فلسطينيو الداخل ١٩٤٨م هم جزء أصيل من الشعب العربي الفلسطيني الذى بقى في فلسطين ولم يهاجر ، هو امتداد لشعبه الذى تعرض لأبشع جريمة في التاريخ المعاصر اشتركت فيها دول عظمى وحركة صهيونية شيطانية وتواطؤ عربي مقيت وفاضح، تم ذلك عبر محطات من التخطيط والتنفيذ منذ مؤتمر بازل ١٨٩٧م بسويسرا ، مرورا بوعد آرثر بلفور المشؤوم وزير خارجية بريطانيا البارون الصهيوني المصرفي روتشيلد ١٩١٧م.
"اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين" ، وقرار عصبة الأمم المتحدة عام ١٩٢١م بانتداب بريطانيا على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وإسقاط الخلافة العثمانية وتقسيم ممتلكاتها وأراضيها، واتفق جمعيهم على استنبات هذه الغدة السرطانية في فلسطين تسليحًا وتدريبًا وتأهيلا وتمويلا وإسنادًا لتحول بين تواصل هذه الأمة وتكريس تمزيقها وتفتيتها وإحكام القبضة على المنطقة وثرواتها ومستقبلها متسلحين بشعارات دينية وأحقية تاريخية كما قال زعيمهم ثيدور هيرتزل "لا صهيونية بدون قيام دولة إسرائيل ولا معنى لقيام دولة اسرائيل بدون أورشليم" (القدس)
ظلت قضية فلسطين منذ ما يزيد عن قرن أسيرة للشعارات البراقة لحقوق الإنسان والعدالة الدولية وعلى الأرض مزيدا من الموت والدمار.
هذا الجزء من الشعب قدره أنه صمد في مدنه وقراه وبلداته وكان يقدر عدده إبان النكبة ب١٥٠ الف نسمة، موزعين على جغرافية فلسطين فى الناصرة وصفد وعكا ويافا واللد والرملة والمثلث، اليوم يبلغ تعداد سكان الداخل ما يقارب ٢ مليون اي ما يعادل ٢١ %من إجمالى سكان فلسطين المغتصبة، تعرض لأبشع المجازر وعمليات القتل ومصادرة الأراضي والتهجير من القرى الأصلية وزرع بلدات يهودية على حساب أرضهم، حاول العدو إغراءهم أيضا بالسماح لهم بهجرة خارجية لترك الأرض وأحيانا بهجرة داخلية للاندماج في أحياء اليهود، ومورست عليهم كل أشكال التفرقة العنصرية من منع رخص البناء وإصدار أوامر هدم للبيوت وتهجير، واستخدام كل الطرق والوسائل من إغراقهم بالمخدرات وفوضى السلاح وابتعاد مراكز الأمن عن أحيائهم، وتقليص مستوى الخدمات الصحية وتشجيع الازدحام وإظهرهم بأنهم أقلية ومواطنين من الدرجة الثانية.
العدو الصهيوني لم يكلّ ولم يملّ من تجريب كل المحاولات التي من شأنها إضعاف هذا الجسد الذى نما وترعرع وظل متمسكا بتاريخه وعاداته وامتداده وعمقه الفلسطيني يدافع عن أرضه، وقدم مئات الأسرى داخل المعتقلات الصهيونية قبل أوسلو وبعده، والعدو يرفض إدراجهم في ملف صفقات تبادل الأسرى بحجة أنهم مواطنون اسرائيليون وعلى رأسهم الأسير كريم يونس،
كان لفلسطيني الداخل دور بارز في الدفاع عن أهلهم في مناطق الضفة وغزة في انتفاضة الحجارة ٨٧ وانتفاضة الأقصى ٢٠٠٠م.
وقف شعراؤهم وأدباؤهم ومفكروهم وقادتهم للدفاع والذود والصمود ومنع كل محاولات تغيير ملامح هويتهم وانتمائهم أمثال:
محمود درويش
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة"
وتوفيق زياد.
"يا عدو الشمس لكن لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم"
"كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
هنا على صدوركم باقون"
والعلماء والقادة أمثال الشيخ المجاهد رائد صلاح والشيخ كمال الخطيب والدور المميز فى حماية والذود عن الأقصى وتحملا كل صنوف الملاحقة والاعتقال، وقادة سياسيون مثل محمد بركة، طلب الصانع وجمال زحلاقة وحنين زعبي وأحمد الطيبي ويوسف جبارين وآخرين.
وعلى الجانب الآخر برزت أعداد اندرجت فى الموالاة مع المشروع الصهيوني والالتحاق بالجيش الصهيوني، وهي أعداد هامشية ولا تحظى بتقدير ولا اهتمام بل شريحة منبوذة.
العقل الصهيوني لديه موقف موحد تجاه الشعب الفلسطيني في الداخل بأنه يمثل القنبلة الديموغرافية، لذلك تجد كل الحكومات المتعاقبة تسير على نفس المخطط (التهجير وتبادل الأراضي) كما حصل فى صفقة ترامب وطرح تبادل المثلث مع السلطة الفلسطينية.
