قائمة الموقع

 مرابطات المسجد الأقصى صاحبات الأجر الممتد إلى يوم الدين

2022-03-07T20:25:00+02:00
محمد حميد (أبو الحسن)
بقلم/ محمد حميد (أبو الحسن)

عمَدَ الاحتلال الصهيوني في أعقاب سقوط القدس بعد نكسة حزيران 1967 وهزيمة الجيوش العربية إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التي تستهدف طمس الهوية الوطنية عن المناطق الفلسطينية المحتلة وتحديداً مدينة القدس وأهلها المرابطين، وقد تمثلت هذه الإجراءات بتبني الحكومة الصهيونية إجراءات هادفة إلى التضييق المستمر على سكان مدينة القدس كإغراء أهلها على شراء ممتلكاتهم في المدينة بالمال ومصادرة الممتلكات الأخرى عبر سن قانون أملاك الغائبين العنصري، وكذلك فرض رسوم وضرائب باهظة على التجار وأصحاب العقارات والأملاك، يضاف إلى ذلك محاولات دنيئة لتدمير الشباب الفلسطينيين مثل إغراق المدن الفلسطينية بالمخدّرات.
لقد كان لهزيمة الجيوش العربية المدوية وسقوط مدينة القدس بأيدي الاحتلال تأثيرٌ شديدٌ على أبناء الشعب الفلسطيني، فتسبب ذلك في انعدام الثقة بالنفس وإلحاق هزيمة معنوية في أذهان الكثيرين، فزين لهم الشيطان الهجرة خارج البلاد وأحياناً التساوق مع حكم الأمر الواقع الصهيوني، فلم يقتصر أثر الهزيمة العربية في 1967 على الجانب العسكري فقط بل أثرها امتد ليشمل الجانب النفسي والمعنوي لشعب منكوب كان يمنّي النفس بالعودة إلى بلاده المحتلة قبل سنواتٍ مضت.
وأمام هذه الضبابية، كان الفلسطيني في صراعٍ داخلي حول الهوية يدور بين أسئلة (لماذا؟، وكيف؟، ومَنْ؟، ومتى؟)، ولم يطل هذا الصراع كثيراً، فسرعان ما ظهرت إجابة هذه الأسئلة أمام الفلسطيني وانتهى صراعه الداخلي بالحسم، فكان جوابه الاعتماد على الله ومن ثم الاعتماد على الذات الفلسطينية مهما كانت الظروف الذاتية أو الموضوعية، ودون انتظارٍ لمعجزات الجيوش العربية أو الإسلامية ودون انتظار انقلاب النظام العالمي، وأمام هذا الحسم الداخلي والإجابة الشفافة بدأ الصعود المتدرج والطبيعي للحركة الوطنية الفلسطينية ثم للحركة الإسلامية واللتان كان لهما دور حاسم في تعزيز الهوية العربية والإسلامية للشعب الفلسطيني التي مثلت نواة التصدي الفوري والعاجل لكل محاولات التهويد ومصادرة الأراضي شعبياً وعسكرياً بكافة الوسائل المتاحة والمتوفرة، وهو ما ترجم في كافة ساحات العمل الوطني بعقلٍ جمعيٍ فلسطيني موحد رغم تباعد المسافات الذي فرضه الاحتلال.
وقد كان للحركة الإسلامية الفلسطينية في الداخل المحتل ومعها الكتلة الوطنية تركيزٌ على التصدي لمحاولات تهويد البلدة القديمة في القدس ومحاولات اقتحام المسجد الأقصى وذلك عبر حشد المصلين والمرابطين داخل باحات المسجد الأقصى المبارك خاصةً في الأوقات التي يمنع الاحتلال فيه دخول المصليين من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى الجهد المبذول منها في أعادة تأهيل المقابر الإسلامية في القرى والمدن الفلسطينية المهجرة عام 1948م وترميم المساجد التاريخية وذودها عن حرمة الأراضي الوقفية عبر سلاح القانون والمحاكم محاولين تثبيت أحقية الفلسطينيين في إدارة هذه الأوقاف والتصرف في ريعها بما يحفظ الهوية الإسلامية للبلاد، ولم يسلم كوادر هذه الحركة من العقوبات الصهيونية عبر وضعهم على لوائح المنع والملاحقة والإبعاد عن المسجد الأقصى والاعتقال لسنواتٍ طوال.
