أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية بشاعة التمييز العنصري الذي تمارسه أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي ودول لاتينية أخرى, بكل ما تحمل الكلمة من تمييز وتفرقة على أساس العرق واللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني, وباتت العنصرية واضحة في التعامل المختلف مع العدوان الروسي على أوكرانيا, ودعم الاوكرانيين بالمال والسلاح, وفرض حصار اقتصادي على روسيا وبيلاروسيا, وإبراز "جرائم الروس" بحق الاوكرانيين عدا عن الانحياز السافر لدول الاتحاد الأوربي لأوكرانيا وظهور خطاب رسمي يتحدث عن اللاجئين الاوكرانيين أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء, وانهم لييسوا كاللاجئين القادمين من الشرق او أصحاب البشرة السمراء, وانهم يجب ان يتمتعوا بكامل الحرية والكرامة في التعامل والإقامة في البلدان التي لجؤوا اليها, ونحن لسنا ضد احترام حقوق الانسان والحفاظ على كرامته ومعاملته بإنسانية, ولكننا نبحث عن توحيد المعايير في التعامل مع اللاجئين وفي الدعم للمظلومين, وفي انكار أي عدوان على بني البشر, فلماذا تؤيد الإدارة الامريكية والدول الأوروبية والكثير من دول العالم مجازر الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني, وتقوم أوروبا وامريكا بتوفير غطاء لإسرائيل لارتكاب مجازرها ضد شعب اعزل, وتمده بالمال والسلاح, وتوفر له الحماية من الملاحقة الدولية, وتدعمه سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا, وهى التي تختلف معاييرها تماما في تعاملها مع أوكرانيا, وتشن هجوما حادا على روسيا, وتتوعدها بأقصى العقوبات, ليظهر بوضوح مدى التمييز في التعامل بين البشر, في دول تزعم انها تحترم الحريات, وترفع لواء الديمقراطية, لكنها للأسف تبقى مجرد شعارات زائفة.
السياسي السابق في حزب المحافظين البريطاني دانيال هانان اشار في صحيفة "تلغراف" البريطانية الى الضحايا الأوكرانيين انهم "يبدون مثلنا جدا، وهذا ما يجعل الأمر مثيراً للصدمة بدرجة كبيرة". وتابع "اوكرانيا بلد أوروبي، وشعبها يشاهد نتفليكس والمواطنين لديهم حسابات على انستغرام، ويصوتون في انتخابات حرة ويقرأون صحفا غير خاضعة للرقابة, وكأننا نحن الفلسطينيين ليس لدينا حسابات على انستغرام ولا نقرأ الصحف, ولا نشاهد برامج تلفزيونية, لذلك فان حياتنا رخيصة ولا نتعدى مجرد ارقام لدى هؤلاء العنصريين, كبير مراسلي شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية تشارلي داجاتا وخلال بثه رسالة له من كييف اعتبر ان "هذا ليس مكانا مثل العراق أو افغانستان التي شهدت نزاعات مشتعلة منذ عقود، مضيفا "هذه مدينة متحضرة نسبيا، واوروبية بمستوى ما، ومدينة لا تتوقع أو تأمل حدوث ذلك فيها", هل رأيت الى اين وصل الاسفاف بهؤلاء العنصريين, ان أمريكا واوروبا لا تعيش حضارة قيم او اخلاق او إنسانية, انها حضارة مادية قائمة على نظام البقاء للأقوى, والغريب ما حدث على قناة "الجزيرة" في محطتها الناطقة بالإنكليزية، حيث تحدث مقدم برنامج عن الأوكرانيين الهاربين من الحرب قائلا أن "مجرد النظر إليهم، وطريقة لباسهم، تدل انهم مرتاحون معيشيا، وينتمون لطبقة متوسطة" واضطرت قناة "الجزيرة" الى الاعتذار والاعتراف بأن أحد مذيعيها "قام بمقارنات غير منصفة بين الأوكرانيين الهاربين من الحرب وبين اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، مضيفة ان "تعليقات المذيع لا تتسم بالحساسية، وهي غير مسؤولة. واعتذرت ونوهت انه سيتم التعامل مع هذا الانتهاك للمهنية".
العنصرية في المجتمعات الأوروبية والأمريكية ليس لها حدود فهناك من تمادي في تصريحاته العنصرية لحد ابعد من ذلك، فقد تحدث نائب المدعي العام الأوكراني السابق ديفيد ساكفاريليدزي الى هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) قائلا انه كان صعبا عليه مشاهدة البيض وهم يفرون من الصراع، واوضح انه مشهد "مؤثر للغاية بالنسبة لي لأنني اشاهد أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر يتعرضون للقتل"، في حين رد عليه المقدم التلفزيوني في "بي بي سي" قائلا "انني متفهم المشاعر واحترمها بالطبع". كما تحدث مراسل في بولندا على قناة "آي تي في" البريطانية قائلا "هذه ليست دولة نامية في العالم الثالث. هذه أوروبا". الحقيقة ان كل اناء بما فيه ينضح، ولكننا يجب الا نراهن كثيرا كعرب ومسلمين في التعامل مع الأوروبيين والامريكان، وأننا كفلسطينيين لا يجب ان نلقي كل ما في جعبتنا في حجر المجتمع الدولي المحكوم بقانون البقاء للأقوى، لقد تمت "شيطنة" الحركات المؤيدة للفلسطينيين المطالبة بمقاطعة "إسرائيل" ومنتجاتها والاستثمار فيها، وبين حملة المقاطعة الغربية تجاه روسيا حاليا. فكل مجتمع له تصنيفه الخاص لدى دول الغرب وامريكا، فما يحكم الغرب والإدارة الامريكية مصالحهما فقط، حتى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، معيار الانحياز فيها خاضع تماما للمصلحة الأوروبية والأمريكية وليس المصلحة الأوكرانية، فما يهم أمريكا والدول الأوروبية هو نفوذ حلف الناتو في أوروبا الشرقية، وان يبقى العالم محكوم بسياسة القطب الواحد, اما أصحاب العيون الزرقاء من الاوكرانيين فيستخدمهم الامريكان والأوروبيين للتحشيد ضد روسيا ليس اكثر, وهم ورقة ضغط مرحلية في يد العنصريين.