إنهم الشهداء، فوارس فلسطين، يولدون في أجمل الأزمنة والأمكنة، يعطرون البلاد بروحهم وريحانهم، ويسيرون في صفوف الجهاد، قافلة من العاشقين لا تنتهي، ويرتقون شهداء على طريق القدس.
ميلاد فارس:
كانت وادي معالي بمحافظة بيت لحم على موعد مع فارسها محمد شحادة التعمري، في 30 أبريل 1963م، لعائلة مؤمنة بدينها ووطنها، مكونة من الوالدين المتوفين وسبعة من الأشقاء والشقيقات.
تلقى تعليمه حتى أنهي الثانوية العامة، ثم التحق بالجامعة وحصل على شهادة البكالوريوس في علم النفس. وعمل كمسئول للأمن في مستشفى المقاصد الخيرية الإسلامية، وتزوج ورزقه الله سبعة أبناء.
روح وريحان:
عرف بشهامته ورجولته وإيثاره لغيره على نفسه، وعطفه على الناس، وعفة نفس عالية، كما تميز بجرأة نادرة، وعقل منفتح جعله لا يميز بين اتجاه وآخر إلا بقدر ما ينفع القضية الفلسطينية أو يضرها، وهذا ما جعله مقدراً في عين الجميع.
في صفوف الجهاد:
حين امتلك فارسنا أول مسدس حقيقي في حياته، اعتلى سور القدس، وأطلق النار على أول جندي صهيوني رآه قرب باب الساهرة، وعقب العملية ارتكب جنود الاحتلال جريمة قتل الطالبة تغريد البطمة، فقرر الانتقام ونجح في إصابة أحد الجنود بجراح خطيرة في بيت لحم، وألقي القبض عليه لاحقاً، وأصدرت محكمة عسكرية صهيونية حكماً عليه بالسجن 25 عاما.
أمضى أبو شحادة في السجون فترة شكلت نقطة تحول هام في حياته فقد شغف بالقراءة وصقل ثقافته، والانفتاح على مدارك جديدة، وأطلق سراحه في صفقة تبادل الأسرى، التي أبرمتها الجبهة الشعبية القيادة العامة مع الكيان عام 1985م.
التحق بصفوف حركة الجهاد الإسلامي، وتعرض للإبعاد مع عشرات من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، عام 1992م، التي شكلت تجربة مهمة لمعظم المبعدين.
بعد عودته من مرج الزهور جمع بين العمل المقاوم بكل أشكاله: السياسي، والعسكري، والاجتماعي، حيث توجه إليه الناس ليساعدهم في حل مشكلاتهم، كما عرف عنه حرصه على الوحدة الوطنية، والنسيج الاجتماعي، وحفاظه على المؤسسات والممتلكات العامة.
خلال انتفاضة الأقصى، تعرض القائد "أبو شحادة" للعديد من محاولات الاغتيال من قوات الاحتلال، على إثر العمليات النوعية التي خطط لها ونفذها ضد الكيان الصهيوني.
شهيداً على طريق القدس:
في 6 مارس 2008م، قامت قوات الاحتلال بهدم منزل الشهيد القائد "أبو شحادة" وذلك على إثر عملية للمقاومة الفلسطينية غربي مدينة القدس المحتلة. وفي مساء الأربعاء 12 مارس 2008م، اعترضت وحدة من المستعربين الصهاينة سيارة يستقلها الشهيد القائد "أبو شحادة"، مع ثلاثة آخرين من رفاقه، وخلال دقائق معدودة أنهت حساباً طال انتظاره بالنسبة لدولة الاحتلال، أسفر عن استشهاده برفقة الشهداء الأبرار عماد کامل، وعيسى زواهرة، وأحمد البلبول.
لقد كان حدثاً مؤلماً وخسارة فادحة للمقاومة الفلسطينية، فيما كان وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك يعلن متفاخراً بما أسماه نجاحاً لقواته بالوصول إلى الشهيد القائد محمد شحادة".
وقد شيع الشهداء الفرسان إلى مثواهم الأخير في اليوم التالي الخميس في إحدى أكبر الجنازات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية.