للسطوة الأمريكية، ولكن الأهم في هذا السياق يأتي في إطار ما تم شرعنته من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا التي دعت الى دعم ما أسمته (المقاومة الأوكرانية) في وجه (الاحتلال والغزو الروسي)، وذلك عبر تقديم الأسلحة النوعية لــ (المقاومة الأوكرانية) التي أصبحت مشروعة من وجهة نظر الولايات المتحدة والغرب لكي يمارسوا الأوكرانيين حقهم بالدفاع عن أراضيهم.
المثير بالأمر هو دعوة عدد من المسؤولين الأوربيين مواطنيهم ممن لديهم قدرات على الدخول في قتال العصابات والشوارع أن يتوجهوا للالتحاق بالمقاومة الأوكرانية، وهو ما شجع الرئيس الأوكراني دعوة المتطوعين في أوروبا والعالم للقدوم لأوكرانيا خاصة أولئك الذين لديهم قدرات وتلقوا تدريبات على سيناريوهات حرب الشوارع، مطالبهم بالتوجه الى سفارات بلاده في العالم للحصول على التصاريح اللازمة والتسهيلات لدخول بلاده، لم يقف عند هذا الحد بل دعى الرئيس الأوكراني أيضاً في اليوم السادس للأحداث عن تشكيل "الفيلق الدولي" والذي يهدف الى تجنيد الأموال والمقاتلين الذين سيتم ارسالهم لأوكرانيا، حيث طالب الرئيس الأوكراني بأن كل شخص لديه ثأر خاص مع روسيا بعيداً عن مصلحة أوكرانيا عليه التوجه لأوكرانيا للانتقام من الروس، بينما علق الزعماء الأوروبيين على هذا الدعوة للرئيس الأوكراني بأن هذه حرية شخصية للأشخاص الأوروبيين ولن يمنعوا الأشخاص الذين يريدوا الذهاب لأوكرانيا لمحاربة الجيش الروسي.
هذا الانفتاح من أوروبا والولايات المتحدة على ما يسمى المقاومة الأوكرانية ودعمها يدعونا نحن كفلسطينيين أن يكون لنا دور في استثمار هذه الدعوة، بروز مصطلح المقاومة لدى الغرب لمواجهة الغزو والاحتلال يجب أن نستثمره نحن ونروج له على المستوى الدولي، فنحن كفلسطينيين من يملك الحق والعدل في الدفاع عن أرضنا وبلادنا في وجه الاحتلال والغزو الصهيوني لبلادنا الذي يرتكب أبشع الجرائم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني وارضه منذ عقود، ومطلوب أن تعزز فصائل المقاومة خطابها الآن وبقوة وبدون حرج بمسألة الدعم الخارجي من محور المقاومة، ويجب أن نتقدم بشكل أكبر عن السابق، نحن الآن نملك المبرر بشكل أقوى في ظل التحولات الرهيبة في العالم، بمعنى يجب على المقاومة أن تواكب ما يجري وتسعى لتغيير الصورة النمطية لتسليح المقاومة وتعزيز قوتها ووجودها الميداني والتكتيكي، يجب أن نضع حداً واضحاً بين ما قبل أحداث أوكرانيا وروسيا وما بعد الأحداث، كما أنه توجد مهمة أكبر على حلفاء المقاومة الفلسطينية لاسيما محور المقاومة بأن يصبح الدعم أكثر زخماً وقوة، فالقضية الفلسطينية ودعم المقاومة الفلسطينية هو أكثر عدالة من دعم العالم لأوكرانيا بالمال والسلاح والعديد بشكل علني.
كما لا يمكن تجاهل النظام الرسمي الفلسطيني وخاصة السلطة الفلسطينية وبما تمثله وزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية والقنصلية في العالم بأن تخرج من دور الضحية الضعيفة المتعايشة مع الجلاد، يجب أن تستثمر وزارة الخارجية عبر سفارات فلسطين بالخارج هذا الحدث لكي توجه دعوات حقيقية لدعم المقاومة الفلسطينية إسوة بما يحدث من دعم لأوكرانيا، وهذا بالتأكيد يجب أن يرتبط بإيمان لدى النظام السياسي بعدالة القضية وأهمية المقاومة في تحرير الأرض بعيداً عن البرامج القاصرة التي لم تنتج إلا مزيداً من التهويد والتهجير والقتل بكل دم بارد لشعبنا.