وفي خضم هذه الصراعات، لم تكن الحركة النسوية الفلسطينية بعيدةً عن عُبابها، فكانت نساء فلسطين صفاً واحداً إلى جانب شقائقهن الرجال في عمليات التصدي تلك، فلمعت أسماءٌ كثيرة من المرابطات المدافعات عن المسجد الأقصى، مثل المرحومة المسنة/ سارة النبالي "أم الوليد"، والمرابطة/ زينة عمرو والمرابطة/ هنادي الحلواني، والمجاهدة الكبيرة/ خديجة خويص ومئات المرابطات الفلسطينيات واللاتي نذرن أنفسهن للدفاع عن المسجد الأقصى والرباط فيه والتصدي لمحاولات اقتحامه اليومية من قبل المستوطنين والساسة الصهاينة، فتعرضن في سبيل ذلك للاعتقالات والاعتداءات من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين إلى الحد الذي تجرأ فيه هؤلاء المتطرفون إلى نزع خُمُرِهنّ أثناء التحقيق معهن في انتهاك يعبر عن همجية المحتل الغاصب والحقد والكراهية والعنصرية الدفينة لكل منتمٍ إلى الإسلام كدين وعقيدة، ولكن هيهات أن ينال هذا الاحتلال منهن وقد تسترن بالذود عن المسجد الأقصى.
مرابطات المسجد الأقصى سيدات فلسطينيات نلن حظاً من التعليم الجامعي، حيث تملك معظمهن تأهيلاً شرعياً، ويواصلن الرباط في المسجد الأقصى بنية حبس النفس للذود عنه رغم الإبعادات والاستدعاءات المتكررة من قبل سلطات الاحتلال وكدر الرباط، ولا يخلو رباطهن لساعاتٍ من تأديتهن الدور المناط بهن كأصحاب علمٍ ورسالة، فتعكفن على تدريس القرآن الكريم تلاوة وتدبراً وحفظاً وتفسيراً، فتزدحم مصاطب المسجد الأقصى بحلقِ النسوة اللاتي تتلين كتاب الله وتتدارسنه مشمولاتٍ بمعية الله وسكينةٍ منه، إضافة إلى النشيد الإسلامي المتحدي العذب الذي يصلنا بعض أطرافه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي شهر رمضان المبارك وبما يمثله من مناسبة إسلامية كبيرة وجامعة، تعمل المرابطات على تجهيز وجبات الإفطار الفلسطينية للسيدات والرجال المرابطين في المسجد الأقصى بجهود ذاتية أو تبرعات محلية عجز عنها حكام العرب وبعض ولاة الأمر من المسؤولين العرب وبعض الفلسطينيين الغارقين في لعنة التطبيع مع هذا العدو المستبيح للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي الأمي –صلى الله عليه وآله وسلم-ومعراجه إلى السماء، فيلبي هؤلاء المرابطون فريضة الأمة الإسلامية جمعاء في الوقت الذي ضيعها المتخاذلون اللاهثون خلف سراب الاحتلال الآملون بالنجاة بالتوسل به، ولكن قدر الله نافذ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
لقد كان في قصص هؤلاء المرابطين عبرة لأولي الألباب، فرباطهم خيرٌ من الدنيا وما فيها، وفيه الأجر الممتد إلى يوم القيامة والأمان من فتنة القبر، ما كان حديثنا عن تلك المرابطات حديثاً يفترى، ولكن تصديق العظمة التي تحف نساء فلسطين وتحف دورهن البارز في عبادة الجهاد في سبيل الله وتصدرهن أعمال المقاومة والرباط في الوقت الذي تخاذل البعض عن أن يهدي لبيت المقدس زيتاً يُسْرَج فيه، بورك جهدكم وجهادكم يا نساء فلسطين في القدس وفي جميع ربوع الوطن، وكل عام وأنتن بألف خير مجاهداتٍ صابراتٍ قانتاتٍ متصدقاتٍ حتى يأذن الله لنا جميعاً بالنصر والتمكين.

اخبار ذات صلة