غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

صارع آلام السجن

تفاصيل مؤثرة .. الشهيد "الحصري" رجل المواقف الصعبة

الشهيد عبدالله الحصري.jpg
شمس نيوز - غزة (مطر الزق)

"لا وقت لدينا.. هيا أسرع يا أخي، لا تُظهر وجهي.. اربط اللثام جيدًا، أريد لقاء ربي مقبلًا وليس مدبرًا"، هذه آخر الكلمات التي نطق بها المجاهد عبدالله الحصري الذي استشهد برصاص قناص إسرائيلي في مدينة جنين شمال الضفة المحتلة.

كان عبدالله يحتسي القهوة في المدينة برفقة شقيقه محمد، ويتبادلان أطراف الحديث؛ قبل أن تصل إليه رسالة بوجود تحركات مشبوهة لقوات "إسرائيلية" خاصة قرب مسجد طوالبة؛ ليطلق ابتسامة عريضة كأنه ينتظر دخولهم، يقول لشقيقه: "أريد تبرئة ذمتي، وتقديم شيء لله والوطن".

ميلاده وانتماؤه لسرايا القدس

عبدالله الحصري (23 عامًا) أحد الأبطال المجاهدين الذين ترعرعوا في صفوف سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي منذ نعومة أظافره، ترك دراسته في سن مبكر؛ نتيجة اعتقاله على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو في السابعة عشرة من عمره.

اتهم عبدالله بانتمائه إلى الجهاد الإسلامي، ورشق جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة؛ لتُصدر محكمة الاحتلال بحقه حكمًا بالسجن نحو عامين (2016-2018)، وبعد (10 شهور) من الإفراج عنه أعادت قوات الاحتلال اعتقاله (عام 2019) لتفرج عنه مرة أخرى في شهر (مايو 2021).

إصابته الخطيرة في السجن

فرحة عبدالله بالحرية من سجون الاحتلال لم يمضِ عليها سوى سويعات قليلة فقط؛ فالرصاص كان من كل حدب وصوب، ورجال المقاومة انتفضوا دفاعًا عن جنين، وكانت المفاجأة أن قوات الاحتلال باغتت أربعة من المجاهدين، واغتالتهم، وفرت مسرعة من "عش الدبابير".

يقول محمد لـ"شمس نيوز": "تحول يوم الإفراج عن شقيقه عبدالله إلى عرس للشهداء الأربعة؛ إذ أنهم من الأصدقاء المقربين لعبدالله، وكانوا يقضون جل أوقاتهم مع بعضهم البعض، حيث أصيب شقيقه بحزن شديد".

حزن عبدالله على أصدقائه الشهداء لم يُخفِ الآلام التي تعتصر معدته؛ فقد كان يتلوى من شدة آلام المعدة المصابة بجرثومة خطيرة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وفي بعض الأيام كان يسقط على الأرض؛ لإصابته بتشنج من تداعيات تلك الجرثومة؛ محاولًا البحث عن علاج دون جدوى.

لحظات الشهادة

وعندما أسدلت الشمس ستائرها الذهبية مطلقة العنان لخيوط ضوء القمر مساء يوم الثلاثاء 1 مارس، كان الشقيقان عبدالله ومحمد يسيران في مدينة جنين، قبل أن يطلب عبدالله "فرشوحة شاورما"، وما أن قضم عبدالله جزءًا يسيرًا من تلك الفرشوحة؛ حتى بدأت معدته تتلوى من شدة الألم والمعاناة، فتركها.

توجه الشقيقان في تلك الليلة إلى القهوة بمدينة جنين يتبادلان أطراف الحديث، حيث تفاجأ محمد من طلب عبدالله، عندما أوصاه بالجلوس في البيت، ورعاية الوالدين، والتخفيف من المعاناة التي عاشها الوالدين؛ بسبب تحركاته، واعتقاله المتكرر من قوات الاحتلال.

واستذكر محمد حديث والدته مع عبدالله قائلًا: "كانت الوالدة تطرح موضوع الزواج بشكل يومي على عبدالله؛ لكنه كان يرفض، ويخرج من المنزل؛ ليقضي جل وقته في جبال جنين وأراضيها الزراعية عبر دراجته النارية التي يحبها جدًا".

ساد الهدوء، وبدأت أصابع عبدالله تتحرك على شاشة الهاتف لأعلى ولأسفل، تغيرت ملامحه فجأة، عيناه تبتسمان، ودقات قلبه يسمعها كل من مر بجانبه، كلماته تقطعها شهقات الفرحة والسرور، ناقلًا الرسالة التي وصلته على الهاتف: "هناك باص مرسيدس يشتبه أنه قوات خاصة"ـ قاطعه محمد مسرعًا، وطلب منه الصعود إلى السيارة؛ لينطلقا مسرعين تجاه مخيم جنين؛ لكن عبدالله أثار غضب شقيقه بقول: "مالك صاير تخاف".

أَمسك محمد مقود السيارة، وأداره إلى اليمن فجأة، وقال: "أنا ما بخاف بس الواحد لازم يعرف وين الجرذان -الجنود- اتخبوا حتى يحمي حالوا ويصيبهم في مقتل".

كلمات محمد لم تقنع عبدالله الذي تركه عائدا إلى المخيم؛ لينطلق وحيدا إلى أحد البيوت، باحثًا عن سلاحه.

ارتدى عبدالله اللثام، وطلب من أحد أصدقائه المجاهدين أن يشد وثاقه جيدًا؛ حتى لا يكشفه أحد، حمل سلاحه وهو يردد بصوته القوي "أريد الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله"، انطلق عبدالله مسرعًا إلى مكان وسط عتمة الليل، وصوب سلاحه تجاه جنود الاحتلال منتظرًا لحظة الصفر.

لاحظ عبدالله تحرك قوات الخاصة قبل خروجها من المخيم، فأطلق العنان لزناد السلاح بأن يزغرد تجاه العدو، الرصاصات التي أطلقها عبدالله كشفت موقعه لقناصة الاحتلال المختبئة في إحدى المباني السكنية خارج المدينة؛ فأصابته بثلاث طلقات في الصدر، وأخرى في اليد؛ ليقع على الأرض محققًا أمنيته باللحاق بأصدقائه الشهداء مقبلًا غير مدبر.