هذا الجسم الحيوي والأصيل ظل متمسكا بثوابته وقدم الشهداء تلو الشهداء وجسد مقولة ضرب بها المشروع الصهيوني في المقتل "يوم استقلالكم يوم نكبتنا" وإصرارهم على مسيرات العودة السنوية لبلداتهم التى هجروا منها.
كان يوم الارض في ٣٠ مارس عام ١٩٧٦م علامة فارقة يوم استشهاد الشبان الستة وهم رجا أبو ريا، وخديجة شواهنة، وخضر خلايلة، وخير ياسين، ومحسن طه، ورأفت الزهيري.
دفاعًا عن أرضهم وتاريخهم ومستقبلهم، عند هذه المحطة أدرك العدو حجم المصيبة حينما راى بأم عينه كيف انتفضت غزة والضفة والشتات معلنة الحداد والتضامن بأننا شعب واحد موحد.
هذا الجسم الحيوي حافظ على وجوده، وبقائه وشكل تكتلات وأحزاب وقوى وناضل على المستوى الرسمي تحت قبة برلمانهم الصهيوني، وكان صوتهم يصدع ويرعد، وشكلوا اللجنة العليا للدفاع عن حقوقهم.
اليوم وأمام المشهد والفصل الخطير لتصفية القضية من خلال انكشاف القناع وانزياح الكيان تجاه اليمين واليمين المتطرف والمتمسك بشعارات يهودية الدولة ونقاء الدولة العبرية وتغلغل فكرة يهودا والسامرة، والعمل بلا توقف على إكمال مشروع القدس الكبرى وطرح مشاريع التبادل مع السلطة وغيرها، ومع انسداد أفق ما يسمى بعملية السلام أوسلو المقيتة وتلاشي كل الوعود بدولة فلسطينية، بل تكريس أن دور السلطة كيان أمني وظيفي بلا أي دور سياسي، وأفضل الحالات حكم ذاتي على أقل مساحة من الأرض على شكل كانتونات وروابط قرى، ومع بروز التراجع الأمريكي والأوروبي الذي بدا واضحا وجليا في التنكر لكل الوعود بدولة وخلافة، وعاد المشهد أشد قتامة وتبخرت الوعود وهيمن السراب والوهم، ناهيك عن الانكفاء في الحالة العربية الرسمية وحملات الهرولة والتطبيع وبناء التحالفات العسكرية والأمنية مع الكيان.
بالاضافة إلى المشهد الدولى والصراعات والتحولات الكبرى بين المعسكر الشرقي والغربي وما ما يجري بين روسيا وأوكرانيا إلا بداية المشوار ، والمشهد يزداد تعقيدا ويلوح في الأفق تهديد بالسلاح النووي بين الجهات المتقاتلة.
هذا الكيان الصهيوني السرطاني هو جزء من تلك المنظومات العالمية والتأثير عليه بالتأكيد سيكون واضح.
اليوم محور المقاومة يشتد عوده والتهديد للعدو الصهيوني من الخاصرة من لبنان وغزة وقرب اشتعال الضفة والقدس وال ٤٨ وإسناد الخارج سيكون له أثر في تعزيز وتعاظم مشروع المقاومة.
فلسطينيو الداخل أثبتوا بتاريخهم ومواقفهم وعطائهم أنهم جسم عنيد مؤمن بثوابته وأن عقود النكبة زادتهم إصرارًا وعنادا، وقاوم بكل شراسة كل محاولات الأسرلة وصهينة الجيل الشاب.
اليوم بفضل الله ثم بالصمود والعطاء جاءت "معركة سيف القدس" المظفرة لتعلن لهم ولكل عموم الشعب الفلسطيني أن فلسطين وحدة واحدة موحدة لا تقبل القسمة ولا التجزئة، وان ما يجمعها هو الأربعة أضلاع: وحدة الشعب، والأرض، والهدف، والمصير.
اليوم هذا الفجر الجديد يضع الكل الفلسطيني أمام تحديات جسام، هذا الشعب ليس من خيار أمامه بعد قرن ويزيد من العطاء وقرابين الشهداء وعذابات الأسرى والمصابين والمشردين إلا إعادة الاعتبار لنضالهم وقضيتهم ومستقبل أجيالهم بالعمل الجاد والواعي على بناء أوسع تحالف وطني مقاوم جبهة جامعة لكل مكونات الشعب وتوظيف لكل مقدراته فى كل أماكن تواجده تكون قادرة على لجم العدو وعلى استرداد منظمة التحرير الفلسطينية المختطفة والتي عادت دائرة من دوائر سلطة أوسلو ، وإعادة بنائها على أساس برنامج التحرير والعودة وتقرير المصير على كل شبر من أرض فلسطين التاريخية، والعمل الجاد والدؤوب وعدم التردد في انتخاب مجلس وطني من كل الفلسطينين في أصقاع المعمورة ليكون بمثابة صوت الضمير والمرجعية العليا للشعب الفلسطيني.
